منار الصباغ
خلال اجازته العائلية في لندن، التقى رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي بعض السياسيين وقلة من الصحافيين الذين صودف وجودهم في عاصمة الضباب...لا المحيط الاطلسي ولا مجموعة الدول الاوروبية التي تفصله عن لبنان، منعته من متابعة تفاصيل الحراك السياسي، وحتى ليل الاثنين الماضي كان الرجل على ثقة مطلقة بأنه عائد الى السراي الكبير لا محالة، بل ان المعلومات تؤكد انه كان على ثقة من ان اعادة تكليفه مضمونة و"بالجيبة"، ونقاش المرحلة الدائر، تخطى التكليف الى التأليف، وشكل الحكومة المقبلة، ومن ثم دورها وحكماً عمرها...الرجل تحدث عن صيغة العشرات الثلاث، وعن شبه اتفاق عليها مع رئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط، وعن حوار لم تتضح نتائجه بعد مع الرئيس نبيه بري، اما عمر الحكومة فطويل نسبياً، فهي حكومة ادارة ازمة، والازمة ستطول بحكم التمديد لأدواتها وفي الطليعة المجلس النيابي...
بالعودة الى تلك الساعة المتأخرة من ليل الاثنين، كان الوزير الاشتراكي وائل ابو فاعور قد رجع من الرياض التي التقى فيها النائب سعد الحريري حصراً... في كليمنصو، لخص الوزير الشاب للزعيم الاشتراكي حصيلة مفاوضاته مع زعيم المستقبل، الاخير وضع فيتو على عودة ميقاتي، المسألة شخصية بالنسبة اليه، فهل يكافىء من اخرجه من الحكم، بتأمين عودته مظفراً ومكللاً بالمباركة السنية السياسية والدينية الى السراي الكبير، وهل يخاطر باعادة "الدب" الى كرمه، فيؤمن الارضية التي تضمن نجاحاً انتخابياً لميقاتي يضمن عودته الى مجلس النواب، وحكماً الى نادي المرشحين لمنافسته على رئاسة الحكومة...كان هذا الموقف، المترافق مع غموض بالموقف السعودي الذي اكتفى بمباركة خطوة الاستقالة الميقاتية...
الى هنا، تقول الرواية، ان الوزير ابو فاعور، مرر هذه الاجواء الى احدى الشخصيات الاعلامية الفاعلة على الساحة اللبنانية، واخبره بأن وليد بك، محرج للغاية، فقد حشرنا المستقبل بطرحه اسماء غير الحريري والسنيورة لرئاسة الحكومة، وان هناك توجه لتشكيل حكومة انتخابات، يبدو اننا لن نسير بميقاتي...
وعلى قاعدة ان لبنان بلد اللااسرار، وصلت المعلومة الى صدر الصفحة الاولى لصحيفة السفير، وقبلها الى دارة الرئيس ميقاتي في لندن...الرئيس المستقيل لم يصدق الخبرية، اجرى اتصالات سريعة بوزيره المخلص نقولا نحاس الذي لم يوفق بالتواصل مع وليد بك تلك الليلة، راجع ميقاتي، فكان القرار: التزموا الصمت، وبالموازاة اجرى اتصالا بالمعاون السياسي للسيد نصر الله الحاج حسين الخليل وهو بالمناسبة ليس الاتصال الاول منذ ان قدم استقالته، وكان الاتفاق على اللقاء فور عوته الى بيروت...
يقول مصدر سياسي مطلع، ان الصدمة الميقاتية تعود الى ثلاثة اسباب:
1- قناعته بأن رئيس الجمهورية متسمك بعودته، فهو كان مع الاستقالة، لكن الاتفاق كان على اعادة تسميته لتشكيل حكومة بهيكلية جديدة عمادها، ما يعرف بالمكون الوسطي، خاصة ان الرئيس سليمان، لا يخفي ارتياحه المطلق للتعامل مع ميقاتي طوال فترة توليه لرئاسة الحكومة، لانه حفظ دور رئيس الجمهورية وصلاحياته برأيه، فضلاً عن ادائه السياسي الذي ساعده عملياً في مواجهة العماد عون خلال اكثر من مفصل، منذ الخلاف على تسمية وزير الداخلية، مروراً بتعيين رئيس مجلس القضاء الاعلى، وغيرها من المحطات.
2- النائب وليد جنبلاط نفسه، ابلغ ميقاتي انه مع عودته الى السراي وانه لن يسمي غيره، لرئاسة حكومة سياسية، وانه مع تشكيل حكومة وفق صيغة الثلاث عشرات، لا يكون فيها سيطرة لفريق الثامن من اذار.
3- الاجواء الديبلوماسية الاوروبية والاميركية، شكلت قناعة لدى ميقاتي، بانه رقم يصعب التخلي عنه في هذه المرحلة، وان المطلوب فقط اجراء عملية جراحية بسيطة، تستأصل خلالها بعض الجيوب الوزارية.
اذا، ما الذي دفع جنبلاط الى التخلي عن ميقاتي وكيف ابلغه القرار؟؟
يقول مصدر اشتراكي مقرب من النائب جنبلاط، ان مسألة تسمية ميقاتي او غيره، متعلقة بالاجابة عن السؤال التالي: اي حكومة سنشكل ولاي مرحلة، وعليه، مسألة التكليف مرتبطة بعدة نقاط، يجب التفاهم عليها قبل الحسم، ويعترف هذا المصدر، بأن الاسبوع الاول الذي تلى الاستقالة كانت اجواؤه مغايرة لاجواء الاسبوع الثاني.
في البداية، بدا ان حظوظ التوافق على المرحلة بتفاصيلها الانتخابية والحكومية واضحة، قبل ان تتعقد الامور، فالرئيس ميقاتي كان مرشحاً لتولي رئاسة حكومة ازمة، وهذا يفترض حسم قضية الاستحقاق الانتخابي، اي اتخاذ القرار بالتمديد للمجلس ايذاناً ببدء مرحلة ادارة الازمة، وهو ما اتضح ان دونه عقبات لدى فريقي 8 و14 اذار، وقد بدأ الحديث عن تشكيل حكومة انتخابات، لها دور محدد ومحصور فقط بهذه المهمة، وبالتالي، يقول المصدر الاشتراكي: نحن سنكون بحاجة الى حكومة حيادية، رئيساً او اعضاء، ولا يمكن السير بميقاتي ولا نعتقد انه بوارد القبول شخصيا بهذا الدور...وهذا ما ابلغه الوزير ابو فاعور للرئيس المستقيل يوم الاربعاء.
مصدر قيادي في فريق 8 اذار، يقول جازماً: ما يسوق على انه قرار ذاتي للمستقبل وحلفائه، ويجري استدراج النائب جنبلاط اليه، لا يعدو كونه، محاولة مكشوفة، لتشكيل حكومة سيقال عنها انها حيادية، في الوقت التي يسوق لرئاستها موظفون تابعون بالمطلق لحزب المستقبل، هذه الحكومة يؤكد المصدر، يخطط لان تبت سريعاً الاجراءات والقرارات التمويلية اللازمة، لاجراء الانتخابات وفق قانون الستين، وبالتالي ضمان، اكثرية، لن يسمح فيها لميقاتي بالدخول الى الندوة البرلمانية، فالمستقبل سيخوض معركة كسر عظم في طرابلس لهذه الغاية، كل هذا تمهيداً لعودة الحريري الى كرسي الرئاسة الثلاثة، ودائماً ربطاً بالمراهنة على حسم الملف السوري لصالح ما تشتهي 14 اذار في شهر حزيران على ابعد تقدير...نعم هذا هو المخطط الذي قيل لجنبلاط عنه: اما تكون معنا او علينا و لتتحمل النتائج...
كان هذا قبل نداء المطارنة الموارنة والذي ترجم قرارا بمقاطعة القوى المسيحية الترشح على اساس الستين... هذا الموقف اعاد خلط الاوراق، دون ان يعيد حظوظ الرئيس ميقاتي الى المستوى الايجابي السابق..ما لم تحصل معجزة ما...فالقرار بالتخلي عن ميقاتي اتخذ، وهو قرار، سينفذه من يملك القدرة على ترجيح كفة الرابحين، انه جنبلاط الباحث عن اسم سني توافقي وسطي ليكون رئيسا للحكومة المقبلة، كما اسر الى شريكه على الساحة الدرزية المير طلال ارسلان.