هكذا صرنا: أن تكون "أون لاين" بعد ساعة التفجير يعني: أنت حي.الكارثة الكبرى أن تكون "لاست سين" قبل الانفجار! ستنهال عليك الإتصالات بأصوات مرعوبة.أمك مثلاً تبكي، والدك يضبط أعصابه، أختك تدعو. إنها حرب من يبقى ليدفن من مضى. اعتدنا، ربما نرفض دائمًا أن نصدق بأن دور الحبيب قد جاء. ما زال الأمل قائمًا بما أن الهاتف يرن.
على الموت أن يسامحنا: نحن ما زلنا نحب ونعشق. ما زلنا نرغب في "سدر" يضم كل أفراد العائلة لتناول الترويقة. بات أمرًا نادرًا. الشباب "ليسوا هنا" كما نقول. تختلف المهمات: بين حراسة أمن الأمة، وحراسة أمن الناس، الهدف واحد، يختلف المكان فقط، دون أن تختلف هوية الغياب."بيرجع أو ما بيرجع؟"هنا السؤال. بانتظار الإجابة، المكان خالٍ في القلب. "مش بس إنتو عم تستشهدو، نحنا كمان عم نستشهد". هذه صورة علي خضرا الناطقة.
حتى عندما كان يجب ان يصمت، تكلم، بلساننا كلنا، وصل ألمه حدود الجهاد: "شباب، حتى أهلنا عم يستشهدو". ربما هي عبارة رددها بعض المقاومين على الجبهة، ربما احتفظ بها لنفسه كي لا يكون علي أخ احدهم. ربما، ربما. ساعة الانفجار حرت في أمري. أمي في طوارئ إحدى المستشفيات، تتألم، وأمتي بأجمعها تحترق. في حارة حريك أحباب كثر. ماذا أفعل. أأترك أمي لوحدها لأطمئن عليهم؟ أأبقى معها؟...الألم محيّر.
لكن وجع التفجير حتّم على وجع أمي الإنتظار: "شو في؟! اطمني على أهلنا، إعرفي الأخبار". حتى وجع أمي تضامن مع وجع أمتي. لسان الحال:"مش عيب نمرض وقت الانفجار!". كأن المسألة مسألة وقت لا أكثر. نحن جميعنا شهداء. الفارق الزمني هو توقيت الرحيل."مين بعد بفكر بعرس او تخرج...؟!". كان محقًا عندما نطق هذه العبارة أمام والدته، قبيل ساعات من التفجير.
لكن صوت تلك المرأة فاجأه من جديد: "رح ضل احلم انو نحن مجموعين بعرسك يا علي". يطأطئ رأسه: "القصة كلها انو اسمي علي". ويتمتم في رأسه :"انا شهيد يا أمي، الله يصبرك". المفارقة: أن ترحل أمه قبله. إنها المنافسة على تحقيق الحلم قبل الرحيل. بالمناسبة، ثمة من يفرحه ألمنا، يتهيأ الآن إلى تنفيذ هجوم جديد. ربما ينتظر أن ننسى بعض من دفنا بالأمس. لا، أيها التكفيري، نحن أمة تحلم دون أن تنسى. نحن أمة تبتسم لكل أمل يبقيها حية في رحب الأمان. أنت من نسيت أننا اتباع الحسين وذرية عشق عابس. جميعنا شهداء - أيها التكفيري –ومبتسمون!