ملاك مجاهد التحق بصفوف المقاومة الاسلامية منذ نشاته وشارك في العديد من المهام العسكرية التي تحمل في طياتها الف ذكرى وموقف مفرح ومحزن ولكن يبقى للمرابطة الاولى طعم اخر .
انهى ملاك الفصل الاول من عامه الدراسي وكان عمره لم يتجاوز السادسة عشر. إنها فرصة الشتاء، واي تلميذ لا ينتظر هذه الفرصة ليتنعم بدفء المنزل والنوم في الصباحات، ولكن عشق ملاك للجهاد ومقارعة العدو كان أكبر. قبيل الفرصة انشغل ملاك بترتيب أموره وتحصيل دروسه، حتى لا يفوته موعد المرابطة. نسق الأمر جيدًا، ليكون أول يوم منها أول يوم في الفرصة، وآخرها كذلك.
أعد العدة: ثياب سميكة وبعض الحاجيات وحقيبته المدرسية. كان محور إقليم التفاح من أشد المحاور شراسة في المواجهات، وبالتالي فالفرصة أكبر لتحقيق الحلم، وكانت الوجهة إلى إحدى النقاط المتقدمة في هذا المحور.
كانت النقطة ذائعة الصيت، فقد تم إنشاؤها وتثبيتها بالدم النازف والتضحيات الجسام. وصل ملاك على أصوات القذائف والاشتباكات. ماذا يحصل؟ فهو حديث العهد بالجبهة. تقدم للعدو جاءه الرد. قبض على سلاحه جيدًا، والتحق بإحدى المجموعات. كانت ليلة كربلائية حتى ساعات الصباح، تكبد خلالها العدو خسائر بشرية، الأمر الذي قابله بصب حمم طيرانه الحربي على الأحراج المحيطة.
طلع صباح ذلك اليوم بارتقاء شهيدين للمقاومة. اليوم الاول بهذه الشراسة. حدث ملاك نفسه، وحمد الله على نعمة الثبات في ظروف كهذه.
هدأت حدة العمليات، وبعد أن تعرف ملاك إلى باقي الإخوة في النقطة، وعلموا منه بأنه ما زال طالبًا في المدرسة بدأت مرحلة أخرى: مُنع من المشاركة في أي عمل، وطُلب إليه التفرغ للدرس. هذا يسمّع له درسًا، وذاك يُخضعه لامتحان رياضيات، وهكذا.
إلا أن ملاك لم يهنأ له بال، فألح على الإخوة في النقطة للمشاركة في مهمات جهادية، من استطلاع وكمائن وغيرها، إلا أنهم لم يقبلوا طلبه إلا بعد أن تعهد بالتفرغ للدراسة في اليومين الأخيرين من المرابطة. ومع هذا قبلوا على مضض.
يستذكر ملاك تلك اللحظات الأجمل في حياته. لا ينسى، وهو أصغر المرابطين سنًا في النقطة، كيف كانت معاملة الإخوة له كطفل مدلل في عائلة تتفنن في الاهتمام بصغيرها، لاسيما وقت الحراسة، إذ كانوا يشاركونه نوبات حرسه، حتى لا ينشغل عن دراسته.كان الوقت الأمثل للدراسة يبدأ مع انبلاج الفجر، إذ هيأ له الإخوة أفضل الأجواء، والتي كانت تخرقها أصوات القذائف والطلقات بين الفينة والأخرى.
أنهى ملاك مرابطته وعاد إلى منزله. غدًا الامتحان، وهو امتحان نصف السنة، وبعد الترحاب به بدأت والدته تعاتبه إذ كيف سيتمكن في بضع ساعات من إنهاء دروسه. رد ملاك باسمًا: أنا لا أحتاج إلى الدرس، بل سآوي إلى فراشي وأرتاح. انفعلت الأم من برودة أعصابه. فأخبرها ملاك بسره. سر هذه المرابطة المدللة، وكيف تمكن من إنهاء دروسه هناك. بقيت الام قلقة. يذكر ملاك كيف أحضر الشهادة لأمه مفاخرًا بأنه نجح مع درجة امتياز على غير عادته. سر آخر من أسرار نجاح هذه المقاومة: البندقية بيد والكتاب بيد. واحدة تُسند الأُخرى.