مكدسًا في مكاني: للمرة الأولى أشعر بمعنى هذا التعبير. أنا الآن ملقى في حفرة، تساويني حجمًا، وتزاحمني فيها حتى أنفاسي، التي التقطها بصعوبة بالغة، فتبعث في رئتيّ مع الهواء ذرات كثيفة من الغبار مزاحمة - هي الأخرى- نسمات يسترقها أنفي، مزاحمًا - أيضًا وأيضًا - فمي الذي لا يطيق إطباقًا تحت أنف شبه معطل.
بين وقت وآخر، أحتاج إلى أن أدعم هذا التزاحم التنفسي، بدفعة قوية من الهواء، فأغلق فمي وأتنهد، حريصًا على ألا يصدر مني أي صوت. ساعتان وأكثر، وأنا على هذه الحال، كم بقي من الوقت؟ لا أحد يعلم. لكي تكتمل مهمتنا، يجب أن يسرع القوم إلى حتفهم.
كم يطرق باب حنينك، وأنت في صفاء المشهد هنا، أن تفكر في طريق العودة. آه ما أجمل العودة إلى من وما نحب. إلى هذا الحد صرت دنيويًا؟ تعنيني كثيرًا تفاصيل حياتي الشخصية، أعتني بمأكلي ومشربي وثيابي وأصدقائي...؟ ولمَ لا؟ هل المطلوب أن أهمل كل ما حولي، لكي أفوز، لكي أنجو. سمعت قديمًا أن الزهد هو أن لا يملكك شيء، ولكن أن تملك وتحب وتتنعم فهذا لا يتعارض مع الزهد. نعم، ولكن الاستزادة من هذا كله تهدد التعلق، أو بالأحرى يحرفه. أنا طريقي ليست هذه، ولا يجب أن تكون؛ الأولى بي أن أنكب عل ما يربطني أكثر بالحبيب الوحيد.
زوجتي، منزلي، أصدقائي، حياتي، طفلتي الصغيرة كم هي جميلة وقد تملكت قلبي بوداعتها. ماذا أفعل بكل هذه الجواذب الأرضية. جاذبية الأرض تتغلب فيّ على جاذبية السماء. خُلِّد "مكتشف" الجاذبية، على عدم اقتناعي بأسبابه التافهة: إلى هذا الحد لم تكن البشرية تدرك أن الإنسان مشدود إلى الأرض. ولكن هل هذا قانون طبيعيّ، أم نفسيّ. باستطاعة الإنسان أن يذلل جاذبية الأرض.
يتبع