لن تنطلي على أحد، هذه الخدعة البدائية، التي تحاول إقناع الناس، بأن النائب بهية الحريري هي "مواطنة"، وليست من الطبقة السياسية التي انتمت إليها منذ أكثر من عشرين عاما، لم تغادر فيها الندوة البرلمانية، في حين تبسط عائلتها نفوذها الواسع في الدولة والاقتصاد. تتحول هذه الخدعة، إلى كذبة فجّة إذا انسحب الأمر أيضا على الرئيس فؤاد السنيورة عندما ينضم إلى حملة "بيكفي خوف"، وهو من لم يرف له جفن لأكبر تجمع بشري في تاريخ لبنان كان قد تظاهر ضد حكومته غير الميثاقية.
لقد اكتسب اللبنانيون خبرة واسعة في كيفية استخدام المجتمع المدني، وكيف تحولّت هذه الفكرة إلى أداة سياسية، يجري تصنيعها بالمال وبالضخ الإعلامي، وكان فريق 14 آذار منذ إنشائه، قد تمرّس في استخدام هذه الفكرة على الساحة السياسية، حتى باتت حرفته الوحيدة لكسب السلطة والاحتفاظ بها أو للنيل من خصومه السياسيين، والكل يذكر، كيف وضع لبنان تحت الانتداب القضائي تحت شعار "بدنا الحقيقة"، أو تغيير مفهوم العداء لإسرائيل وضرب المقاومة تحت عنوان "حب الحياة" إلى عناوين أخرى كلها كانت مرتبطة بأجندة سياسية دولية.
هذه المرة، عندما روّج المستقبل بدعم من حلفائه الآذاريين لحملة بيكفي خوف، كان وقعها باهتا، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، كما أن التوقيت كان فاضحا في تفسير الحملة، التي جاءت إثر قضاء الجيش على الحالة الأسيرية في صيدا، واستعداد المؤسسة العسكرية للقضاء على جميع البؤر الأمنية التي تهدد السلم الأهلي والاستقرار.
مع أن تحرك "بيكفي خوف"، انطلق من صيدا، إلا أن رئيس بلديتها السابق عبد الرحمن البزري، ينفي علمه بطبيعته، ولا يراه متوافقا مع "الأسباب التي وقعت من أجلها الأحداث في صيدا".
وينسب أمين سر اللقاء الوطني الدكتور عصمت القواس هذا التحرك إلى تيار المستقبل والنائب بهية الحريري، ويرى فيه تزويرا لهموم المدينة التي يرفض تصويرها على أنها في شقاق أو خلاف مع طرف لبناني آخر، ويقول: " التحدي الاساسي للصيداويين، هو نفسه التحدي الذي يواجه جميع اللبنانيين، اي التحدي الاقتصادي والاجتماعي، فجميع اللبنانيين يعانون اشد المعاناة من هذا النظام الاقتصادي والاجتماعي ومن الازمة المعيشية ومن البطالة ومن الضمانات الصحية والتعليم ، هذه هي التحديات التي تواجه اللبنانيين، اما القول ان اللبنانيين يخافون من بعضهم ! فهذا الكلام يهدف الى تضييع التحديات الاساسية وتحويلها الى صراعات عبثية لا طائل منها".
بات معلوما، أن الانقسامات السياسية في لبنان، لم تدع مساحة بين قضايا المجتمع المدني والقضايا السياسية، والتلطي خلف هذه اللافتة المهترئة لم يعد مجديا، ويقول البزري" المجتمع المدني في لبنان، كأي مجتمع آخر في لبنان ليس مجتمعا موحدا، وكذلك مؤسسات المجتمع الاهلي لها مزاج سياسي، وهناك مؤسسات في المجتمع الاهلي لها انتماؤها الاهلي فقط، فليس من الصعب ان نجد صيغة نستخدم فيها المجتمع المدني والاهلي غب الطلب، ولكن نحن نريد ان يكون المجتمع الاهلي الصيداوي وهو مجتمع فاعل ان يتم ابعاده عن التجاذب السياسي".
القواس من جهته، ينفي صفة المجتمع المدني عن هذا التحرك، ويقول: " إن المجتمع المدني يتمثل بالنقابات والمؤسسات الاجتماعية والنوادي والجمعيات، ولكن ما الذي يواجهه المجتمع المدني ؟ لنأخذ مثالا النقابات في مواجهة الازمة الاجتماعية والاقتصادية لديها مطالب، وهي تشكل جزءا اساسيا من المجتمع المدني، وهذا الاخير هو الذي تحرك من اجل تغيير قانون الانتخاب واقامة قانون انتخاب جديد خارج الاطار الطائفي وعلى اساس دائرة واحدة والنسبية، المجتمع المدني تحرك ضد هيمنة سوليدير وغيرها من المسائل المحقة، اما استغلال بعض الشباب تحت عناوين ليست هي عناوين اساسية وافتعال ان اللبنانيين يخافون من بعضهم البعض هذا يشكل اخراجا للامور الاساسية من سياقها".
توقيت استخدام شعار "بيكفي خوف" أو تظهيره إعلاميا، لا يمكن فصله عن إنجاز الجيش في عبرا، حتى مضمون الحملة يقوم على طمس هذا الانجاز، بتزوير ما حدث في عبرا، وتصوير الجيش بأنه معتد على الأسير، يرد القواس هذا التحرك إلى غضب المستقبل من الجيش، من ضربه للظاهرة الأسيرية: " أن حملة بيكفي خوف"، جاءت تعبيرا عن غضب تيار المستقبل لخسارته الفادحة بضياع الظاهرة الأسيرية منه، ويقول: " هذه الظاهرة الشاذة (الأسيرية)، كانت استثمارا مربحا لتيار المستقبل، يستخدمها لتنفيذ اغراضه السياسية ويدعمها على مختلف المستويات السياسية والمادية والامنية ولكن من تحت الطاولة، يدفع الحزب الأزرق تلك الظاهرة الشاذة لتقول ما يريد ان يقوله هو نفسه، يقوم المستقبل بمراعاة بعض الامور، يحاول ان يقدم نفسه ب"برستيج" مدني وغير طائفي، وواقع الحال غير ذلك تماما، فهو يمارس سياسة من فوق الطاولة واخرى من تحت الطاولة ، اذا الضربة التي وجهت الى تلك الظاهرة الشاذة اثرت كثيرا على تيار المستقبل، فأبدى الحزن والاسى ليس على شهداء الجيش والشهداء المدنيين بل على الضربة القاضية التي وجهت لتلك الظاهرة".
خلافا لما تتوعد به حملة"بيكفي خوف"، فهذه الحملة تعاني من نقصان الصدقية في مسقط رأسها، لذا يتوقع القواس أن تتلاشى قيمتها، ويقول:"اعتقد ان الجيش اللبناني هو مؤسسة وطنية صامدة تتسم بالمناقبية والانضباط، ولذلك يصعب ان تؤثر عليها هذه الحملات، ولكن في الوقت ذاته نحن نحذر مواصلة تيار المستقبل وقوى 14آذار لهذه الحملة ضد الجيش اللبناني، لأنها ضد المصلحة الوطنية اللبنانية بشكل مباشر وتوجيه أي ضربة لهذه المؤسسة يعني توجيه ضربة في الصميم الى لبنان دولة وكيانا".