فلسطين المحتلة
"ديري بالك على حالك ومحمد ويارا، ولا تأجلي الاحتفال بيوم ميلاد محمد"... بهذه الكلمات ودع الشهيد عرفات شليش جرادات من بلدة سعير الواقعة جنوبي مدينة الخليل الفلسطينية زوجته قبل أن يعود جثة هامدة في كفن...
عرفات (30 عاما) عاد بعد اعتقاله بدقائق وودع زوجته وأطفاله "يارا" 4 سنوات، و"محمد" الذي أكمل العامين في اليوم التالي لاعتقال والده. شيء حدث قبل الاعتقال... الزوجة التي لم تستوعب ما جرى سألته عن سبب عودته؟ فأجابها بأن ضابط المخابرات طلب مني "توديعكم لعلّي لا أراكم ثانية..."!
وبالفعل هذا ما حصل.. وكأنه استهداف مبيت للشهيد عرفات الذي أعلن عن استشهاده مساء السبت أي بعد خمسة أيام فقط على اعتقاله، وكان وقع الخبر كالصاعقة على الأهل والزوجة والأبناء.
فالأسير الشهيد اعتقل في الثامن عشر من شباط /فبراير الفائت، ونقل إلى مركز تحقيق الجلمة وتعرض لتحقيق قاسٍ كما يقول محاميه الذي التقاه خلال جلسة محكمة خصصت لتمديد اعتقاله الخميس الفائت، ونقل بعدها إلى سجن "مجدو" حيث غرف "العصافير" ليعلن عن استشهاده هناك.
تقول زوجته:" في تمام الساعة الثالثة والنصف فجراً اقتحم الجنود ساحة منزلنا وطلبوا أن يخرج عرفات إليهم بعد أن قاموا بمحاصرة المنزل، ثم طلبوا منه ارتداء ملابسه واقتادوه إلى خارج المنزل، وبعد أن ركب في الجيب العسكري عاد إلى البيت ليودعنا وقال لي إن الضابط أمره بذلك".
والد الشهيد جرادات
وتشير الزوجة إلى أن شعورا غريباً كان ينتابها حين عودته، فهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيف عرفات أو أحد من عائلته، فلماذا يطلب منه النزول من الجيب وتوديعنا إن كان الأمر طبيعيا؟
وقالت إنه وخلال فترة اعتقاله الأخيرة لم يسمح لهم بالاتصال به أو معرفة أخباره، ورغم خوفها وقلقها عليه إلا أنها لم تكن تعلم أن مصيره سيكون الاستشهاد في أقبية التحقيق.
وأضافت الزوجة:" طوال الأيام الخمسة لاعتقاله، نحن نعيش قلقا على مصيره، وعندما وصلت الأخبار حول شهيد في السجون عرفت أنه عرفات، ولكن نادي الأسير والوزارة كانا يؤكدان انه من جنين، ولكنني كنت على يقين أنه هو".
وللشهيد الذي كان يعمل في محطة لبيع الوقود بالبلدة، له ثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر أربع سنوات، وأصغرهم عامين، وثالث ما زال جنيناً في شهره الرابع، وهو لن يتمكن من رؤية والده إلا عبر الصور...
في غرف العصافير
استشهاد الشهيد عرفات في ظروف غامضة، أثار غضب عائلته والشارع الفلسطيني والمؤسسات الحقوقية التي طالبت بالتحقيق بظروف اعتقاله وتحميل الاحتلال المسؤولية الكاملة على مصيره، وهو ما تؤكده إفادة محامي الشهيد الذي كان يتابع القضية.
يقول المحامي كميل الصباغ، في إفادته:" إن الأسير جرادات بدا مجهداً حين عرض على المحكمة لتمديد توقيفه، وبحالة نفسية سيئة، وشكا من الآلام، وأنه (المحامي) طلب من المحكمة عرض الأسير جرادات على طبيب السجن لإجراء فحوصات طبية له للتأكد من سلامة وضعه الصحي.
وأضاف أن الأسير جرادات، كان يعاني من آلام في ظهره، نتيجة إجباره على الجلوس على كرسي التحقيق لساعات طويلة، علما أنه يعاني من ديسك في الظهر، وكان في المحكمة يجلس أمام القاضي وهو منحني الظهر.
الاسير جرادات .. شهيداً
وحول تواجد الشهيد جرادات في سجن مجدو، أوضح المحامي الصباغ أن السجن المذكور به قسم للعملاء(غرف العصافير) ومن المؤكد ان يكون نقله إلى هناك لانتزاع اعترافات منه من قبل "العصافير".
وأفاد المحامي الصباغ، ان سلطات الاحتلال كانت تتهم الاسير جرادات بإلقاء الحجارة، والزجاجات الحارقة على قوات الاحتلال، وفقا لما ذكره القاضي الإسرائيلي، وان الشهيد جرادات "كان قد اعترف بأنه ألقى الحجارة، مرتين واحدة منها وقعت عام 2006".
موت بطيئ ...
وحول تجربة غرف العصافير في السجون يقول الأسير المحرر ثائر حلاحلة إن سلطات الاحتلال تقوم بالإيحاء بأن الأسير داخل الأقسام الخاصة بالأسرى، والتي تكون بالعادة مفصولة عن الأقسام العادية، حيث يوجد في "مجدو" غرفتان تميزها عن الغرف العادية.
وتستعمل سلطات الاحتلال في حينها العملاء للإيقاع بالأسير، ويستطيع الأسير تمييزها من خلال نوعية الطعام المقدم وطريقة التعامل فيها، حيث يتم التعامل مع كل أسير بطريقه مختلفة عن الآخر حسب ظروف اعتقاله وشخصيته.
وما أن يصل الأسير إلى هذه الغرف حتى يتم الطلب منه أن يكتب تاريخه النضالي والجهادي وأن يقدم أي معلومات عن أي مواد وأشياء تخص المقاومة من سلاح ومال يدعونه بحجة الحفاظ على أمن المجاهدين.
ومن الأساليب التي تمارس على الأسير للضغط عليه نفسيا وجسديا أيضا، تهديده بالاعتداء عليه وتخويفه واتهامه بالعمالة والخيانة، وفق حلاحلة.
وطالب حلاحلة من الجهات العاملة في مجال الأسرى والسلطة بطلب لجنة تحقيق محايدة يتم إرسالها إلى داخل مركز تحقيق الجلمة، وعدم الاكتفاء بتصريحات صحيفة من أجل إرضاء الشارع ولا بد للسلطة أن تتحرك من اجل المطالبة بتحقيق رسمي ومطالبة محكمة العدل الدولية بمحاسبة الاحتلال على جرائمه.