منار الصباغ
رئيس الجمهورية... بيان وزاري يتخطّى المقاومة
تنشط الدوائر الاعلامية في القصر الجمهوري في بعبدا، بمتابعة اي شاردة او واردة، تأتي على ذكر رئيس الجمهورية مدحاً او ذماً او انتقاداً، مهمة ليست سهلة بلا شك، وفي السنة الاخيرة من ولاية الرئيس ميشال سليمان، يمكن الجزم ان الارشيف الناجم عن هذه المهمة، ضخم جداً، لكنه غير كاف للخروح بنتيجة واضحة، عن عهد قائد الجيش السابق، وعراب الفريق الوسطي الحالي بلا منازع.
وحده خيار التدقيق بالارشيف العائد الى ما يقارب السنة الى الوراء من عهد الرئيس سليمان، قد يحمل اجابة واضحة للسائل عن لون رئيس الجمهورية السياسي، فالصورة تبدو جلية للمراقب سواء اكان اعلامياً ام سياسياً، صديقاً ام خصماً للرئيس، عند قراءة التصريحات والبيانات، او متابعة الاداء والمواقف المتخذة من قبله، عند اكثر من محطة داخلية او ذات بعد اقليمي او دولي في هذه الفترة، اللون اذاري واضح يميل الى الازرق المستقبلي.
هذا اللون يفترض تماهياً مع الاجندة السياسية للفريق المعادي لفريق الثامن من آذار، وهنا تصبح خصومة العماد عون ومناكفته اليومية، او حتى تعطيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة وشل التعيينات والمشاريع، وصولاً الى تعويم قانون الستين، والتهديد بسيف المجلس الدستوري لاسقاط المشروع الارثوذكسي، او حتى مقارعة الرئيس نبيه بري هاتفياً لمنع عقد جلسة تعليق المهل الانتخابية لقانون الستين، كل هذا يصبح تفصيلاً بسيطاً امام، الخصم الاهم للاذاريين، اي المقاومة...
احدى الشخصيات المقربة من رئاسة الجمهورية، كشفت عن امر خطير يجري التحضير له، لكي يكون محطة مفصيلة، تطوي صفحة تشريع الدولة اللبنانية "لمقاومة المقاومة"، اي عملياً انهاء مرحلة تضمن البيان الوزاري للحكومات المقبلة، لفقرة واضحة تعطي شرعية رسمية للمقاومة في لبنان، وهو تقليد التزم به غلاة خصوم حزب الله، عندما شكلوا الحكومات اللاحقة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ثلاثية، الجيش والشعب والمقاومة، لايمكن ان تكون موجودة في البيان الوزاري للحكومة العتيدة للرئيس تمام سلام، اذا ما قدر له تأليفها، تجزم هذه الشخصية المقربة من الرئيس سليمان، ان القرار متخذ عند الرئيس، برغم عدم حديثه علناً عن هذه المسألة بخلاف نواب المستقبل وشخصيات 14 آذار، الذين رفعوا هذا الشعار منذ اللحظة الاولى لاستقالة الرئيس ميقاتي.
بموجب الخطة المرسومة، فإن الرئيس سليمان، انجز ما يفترض انها الصيغة التي تلائم المرحلة الجديدة والتي لم تعد مناسبة للصيغة الثلاثية الشهيرة، وهو على ثقة بأنه سيقنع فريق الثامن من آذار وفي مقدمهم حزب الله بوصفه المعني الاول بهذه المقاومة، بالصيغة البديلة التي انجزها وفريقه، وهي مأخوذة من ورقته عن الاستراتيجية الدفاعية، التي قدمها على طاولة الحوار الوطني الذي يرأسه ويرعاه.
الفقرة طويلة نسبياً وغامضة بشكل كبير وهي التالية:
" التمسك باتفاق الهدنة الموقع في 23 اذار 1949، واتخاذ كل الاجراءات اللازمة لتحرير جميع الاراضي اللبنانية...وهذا يتطلب العمل على ازالة الاحتلال تحديدا للجزء الشمالي من بلدة الغجر مزارع شبعا بكل الوسائل المتاحة والمشروعة.....استنادا الى المادة 65 من الدستور ولقانون الدفاع الوطني وحتى تزويد الجيش بالقوة الملائمة للقيام بمهماته، التوافق على الاطر والاليات المناسبة، لاستعمال سلاح المقاومة ولتحقيق امرته، ولاقرار وضعه بتصرف الجيش، المولج حصرا بإستعمال عناصر القوة، و ذلك لدعمه في تنفيذ خططه العسكرية المشار اليها ....مع التأكيد على ان عمل المقاومة لا يبدأ الا بعد الاحتلال"
لكن لماذا قرر رئيس الجمهورية القيام بهذه الخطوة العدائية تجاه المقاومة؟
بعيداً عن التحليلات، تؤكد المعلومات، ان الازمة السورية بكل تداعياتها منذ حوالي 26 شهراً، دفعت رئيس الجمهورية الى حسم خياره بإدارة ظهره تماماً لهذا المحور...عدم قيامه شخصياً بلقاءات مع السفراء الغربيين ومنهم السفيرة الامريكية مورا كونيللي، لايعني ان المعنيين ضمن فريقه الرئاسي لا يفعلون، والخلاصة، الرئيس سليمان يسمع كثيرا لنصائح ومعطيات هؤلاء، ولو كانت هذه النصائح منفصلة عن الواقع الحقيقي على الارض.
بل وتكشف المعلومات، ان قرارات كبرى اخرى لم تكن لتتخذ من قبل رئيس الجمهورية، لولا وجود مباركة سعودية، والحديث هنا عن " اعلان بعبدا"، وبحسب المصادر، الاعلان ولد عملياً في الديوان الملكي السعودي، عندما سمع الرئيس سليمان من الملك عبد الله، ما اعتبره ضوءا اخضر يسمح بهذه الخطوة، حيث طلب الملك من النائب سعد الحريري خلال اللقاء الذي وزعت صورته عبر وسائل الاعلام، ان لا يتدخل حزب المستقبل بالميدان السوري.
هذه الرواية دقيقة، وانما تدلل على الظروف التي باتت تحكم آلية اتخاذ القرارات الرئاسية في الفترة الاخيرة.
اليوم، لم يجد الرئيس سليمان اي حرج بأن يكون اول من رد على كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في احتفال اليوبيل الفضي لاذاعة النور، و قبل ذلك، لم يجد اي حرج بعدم تحديد موعد للمعاونين الخليلين والوزير جبران باسيل، وهو ما لم يحصل حتى اللحظة برغم انه طلب الموعد، حصل مباشرة بعد اللقاء الاول، الذي تم بين اركان فريق الثامن من آذار والرئيس سلام، والحجة كانت، ان رئيس الجمهورية لايستطيع ان يعقد لقاءات سياسية مع اي فريق، ولامانع من المواعيد الانفرادية مع اي قيادي.
وبين الفعل الاول والثاني، يخوض رئيس الجمهورية معركة صيغة (8،8،8)، بشراسة، وهو يرفض رفضاً قاطعاً اعطاء فريق حزب الله كما سماه امام احد زواره، الثلث المعطل، بل ان مصادر سياسية واسعة الاطلاع، تكشف ان من كبح من جماح الساعين الى حكومة امر واقع يوقع مرسومها رئيس الجمهورية، كان النائب وليد جنبلاط، وهو الشخصية التي يحرص الرئيس سليمان على عدم ازعاجها او معاداتها...
كل ما تقدم، معلومات بعضها معلن وبعضها الاخر لا يُتداول به الا في الصالونات المغلقة، ولكنها معطيات تطرح سؤالاً كبيرا انطلاقاً من مقولة انه لكل معركة ثمن، معركة قد تبدأ من سلاح المقاومة وتمر على الصيغة الحكومية وقد لا تنتهي عند حدود مباراة كرة سلة بين فريقيين رياضيين في عمشيت مسقط رأس رئيس البلاد... فهل بدأت معركة التمديد وما هي اثمانها؟!!!