آية صالح
في الطريق إليه هدوءٌ حذر.. أعلامٌ "سوريةٌ حرة" من اليمين وأسيريون من الشمال، وما بين "الحرية" المدعّاة و"إرجاع كرامة أهل السُنة" شتائم منافية للأخلاق وتهديدات خطّها مناصرو مسجد "بلال بن رباح" على الجدران المقابلة لمنزله في كفرجرة أنِ "اذهب من هنا".
إمام مسجد الغفران الذي جمعته سنوات صداقة ليست بقصيرة مع "أحمد الأسير"، لم تقتصر دعواه يوماً كما الأخير على التبليغ الديني، فالسياسة والسلاح رافقا الشيخ حسام العيلاني منذ عشرات السنوات... سنواتٌ كان الأسير يعيش خلالها في قبو أحد المجمعات السكنية قبل ان يتحوّل بقدرة قادر سياسي الى صاحب املاك وشقق وسيارات "مُفيّمة".
أمام بوابة منزله لاقانا بالترحاب بعض الشبان الصيداويين ممن اخذوا على عاتقهم حماية الشيخ العيلاني دون مقابل، بعضهم جذبه خطاب الشيخ صاحب العناوين العريضة: حماية المقاومة، الوحدة الإسلامية ورفض الفتنة، والبعض الآخر نفّره خطاب الأسير المنافي للمنطق كما وصفوه بعدما كانوا مواظبين على حضور محاضراته الدينية لسنين خلت قبل ان يتحوّل "بوقاً" للفتنة والتفرقة بين أهل البيت الواحد "صيدا".
اسم الشيخ "حسام العيلاني" مألوفٌ جداً عند اهالي المنطقة، فالرجل ليس حالةً ظرفية سمعوا بها نتيجة حدثٍ هنا او تحركٍ هناك، فلا تزال صورة الشيخ الشاب منذ ثلاثين عاماً تطبع مخيّلة الجيل الثاني الصيداوي، عندها كان المقاوم حسام، احد قيادات المجموعات المقاوِمة ضد العدو الإسرائيلي التي تنتمي الى مدرسة الشيخ الراحل محرم العارفي والتي كانت تتخذ من بيته معقلاً للمجاهدين يتزودون فيه ايمانياً وعقائدياً فضلاً عن التدريبات العسكرية، ومن هنا لم نستغرب صورة الشيخ العارفي المعلّقة على جدار مكتب الشيخ العيلاني.
يصف الشيخ العيلاني الذي خصّ "العهد" بمقابلة حصرية نفسه بأنه إمام مسجدٍ وخطيبٌ يتعاطى الشأن العام، ويصفه المتابعون لمحاضراته بأنه الشيخ الذي حين يدخل مسجداً يغصّ بالمصلين، بل هو الشيخ الذي يلحق به المصلون من مسجد الى اخر حتى ذاك القريب من المقبرة خاصة بعد تنقّله في الفترة الأخيرة بين عشرات المساجد في صيدا لأسبابٍ ليست بالأمنية. وبالنسبة لباقي اللبنانيين، فهو الشيخ الذي وقف في وجه الحالة الأسيرية في المدينة عبر تحركاتٍ اختار هو أن تكون متواضعة إن من حيث الحشد او التجهيزات اللوجستية، لكنها وإن دلّت على شيء، فعلى الصوت "السني" الآخر في البلد الذي يفتخر برفاق السلاح ضد العدو الإسرائيلي".
تحركاتنا مرهونةٌ بتحركات الأسير، ينزل الى الشارع ننزل، دون تصادم مع احد ولكن للقول إن المقاومة التي شرّفت صيدا بدبابةٍ غنتمتها من الصهاينة، هي من حافظت على كرامة أهل السنة وليست دراجة الأسير او دبكة أنصاره"، يقول الشيخ العيلاني.
تحركات العيلاني العفوية والجريئة فتحت فوهةً لم تلبث ان اتسعت بشكلٍ واضح في جدار الصوت الصيداوي الرافض للمتلاعبين بأمن المدينة، فهو ليس وحيداً وإن توهّم البعض ذلك من حضوره الخجل في الميدان، لكن مصادرنا تؤكد ان الرجل يحظى بدعم حيثيةٍ شعبية ودينية وسياسية سنية تفوق تلك الداعمة لتحركات الأسير بأضعاف مضاعفة، "لو شئنا لجعلنا شوارع صيدا تغص بالصيداويين لكننا لا نريد التصادم مع احد، ولا نريد اراقة الدماء لأن الدم غالٍ، وهو فقط ضد العدو الإسرائيلي وليس في الزواريب". رغم هذا، تستطيع ان تستشعر نبرة لومٍ في كلام الرجل: لومٌ على بعض القوى السياسية التي اوصلت البلد الى ما هو عليه نتيجة تذبذب موقفها، "اطلعوا من الحسابات الإنتخابية، تعطيل مصالح الناس وقطع الطرقات لا يجوز، التشكيك بالمقاومة والتنكر لإنجازاتها لا يجوز، قطع ارزاق الناس حرام، ترك الأسير يصول ويجول سنتين في صيدا دون حسيبٍ او رقيب تحت ذريعة "تجنب الفتنة" لا يجوز".
صديق الأسير السابق الذي تتميز خطاباته على المنابر بالهدوء والمنطق، قال إن الأسير عندما وجد أن التبليغ غير "مقرش"، اتجه نحو السياسة مستفيداً من الفراغ الحاصل في البلد والتراخي الأمني، والأزمة السورية، عدا عن الإعلام بهدف التسويق للنفس، "أينما وُجد الإعلام، تسمع نبرة الأسير العالية، لكنه لم يطرح عنواناً ومضى به، لم يعلن التهديد والوعيد إلا وتراجع، هل هناك من عاقلٍ يمر امام الآلية العسكرية الإسرائيلية في صيدا ويقول (شوفوا شو حاطط حزب الله هون)، أين هو من الجهاد في فلسطين؟".
وعن موضوع شقق حزب الله التي اثارها الأسير مؤخراً في عبرا متهماً الحزب انه يُخزّن داخلها اسلحة من اجل استهدافه قال الشيخ العيلاني: "هذه الشقق السكنية موجودة قبل الأسير، هو يريد فقط توسيع مربعه الأمني، فلم يجد سوى هذه الطريقة".
لم يتوقف العيلاني كثيراً امام فتوى الجهاد في سوريا التي اعلنها الأسير والرافعي دفاعاً عن "المسلمين السنة في القصير ومحيطها"، دعوةٌ وُلدت ميتة كما قال، وهي بحاجة الى الإجماع الذي لم تحصل عليه لا محلياً ولا عربياً، "نسأل هؤلاء عن الجهاد في فلسطين؟ فالفتوى بالجهاد في الأراضي المحتلة صدرت منذ زمن بعيد، أليسوا هؤلاء "سنة" أيضاً ومظلومين ومضطهدين من العدو الإسرائيلي؟ ألا تُراق دماؤهم يومياً؟ لم نسمع للأسير صوتاً فيما يتعلق ببيت المقدس، المقاومة هي من تدافع عن كرامة كل المسلمين، واجبي كمسلم سني حماية المقاومة، هذا واجبٌ شرعي".
وكشف العيلاني لـ "العهد" عن عملية استفزازٍ يقوم بها البعض لاستدراجه لكن "لن نُستفز ولن نُستدرج، تحركُنا في وجه الفتنة مستمر في المكان والزمان الملائمين، وفي حال الهجوم علينا لن نقف مكتوفي الأيدي بل سنرد سلمياً". وعن العلاقة مع حزب الله، اكد العيلاني انها لا تتعدى حدود اللقاءات في المناسبات العامة، وختم حديثه بالقول إن الظروف ساعدت الأسير، وسيختفي حال انتهائها لا سيما بعد التقارب السعودي ـ الإيراني، "فعندما يتفق الكبار، لا يُسمع أصوات الصغار".