بكلمات عفو الخاطر يستذكر الشيخ المجاهد عبد الكريم عبيد يوم الحرية في ذكراه العاشرة(29-1-2004)
"هذه اللحظة أهم لحظة عندي، وهي اللحظة الحقيقية للشعور بالحرية، لأن الإسرائيليين فوق بالطيارة وأنا على الدرج، لا أنا بدي ارجع ولا هني بيقدروا يرجعوا ياخدوني... يعني القصة انتهت، وحسيتها بدأت الحياة الجديدة. كل الـ15 سنة صاروا ذكريات".
بهذه الكلمات عبّر شيخ المحررين الشيخ عبد الكريم عبيد عن اللحظة التي شعر فيها بالحرية عصر يوم الخميس 29/1/2004 م.
عرف شيخ المحررين بخبر عملية تبادل الأسرى عبر تلفزيون العدو داخل السجن من خلال مؤتمر صحفي، في العاصمة الألمانية برلين، لمنسق الأنشطة الأمنية في الحكومة الألمانية "أرنست أورلاو"، أعلن فيه نجاح المفاوضات حول عملية تبادل الأسرى بين حزب الله والعدو الإسرائيلي.
كان ذلك قبل 5 أيام من تاريخ التبادل المفترض، وبالتحديد مساء السبت 24/1/2004م، ولكن لم يتوقع الشيخ عبيد أن يكون ضمن المفرج عنهم بسبب تعقيدات كان وضعها العدو على بعض أسماء المعتقلين اللبنانيين في مفاوضات سابقة.
بعد ظهر الأحد 25/1، وعبر التلفزيون كذلك، سمع الأسرى ما يطمئنهم.
"بعد ما سمعنا سماحة السيد اطمنا، بعد ما أعطى تفاصيل الاتفاق، وأن كل اللبنانيين سوف يطلق سراحهم، ولكن ظلّ في ذهننا أننا لا نستطيع الاطمئنان إلى عدو اعتاد الغدر ونكث العهود".
حلّ الليل وكلّ أوى إلى فراشه في السجن، ولكن بماذا يفكرون؟ "بالليل الأفكار اللي صارت تخطر على بالنا قبل ما ننام إنو عن جد هذا رح يصير؟ عن جد رح يتحقق؟ معقول كل هذه السنوات تصير ذكريات؟ وبلشت(بدأت) الأفكار تتوارد، منها: كيف رح يكون الاستقبال؟ كيف الأولاد؟ كيف العيلة؟...".
مرت الساعات مثقلة بالذكريات، طويلة بطول الأعوام التي قضاها الشيخ في السجن، يأتي السجان إليهم بعد يومين، يطلب منهم الاستعداد للانتقال إلى سجن آخر.
الثلاثاء 27/1، الساعة الثالثة بعد الظهر، وصل الأسرى إلى سجن "ريمونيم". وزع العدو الأسرى على الغرف في السجن، كل شخصين في غرفة. يسترق الأسرى الحديث مع بعضهم في هذا السجن ولو من خلف الجدران، وهناك من يلتقون ببعضهم للمرة الأولى منذ الأسر. حديث بين الماضي والحاضر والمستقبل: "صرنا هون نسترجع ذكريات السجن وحتى ما قبل السجن، إنو الواحد كيف رح يلاقي البلد؟ وكيف رح يكونوا الأشخاص اللي بدو يقابلهم؟ مين هني؟ وكيف رح يستقبلوه؟ هوي كيف حتكون تصرفاته وتصرفات الناس الآخرين؟ خاصة بالنسبة إلي أنا؟ كانت مثلا: شو أول شي بدي اعملوا بس أوصل؟ المقبرة، الناس، يمكن الحسينية، المسجد؟...".
ليل الأربعاء، نُقل الأسرى إلى المطار بعد تفتيش دام سبع ساعات، انطلقت الطائرة الإسرائيلية إلى مدينة كولن في ألمانيا، محطة الاستلام والتسليم المفترضة في العملية. بعد حوالي خمس ساعات وصلت الطائرة إلى ألمانيا، وفي المقابل كانت هناك طائرة أخرى قد وصلت إلى كولن من بيروت، تحمل الأسير الإسرائيلي تتنباوم وجثث الجنود الإسرائيليين الثلاثة. بدأ تنفيذ التبادل: "بعد ساعة، أتى الألمان وقالوا تفضلوا أنت والحاج أبو علي (الديراني) أول شي، وعلى باب الطيارة، فكّوا اليدين بعدما كانوا قد فكّوا القدمين، وقالوا: انزل. انزلت ولحقني الحاج".
بعد لحظة الحرية الأهم، كما وصفها الشيخ في بداية اللقاء، يتسلّم من الوفد اللبناني زيه الديني الذي فارقه خمسة عشر عامًا: "بس لبست ثياب الشيخ، شعرت بأن مرحلة جديدة بدأت الآن. صراحة، بلحظتها، وبالرغم من أننا لم ننم طوال الليل، إلا أن الإنسان يشعر بأنه بدأ باستعادة قوته، يعني يترَوحَن متل ما بقولوا، وبلشت حسّ أن الأسرى الآن كلهم مسؤولية عليّ: أسئلة شرعية عن الأكل والصلاة. يعني صار الآن دور شيخ ولم يعد الأسير اللي كان بالأول. هنا بدأ الدور يتبلور شوي شوي".
في هذه اللحظات، يتصل الوفد اللبناني بعائلة الشيخ ليتحدّث معهم للمرة الأولى منذ الأسر: "قالوا في تلفون مع العيلة، احكي معهم. أخذت التلفون وحكيت معهم واحد واحد. يعني بالطبع الكلمات عم تطلع بصعوبة، ما حبيت ان اتكلم بكلمتين الحمد لله على السلامة، أنا بخير وخلص، كنت بس اسمع كل صوت منهم حاول ان امنع دمعتي بس ما قدرت".
يومها أطلق سيد المقاومة وعدًا لم يلبث قليلًا حتى أدركت إسرائيل أنها ارتكبت حماقة كبرى في الإصرار على عدم إطلاق سمير القنطار، لأننا قوم لا نصبر على قيد في زند.