كريم مجاهد من مجاهدي حزب الله، في العقد الثالث من عمره، من سكان شرقيّ العاصمة اللبنانية، بيروت. تربى في كنف عائلة كريمة اتقنت فن العيش المشترك وحب الآخر، مع اختلافه الديني او المذهبي. درس، إضافة إلى تخصصه الفنيّ، علم الاجتماع، وما زال يكمل تعليمه في إحدى جامعات لبنان.
بحكم اختصاص كريم الفني، وبعد انتمائه إلى صفوف حزب الله، تقرر أن يكون عمله في الصفوف الخلفية. عامًا بعد عام، كان كريم يعمل بكل ما أوتي من علم وقوة ليسطع نجم المقاومة. بعد كل إنجاز علميّ لكريم وفريقه، كان يشاهد أقرانه من المجاهدين، وهم يخبرونه كيف تمكنوا من مواجهة العدو، وألحقوا به الهزائم، وهو يسرها في نفسه، تأكله الحسرة على ما يفوته من التحام مباشر، وإن كان هو يقاتل بأسلوب آخر. تنقل كريم من مهمة إلى أخرى، ومن من اختصاص إلى آخر، خاضعًا لتدريبات عسكرية مختلفة، ولكن بقي حلمه مواجهة العدو الصهوني وجهًا لوجه. بدأت أحداث سوريا يومًا بعد يوم. كان كريم متابعًا لكل تفاصيل هذه المعركة وتطوراتها. كان أكثر ما آلمه الاعتداء على المقدسات، وعلى الآمنين هناك. بدا على كريم الحزن الشديد، ولم يُرَ إلا كمن حمل هم الدنيا على رأسه. كعادته لم يترك مناسبة إلا وعرض على المعنيين طلبه للالتحاق بالجبهة، ولو لبضع أيام لعله يشفي غليل صدره، ولكن - كالعادة أيضًا - كان الجواب يأتي بالرفض. طبعًا، هو يعي أن دوره لا يقل أهمية عن دور من هم على الخطوط الأمامية، ولكن يبقى لأزيز الرصاص ما له من الفضل.
ذهب كريم في إجازة إلى منزله، وهنا حصل أمر شكّل دافعًا إضافية لقناعاته الراسخة أصلًا، وذلك عندما التقى بصديق الطفولة والجهاد، الذي بدأ يخبره كيف وفقهم الله في الدفاع عن حرم رسول الله، السيدة زينب(ع)، وكيف يضمر هؤلاء الأشرار حقدًا دفينًا عليها وعلى محبيها.
اشتعل قلب كريم حرقة ولوعة، وكان القرار. صباح اليوم التالي، استيقظ كعادته لصلاة الفجر. تلا بضع آيات من القران الكريم، وتوجه إلى مركز عمله، وعلى لسانه كلمة واحدة: أنا خجل من مولاتي وأمها وجدها وأبيها. يعلم كريم جيدًا وقع كلماته هذه على المعنيين، لكن وقع ما سمعه من صديقه كان مدويًا، وتخيل نفسه في كربلاء والحسين(ع) ينادي: هل من ناصر ينصرنا، هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله"، لم يكن في قلبه حينها سوى رد واحد: لبيك يا حسين. طرح كريم ما يختلج في قلبه، وبريق الدمع في عينيه. "حاج أنا خجل من مولاتي". استوقفه الحاج، وطلب منه بعض الوقت ليحسم أمره. مرت الدقائق كأنها سنوات، والحاج يتكلم على الهاتف يطلب الإذن له ولكريم بشرف المشاركة في الدفاع المقدس. وبعد أخذ ورد، جاءت الموافقة مشروطة بالعمل في محاور دفاعية. ابيضت الدنيا في وجه العاشق المحب، وبدأ يعد العدة للقاء. جاء الخبر اليقين: أخ كريم، اليوم سوف تنطلق، بلغ سلامنا للسيدة وللمجاهدين. ما هي إلا ساعات حتى وصل كريم إلى أحد الأحياء القريبة من مقام السيدة زينب(ع)، ليرابط هناك مدافعًا عن بطلة كربلاء. هناك كان طعم آخر للجهاد. فمن خلف المكاتب والأعمال الإدارية إلى المحاور ولو كانت دفاعية. استلم سلاحه، لبس بزة الشرف، وعلى لسانه كلمة أمير المؤمنين(ع): اشدد حيازيمك للموت...
تعرف كريم إلى المرابطين هناك، عارضًا نفسه خادمًا لهم. ومن حديثه معهم فهم أن المنطقة حرروها منذ مدة، والمطلوب الآن هو الحراسة وعدم الغفلة، فالعدو لئيم. شعر كريم ببعض الحزن، ولكن لا بأس، فهو قريب من العقيلة، ولعل الله يوفقه في رد هجوم
أو اعتداء. بعد هدوء دام على هذا المحور ما يقارب الشهر، كانت مهام الحراسة روتينية. ذات يوم، كان اسم كريم موجودًا على جدول الحراسة. أنهى نوبته بهدوء تام، ثم عاد إلى المكان المخصص للاستراحة من عناء السهر، محدثًا نفسه: أين الأعداء؟ متى ألقاهم لأريهم بأسًا من بأس حيدر. ما إن غفا قليلًا حتى استيقظ على صوت طلقات نارية، وأحد الشباب يوقظه قائلًا: هي هي والله، بسرعة ارتدِ ثيابك.
بسرعة البرق، كان كريم وصديقه خارجًا، حاولا تحديد مصادر النيران، فأدركوا أن قوة كبيرة من الأعداء تحاول اختراق هذا المحور. بدأ إطلاق النار من كل حدب وصوب. وبنداء "يا زينب الكبرى" أطلق كريم أولى رماياته باتجاه الأعداء. استمر الاشتباك حتى ساعات الصباح الأولى، وكريم بين مهاجم ومدافع ومسعف. ارتقى مع كريم ليلتها ثلاثة شهداء. أودع أحدهم كريمًا قبل شهادته سلامًا للعقيلة. تمكن كريم ورفاقه من صد الهجوم، بل وألحقوا خسائر بشرية ومادية بالأعداء. كان لسان كريم يلهج: هيهات منا الذلة، لبيك يا رسول الله، لبيك يا زينب.
بعد أيام عدة هدأ هذا المحور كليًا، وعادت إليه الحياة المدنية، أما قلب كريم فكان يشغله أمر واحد بعد، وهو زيارة مقام العقيلة. وبالفعل جاء أحد الإخوة يبحث عن كريم، ثم طلب منه مرافقته لعمل ما، وبينما هم يسيرون لاح أمام ناظريه جمال القبة والمقام، فانهال الدمع من عيني كريم مخاطبًا السيدة: "أوفيت يا ابنة الأطهار؟ أوفيت؟