عزيزي أبا جعفر، هلّا دللتنا على الطريق. يهتف مجاهد في الوادي المقابل لميدان محمد منتش. محمد منتش هل هو مصور؟ مقاتل؟ قائد ميداني في بقعة كفر صير؟ مدرب تكتيكات عسكرية؟ عضو في سرايا الاستشهاديين؟ دليل إعلامي؟ أب؟ أخ؟ صديق؟ ودود يحب نسج العلاقات الإنسانية بعيدًا عن أي انتماء وانتساب. أبو جعفر هو كل هذا. تاريخ الرجل يحيّرك فعلًا.
حين تحاول أن تلاحق تفاصيل نضاله، تتعثر بمحطات حافلة. مقاتل منذ 1986 في صفوف المقاومة الإسلامية. مشارك في عمليات مهمة وحساسة في تاريخ هذه المقاومة. تجده في بدر الكبرى ، في علمان و الشومرية، وكل القطاع الأوسط، ومحور النبطية وقلعة الشقيف وإقليم التفاح وموقع سجد... وصولًا إلى الحرب الشرسة ضد التكفيريين، في القلمون وغيرها. لا تعرف أين كان محمد مصوّرًا وأين كان مقاتلًا. عدسته سجلت الكثير من الإنجازات. هو أحد الجنود المجهولين.
آخر صوره التي انتشرت وكان هو بطلها: ملتحفًا علم حزب الله يحيي دير شيروبيم بالقرب من صيدنايا. يروي من صوّر الشهيد كيف بحث أبو جعفر عن علم حتى يلتقط الصورة، ويطلق موقفًا ضد التكفيريين ورافضي كل آخر. بعد أيام على انتشار الصورة على نطاق واسع، خرج بطلها إلى الضوء شهيدًا.
يصف زميل أبي جعفر آخر أيامه فيروي أنه كان يكثر من الوصايا: إذا صار كذا إفعلوا كذا... وإذا استجد الأمر الفلاني فعليكم بهذا الحل... لأول مرة أجد شخصًا مدركًا أنه راحل.
من بين ميزاته الكثيرة تبرز خاصية الصبر. بقاؤه في موقع الجهاد والمقاومة كل هذا العمر، يدل على قدرة على التحمّل. "ما مر عليه لم يمر على جبال وتبقى راسخة".. يقول صديق.
في الفترة الأخيرة صار يقضي معظم وقته عاملًا في الميدان. يزور بيته كل شهر ونصف أحيانًا، لأن مهمته العملية تستدعي هذا الغياب. ورغم سنه الكبير نسبيًا، إلا أنه تحلّى بفتوة الشباب اليافعين.
قبل يومين من استشهاده أراد أن يأخذ مأذونية ليعود والدته المريضة، فاستمهله الإخوة يومين حتى تضع العمليات العسكرية أوزارها على الأرض. لم يزر محمد أمه زيارته الأخيرة. لم يطبع قبلة على كفها وعينها، لم يُرَ في ربى كفر صير، وفي صيدنايا، إلا ملتحفًا علمًا أصفر، أفنى عمره ليبقى خفّاقًا: انظروا دماءنا وأكملوا المسير.