هو زمن النصر تجلّى مجدّداً.. القصير في قبضة الجيش العربي السوري أما المسلّحون فأصبحوا مجموعة من الفارّين والمُصابين.. المعركة التي بدأت في 19 أيار الفائت انتهت الى إعلان القصير مدينة آمنة مُطّهرة من أي مسلّح من الارهابيين التابعين للتحالف الأميركي - التكفيري. تحرّرت المدينة، وسقط فيها المشروع الغربي، فلم تُسعف آلاف الذخائر والإمدادات العسكرية التي شرّعتها الجامعة العربية والمجتمع الدولي المجموعات الإرهابية.. تحوّل المشهد تدريجياً من تقدّم بسيط في بعض المحاور الى بسط سيطرة كاملة على القصير.
لم يُرفرف علم "الجيش الحر" على مبنى بلدية القصير اليوم كما أرادت واشنطن وتل أبيب ومن ورائهما بعض العرب، بل رفرف العلم السوري متوسطاً صورة الرئيس بشار الاسد.. مشهد رسمته المعارك الميدانية على الأرض.. استطاع الجيش السوري استعادة أكبر مدينة في ريف حمص (598.80 كلم)، مُحبطاً بذلك ما خُطّط له طويلاً. لم تعد القصير عقدة المواصلات الأساسية بالنسبة للمسلّحين، تهاوت سريعاً هذه المقولة، فالمعطيات تشير الى أن المدينة التي تعتبر مفتاح منطقة الوسط في سوريا، ستتيح للجيش السيطرة على حمص وحماه بسهولة.
ميدانيات المعركة تظهر أن الجيش قام بهجوم مفاجىء في الساعات الأولى من صباح اليوم وخاض "هجوماً لا مثيل له" بحسب مصادر عسكرية سورية من داخل المدينة ضد مقاتلي "الجيش الحر"، فتمكّن من القضاء على عدد كبير من المسلحين وألقى القبض على عدد منهم، فيما فرّ آخرون الى الضبعة والمناطق المجاورة، كما تشير المعلومات.
المسلّحون أقرّوا بذلك.. مدير ما يسمّى "المرصد السوري لحقوق الإنسان" رامي عبد الرحمن قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن "مقاتلي المعارضة صمدوا حتى الرمق الأخير، لكنّهم انسحبوا من المدينة بسبب نقص الذخيرة"، موضحاً أن "مجموعات من المقاتلين توجّهت نحو بلدتي الضبعة والبويضة الشرقية في الريف الشمالي للقصير، في حين انسحب بعض المقاتلين في اتجاه بلدة عرسال الحدودية في شرق لبنان".
وسائل الإعلام الاسرائيلية انشغلت منذ بدء معركة القصير برصد تقدّم الجيش السوري، ومن الأمس حتى اليوم، كرّرت القناة الثانية في تلفزيون العدو القول إن "استمرار الجيش السوري وحزب الله بتحقيق انجازات مهمة على الارض انتصار استراتيجي في سوريا". لكنّها علّقت أكثر صباحاً، فاعتبرت أن "ما حصل في القصير سيمنع المسلحين من تنفيذ هجمات مضادة لأشهر عدة"، لافتة إلى أن "سيطرة الجيش السوري على القصير ضربت أحد المحاور الأساسية لتهريب السلاح للمعارضة".
القناة الإسرائيلية أضافت إن "سيطرة الجيش السوري على القصير أمّنت فتح طريق استراتيجي يربط دمشق بالساحل السوري"، مشيرة إلى أن "تحرير القصير يثبت سيطرة الأسد على المناطق الأكثر أهمية"، ومؤكدة أن ذلك يأتي "في إطار سلسلة إنجازات تكتيكية للجيش".
الأهمية الاستراتيجية لانهيار المجموعات المسلّحة في القصير، يتحدّث عنها أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسّام عبد الله الذي يشدّد على أن "سقوط القصير بيد الجيش السوري يشكّل إحدى الضربات القاسمة لمقاتلي المعارضة.. عسكرياً، فقد المسلّحون 40 % من طرق إمدادهم التي كانت تأتي من لبنان وتمرّ بالقصير".
عبد الله يقول لـ"العهد": "القصير كانت البنية اللوجستية والعسكرية الرئيسية بالنسبة للمسلّحين لذلك خسر هؤلاء كثيراً بضربها اليوم"، من هنا يؤكد أن "المشروع الاميركي - الصهيوني بدأ يتداعى وينهار سريعاً في سوريا ما يشير الى انعكاسات كبيرة على رأسها تصاعد قوة محور المقاومة في المنطقة أمام تراجع نفوذ الغرب في سوريا".
بوضوح، يرى عبد الله في ما حصل اليوم "انتصاراً للمقاومة وحلفائها"، ويلفت استناداً الى"النصر الذي تحقّق في القصير، الى أن العمليات القادمة باتجاه ريف حماه وريف إدلب ثمّ الشمال الشرقي لسوريا ستحمل تهاوياً تدريجياً للمجموعات الإرهابية المدعومة أمريكياً واسرائيلياً، غير أن التركيز سينصبّ على حلب وأريافها وفق التقديرات العسكرية والأهمية الاستراتيجية بهدف تطهير الارض السورية من دنس المجموعات الارهابية والتكفيرية الموالية للخارج".
سبب انهزام المجموعات المسلّحة يرجع بحسب عبد الله الى "اتّباع القوات السورية أسلوب التمويه التكتيكي العسكري من خلال استحداث طرق جديدة للدخول والخروج الى القصير وتأمين الامدادات العسكرية، ما دفع الامين العام للأمم المتحدّة بان كي مون الى المطالبة علانية بتمرير المساعدات وإجلاء جرحى المعارضة".
برأي عبد الله، "الاعلام الاسرائيلي ركّز على معركة القصير تحديداً لأنها تستهدف المقاومة بشكل مباشر، واعتمدت من أجل ذلك "اسرائيل" على تفعيل غرف التنصت التي زرعتها في المدينة وعلى متابعة طرق الامدادات اللوجستية للمسلّحين للانقضاض على حزب الله والجيش السوري".
بدوره، يعبّر عضو مجلس الشعب السوري خالد العبود عن قناعة بأن "العدو ركّز على أن المواجهة في القصير هي مواجهة استراتيجية ولذلك اندفع السوريون وحلفاؤهم للردّ بطريقة استراتيجية أيضاً في هذا التوقيت"، ويتوقف عند تزامن إعلان تحرير القصير مع انعقاد طاولة المفاوضات الروسية الاممية الأمريكية اليوم، "اذ جرّد السوريون الى جانب حلفائهم الامريكيين من أية ورقة يمكن أن يستغلّها على طاولة الحوار، مقارنة مع المرّات السابقة التي كان يعقد فيها لقاء أممي دولي، فينصرف الغرب لاستغلال أوراق يفبركها كارتكاب المجازر لاتهام النظام بها، وعليه ستحضر واشنطن على طاولة جنيف بلا أوراق".
العبود يؤكد أن "طبيعة العدوان الخارجي المفروض على سوريا يرتكز بشكل رئيسي الى العامل الجغرافي ولاسيّما ذاك الذي تتمتع به القصير فهي تصنّف أمريكياً واسرائيلياً على أنها إحدى المتّكئات الأساسية للتضييق على المقاومة في لبنان ومن يدعمها".
يعرب العبود عن قناعة بأن "العدو خُذل عندما توحّد الجسدين العسكريين للجيش السوري وحزب الله في هذه الجعرافيا أي في القصير"، يضيف "سيبقى هناك بعض الجيوب من هنا أو هناك كي يتمّ استغلالها غير أن الجسد الاساسي الذي يعوّل عليه لضرب المقاومة أصبح وراءنا، والمنطقة الجنوبية قرب الأردن لم يتنهِ الجيش من تطهيرها هناك مجموعة من الجبهات التي سيعوّل الخصم عليها ولاسيّما في ظلّ ما يحكى عن وجود سيناريو معدّ لحلب ولدرعا من داخل غرفة عمليات موحّدة تتعامل مع الجبهات وفق أسس وشروط معيّنة".
أمام هذه المعطيات، يتوقّع العبود "تكرار حدّة معارك القصير في مناطق سورية أخرى كحلب وفقاً لما تفرضه لغة الميدان فالطاقة النارية ستقابل بطاقة نارية أعظم".
بناء على ما تقدّم، يتّضح أن معركة القصير أربكت المنظومة الامريكية الاطلسية الداعمة الاساسية للإرهابين في سوريا. المسلّحون الأجانب والأفغان والشيشان والعرب والأفارقة سيفكّرون كثيراً قبل اتخاذ قرار العودة لمؤازرة مقاتلي المعارضة.. انهيار مسلّحي القصير ومعنوياتهم سينسحب بالتأكيد على داعميهم.. مشهد جورج صبرا يستغيث طالباً العون لجرحى الارهابيين كفيل لوحده بنقل الواقع المأساوي الذي ستعيشه "المعارضات" في الخارج.