تباينت آراء الطبقة السياسية والنخبة الإعلامية التونسية بشأن إمكانية تكرار سيناريو إسقاط حكومة النهضة في تونس من عدمها، أسوة بما حصل في مصر من إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي على يد العسكر، وفي هذا السياق حذر سياسيون واعلاميون تونسيون، في حديثهم لموقع "العهد" الإخباري، من قيام ثورة جديدة في البلاد بالتزامن مع تصاعد حالة النقمة الشعبية على الحكومة الحالية.
النائب في المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) عن حزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" المنجي الرحوي (الذي تزعمه الأمين العام الراحل شكري بلعيد) أشار إلى أن "الأسباب التي اشعلت ثورة "30 يونيو" في مصر، موجودة في تونس"، واستند إلى ما قال إنه "تغول من قبل الحزب الحاكم على الدولة، واحتقان لدى الشعب بسبب عدم تحقيق أهداف الثورة"، وأشار الرحوي إلى أن "هناك قطاعات واسعة من الشباب التونسي تشعر بأنه تمت سرقة الثورة من يدها".
وتطرق النائب التونسي إلى الأوضاع المعيشية في البلاد، متحدثاً عن أن "نسبة الفقر زادت مع الحكومة الحالية، وحتى الشرائح المتوسطة تراجعت، وأصبحت تعاني صعوبات معيشية حقيقية"، وأضاف أن "الحريات تراجعت بدورها مع حكم حركة النهضة وزاد التضييق عليها"، وشبَّه "رابطات حماية الثورة" بما وصفها "ميليشيات" جماعة "الإخوان المسلمين" معتبراً أن "هذا ما يجعل إمكانية تكرار السيناريو المصري واردة بشدة".
"
ودعا الرحوي إلى "استرداد ثورة تونس وتمكين الأطراف من التعبير عن رأيها"، وكشف أن حركة "تمرد" ـ تونس بدأت بجمع التواقيع من المواطنين "المعارضين للحكومة والأغلبية السياسية"، ورأى أن "العملية التي بدأت في مصر مرشحة للتوسع، لكن بعد شهر رمضان المبارك، لأن في هذا الشهر يرتبط التونسيون بمستلزمات معينة يفرضها هذا الشهر الكريم بطقوسه المؤثرة منذ قرون في مختلف العائلات التونسية".
من جهته، يشرح عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين "زياد الهاني" (من المعارضين البارزين لحكم الرئيس الفار زين العابدين بن علي قبل الثورة) بأن تحالف "الجبهة الشعبية" المعارض "على استعداد تام للانخراط في كل المبادرات والتحركات الشبابية الشعبية ذات الطابع السلمي بشرط مناهضتها لمسار الالتفاف على الثورة التونسية"، واستدرك بالقول إن حركة "النهضة"، أحد أقطاب الائتلاف الحاكم، قدمت "تنازلات من أجل تجنب الاستقطاب الأيديولوجي، وتحقيق التوافق، واعتمدت استراتيجية جدّية توافقية، وهو ما جنب بلادنا سيئات ومخاطر الانقسام".
ويرد النقابي التونسي التغيير الحاصل في مصر إلى "توفر عدة عوامل أهمها انقطاع التواصل بين مكونات النخب المصرية حكماً ومعارضة، وانفراد جماعة "الإخوان المسلمين" بتقرير مصير مصر دون أخذ مطالب باقي مكونات المجتمع المصري بعين الاعتبار"، وأضاف أن "تصاعد الغضب الشعبي بسبب تعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وعجز حكومة رئيس الوزراء المعترض عليه هشام قنديل عن توفير أية حلول ملموسة لها ساهم في الأزمة"، واعتبر الهاني ان ذلك "مكن المعارضة وفعاليات المجتمع المدني من استثماره أحسن استثمار، ووجدت الحركة الاحتجاجية العارمة دعما حاسما من المؤسسة العسكرية القوية التي انحازت للأغلبية الشعبية المطالبة بالتغيير".
ويؤكد الهاني أن "الأمر في تونس مختلف، فمن ناحية عرفت حركة النهضة رغم كل محاولاتها الالتفافية كيف تتعامل بمرونة مع النقاط الخلافية في مشروع الدستور وسعت إلى التوافق في اللحظات الحاسمة لتجنيب البلاد منزلق القطيعة والمواجهة"، وذكَّر "بما حصل مثلاً في موضوع التنصيص على مرجعية الشريعة الإسلامية"، لافتاً إلى أن "المؤسسة العسكرية التي كانت في تونس منذ تأسيس الجيش الوطني بعيدة عن مجال الفعل والتأثير السياسيين خلافاً لنظيرتها المصرية"، وأضاف أن "ضعف أداء المعارضة السياسية التونسية، التي لم تعرف كيف توظف الفرص السانحة التي أتيحت لها، ومنها قضية اغتيال الزعيم المعارض شكري بلعيد، أبقاها في موقع ردّ الفعل العاجز عن المبادرة".
الإعلامية التونسية، والكاتبة الصحفية بجريدة "المغرب" المحلية، زمردة دلهومي حذرت من "عواقب تكرار ما حصل في مصر"، معتبرة أن "تونس التي أطلقت ربيع الثورات بأخف الأضرار، باعتبار أن ثورتها بدأت ولا تزال سلمية، يجب أن تحافظ على مسارها السلمي نحو الإنتقال الديمقراطي"، وأسفت دلهومي لأن "النموذج المصري يكاد يتكرر في تونس"، كاشفة أن الحملة "تمرد" تنشط في البلاد وتسعى إلى جمع التواقيع لإسقاط الحكومة مدعومة بقوى سياسية معارضة، وأعربت عن اعتقادها بضرورة "عدم تطبيق هذا النموذج في تونس، ولا بد ان تكون الطبقة السياسية اكثر عقلانية ".
ورأت دلهومي أن "سيناريو تدخل العسكر لا يمكن أن يطبق في تونس لعدة أسباب، أهمها أن المؤسسة العسكرية في تونس لديها عقيدة ثابتة تقوم على عدم التدخل في الشأن السياسي"، ونبهَّت إلى أن "الشعب التونسي ذكي ويتطلع بإمعان إلى تداعيات الإطاحة بـ"الإخوان المسلمين" في مصر من قبل العسكر، وإلى دخول أرض الكنانة فيما يشبه الحرب الأهلية"، ودعت إلى اتعاظ التونسيين "من هذه التجربة والتعجيل بإنهاء المرحلة الانتقالية بكل متطلباتها في أسرع وقت، وتنظيم انتخابات تخفف من حدة التوتر السياسي في البلاد وتفتح مجالات وآفاق أخرى"، ودعت دلهومي "الطبقة السياسية في تونس من جميع الأطراف سواء المعارضة أو السلطة إلى وقف التصريحات التي تستفز الشعب، وتجعله يمضي قدما في ثورة جديدة دون تلكؤ لان تونس تحتاج فترة من الهدوء الانتقالي السلمي عوضا عن التشنج السياسي الذي قد يقود البلاد الى الفتنة".