أودِعوني كرّاسة أمي، حيث لا زالت مناغاتي الأولى، وكلماتي الأولى. هناك، فرحتها تُداعب الحرف فيغدو زنبقًا يخط سنيني. هناك، صورة كفي الصغير يُمسك خيوط الشمس، يجذبها إلي قفزة نحو السماء لأسمو. فيه ، تبسّم أبي المتعب من شقاق أرضٍ لا تُنبت لغير الغرباء. أمطار سمائنا، المؤونة المُفردة لكفاف العمر. هو ذاك الصامت، وقد شقّت الحياة في جبينه سبل الكدّ. يضرب باطن الأرض بساعديه، فتصدح أمانيه للسماء. هناك، سقطة أخي الحالم بعالمٍ من رخاء، يتلو قصائد الدول وأنغامهم على وتر التخلي عن كل شيء: الأرض، السماء، الأحبة ...
الإفلات من حبال ذاكرتنا المتخمة بالمستعمرين ومواثيق الإهانة. فقط، "شرّع جناحيك للريح واقذف كل معتقداتك وقضاياك، وأقبل إلى العالم الأول". يتلوها بصدق، ويهيم مزهوًا على أطراف إنسانيته، يجول على أسوار قصورهم الرملية، دون أن يدري أنها وحسب، شواهد أحبة مضوا لأنهم لم يفرغوا جعبة الرشد والكرامة. يُسلم عقاله لأوهامهم ويحلّق، فيسقط سهوًا من أساطيرهم في كومة "التبن".
لتهرع بعيدًا نعجتنا الوحيدة، ويضيع طيفٌ آخر من محاصيل الشتاء.
في صفحاته، يدسّ ابن جيراننا جسده المرتعش في دفء فراشنا، وقد سرق حملة الأقلام " الوقود " من قضيته ، والغابة بعيدة، فيها أسياد يتربصون بها للحفاة من زيف الحياة.
هناك، قريتنا بمَمَرّيِ ريحٍ، يرسلها الأسياد على الرعية، فمن نال رضاهم بالفأس فوق دم أخيه، كانت الريح إليه مثقلة بالمؤن واللحى والفؤوس. ويل لذاك الذي رمى فأسه على وجه صخرة، ليسدّ الباب في وجه الصقيع.
أودِعوني، كفّ أمي المرتعش وفيه من البرد والسنين والقلق ما فيه، لتخطّ آخر زنابقي في حسن الختام. سجّلوا انني شهيدٌ تشظى في دفق الوقود بارودًا فوق جسدي ، ولا زال رأسي بشاربيّ الفتيين.
مخدع جارنا، قد اشتدّ به عصف الجهل وصقيع العائدين من رفات الكتب، فحمل الفأس فوق دم أخيه...