صبوة الأمين
كنت طفلة لأستوعب ذاك الذهول المتدفق من وجه معلمتي. بدت كأم لثلاثين طفلاً داخل الصف، أكبرهم لم يتجاوز الأعوام التسعة. كنا نسمع صدى صوت القذائف، لكن القصف بدا بعيدًا عنا، ربما بسبب الفوضى التي عمت في الفصول الأخرى. حاول الأساتذة ضبط الوضع، لكن التلاميذ كانوا يدركون بأن العدو لا يميز بين مدرسة وبيت ومسجد، فضلاً عن أن صفنا يقع في الطابق الثالث. كانت معلمتنا تتحدث إلى معلمة في الصف المقابل، وآثار الخوف على ملامحيهما جلية وواضحة، مهما حاولتا التظاهر بعكس ذلك، كي لا يتسلل الخوف إلينا ربما، خصوصًا وأن صوت القذائف أصبح أكثر قوة، بشكل غطى على الضجيج السائد في المدرسة. فجأة، لم يعد بإمكان أحد السيطرة على الطلاب، الذين انهمروا من المدرسة وسط تزاحم شديد، وخوف لم أشهده من قبل. لم أكن أدرك إلى أين سأذهب، ومنزلنا بعيد نوعًا ما عن مدرستي. للحظة شعرت برغبة شديدة في البكاء، قبل أن أجد يدي بيد شقيقي الأكبر، كأن الله أنزله لي من السماء، ليأخذني ويمضي بي إلى حيث لجأت أمي وباقي إخوتي. طبعًا لا إلى بيتنا، بل إلى بيت سيدة تقية، كنا نعده جميعنا آمنًا من كيد صواريخ العدو، كونه محاطًا بالبيوت من كل الجهات.