الشهيد حسام محمد علي "أبو علي الحر"
يعرف جيدا أنّ عليه التخرج هذا العام من كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية. فمذ تفوّق في الشهادة المتوسطة بدرجة "جيد جدًا" يرغب في دخول اختصاص علميّ يساعد عبره المقاومة. ساندته على ذلك درجة "جيد" في امتحانات العلوم العامة. فكبر حلمه كثيرًا.
أحب أن يضيف إلى قائمة اختراعات المجاهدين اختراعًا جديدًا، أو ربما يطور "مرصاد1" أو طائرة "أيوب"، من يدري! المهم أن عليه التركيز هذا العام كي يتخرج ويتابع تخصصه، ليصل أخيرًا الى ما يريد! قد يحط به الزمن في مصنع أسلحة نووية أو تخصيب اليورانيوم! المهم أن يحاربهم بفكره وعقله إلى جانب بندقيته.
لكن جهاد التكفيريين في سوريا حلم لا يفارقه، وصور الشهداء من حوله تتكرر وتتوالى. و"أبو علي الحر"* عشق لا يغادره! كم مرّة صلّى معه في مساجد عيتا الشعب، وتعلّم منه الكثير الكثير.
يتذكر عنه قصصًا كثيرة مشبعة بحنان والد بعيد عن أبنائه، لكنّه يوزّع الحنان على كل من يحيط به، حتى باتت جعب الشباب في عيتا تحتضن الكثير عن رجل حضر أكثر بعد شهادته.
يبتسم، يتذكر بأنّ الشيخ في أحد المرات طلب من الشباب أن يحضروا دفاتر وأقلامًا ليسجّلوا عليها ملاحظات المحاضرات، وفي المرة التالية لم يحضر منهم ما طلب الشيخ إلا واحد: "أبو علي الحر"، المسؤول العسكري في القرية!
ضحك الجميع عندما رأوا هذا المشهد. كلهم يعرفون بأن الرجل لا يحتاج إلى محاضرات دينية، وأنّ التركيز في كلامه يجعلك تسبح في عالم آخر. يختلط الدين بماورائيات العشق الإلهي، فتسري قشعريرة في البدن لا يحدّ منها دمع عين ولا خجل وجد!
إنه عالم الملكوت الأعلى. يُجمعون على أن "الحر" هذا كان حرًا فعلًا، ويعيش في دنيا أخرى، لكنها دنيا متصلة بالأرض وبالناس. فتركيزه على هموم الشباب لم يكن ثانويًا في قاموس حياته، وابتسامته التي لا تغادر محياه هي بطاقة دخول إلى كل القلوب.
كم مرّة جلس يتحدث معهم فيقول محفّزًا: " ارتفعوا!. الصهاينة نعمة، والتكفيريون نعمة! إنهم نعمة للإرتقاء من أضغاث الدنيا". يحدّقون به راغبين في إطالة الكلام قدر المستطاع!
"آهٍ، يا ابا علي! لقد رحلت، وخلّفتني وحيدًا! ألا تعلم يا معلمي كم ناضلت إلى حيث أنا ذاهب الآن؟".
صار يتمتم في نفسه وهو في طريقه إلى سوريا: وأخيرًا وبعد طول انتظار!
"أمي ترفض دائما أن اذهب الى هناك، تخاف عليّ. أقول لها: ارتفعي يا أماه! ارتفعي! ماذا أفعل يا ربي! ها أنا جئت دون علمها. أخبرتها بأنني في بيروت بسبب امتحانات الجامعة، وشددت على أخي الكبير ضرورة إخفاء حقيقة الأمر عنها. لكنها أمي. ماذا لو استشهدت وهي غير راضية عني؟! أوكلت الأمر إليك يا ربي".
ماذا وراءك يا بيت الحكايا؟!
حطّت بهم الرحلة أخيرًا: بيت كبير يحوي الكثير من المجاهدين المساندين للجبهة في القلمون!
إذًا هو لن يحارب، لكنه سيكون سندًا! سيعدّ الطّعام لهم، سيخدمهم كما حلم دائمًا. سيغسل أطباقهم، وسيساهم في خلق بسمةٍ ما فوق ثغورهم، مثلما يزرعون النصر فوق الروابي.
نظر إلى جدران البيت، لوهلة شعر وكأنها تحكي! كم يا ترى من شهيد حط هنا ليكتب حلمه فوق طلائك؟! وكم من أنّةِ شوق اختبأت بين رسومك خجلًا من كل من ترك البيت والأحبة ليحضن غربة الإنسانية في هذه الأرض؟!
جلس قليلًا، أسند رأسه الى الحائط، وأرخى دموع سعادته حامدًا الله على هذه النعمة: "ماذا ستخبرني يا بيت الحكايا عنهم؟! وأين منك طريقي، ووجه أمي؟!"
*الشهيد حسام محمد علي