قبل 28 عاماً من هذا التاريخ، وعشية اندحار العدو الصهيوني وعملائه عن منطقة صيدا العام 1985 بفضل ضربات رجال المقاومة الوطنية والإسلامية وصمود وتضحيات اللبنانيين، كان رمز المقاومة الوطنية اللبنانية المناضل الراحل مصطفى معروف سعد يستعد حينها لانجاز قضيتين غاية في الأهمية: الأولى تحصين الساحة الداخلية في صيدا وقرى شرقها وحماية الوحدة الوطنية وإفشال مخطط العدو الهادف الى إقامة خطوط تماس بين صيدا وضواحيها وتهجير المسيحيين، اما القضية الثانية فهي حماية انجاز التحرير وعدم العودة الى مرحلة ما قبل العام 1982 في اطار رؤية سياسية لمستقبل الوضع في صيدا ولبنان.
وفيما كان سعد يكثف اتصالاته مع الفعاليات السياسية والروحية والحزبية، لحماية الانتصار الآتي بفوهات بنادق المقاومين، فجّر العدو الإسرائيلي وعملاؤه بالتعاون مع بعض أركان السلطة اللبنانية في ذلك الزمن، مساء 21 كانون الثاني 1985 سيارة مفخخة أمام منزله انتقاما منه لقيادته جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في صيدا والجوار ضمن جريمة بشعة لاغتياله مع أفراد عائلته مما أدى الى استشهاد ابنته ناتاشا التي كانت بعمر الورد وجاره المهندس الشاب محمد طالب وفقدانه هو لبصره وإصابته بجروح خطرة مع عدد من أقربائه.
مصطفى معروف سعد
هذا التاريخ المأساوي انتقل فيه مصطفى سعد من مقاوم من أجل الحرية الى تاريخ كامل كتب حروفه بالدماء فهو لم يبدل يوما من قناعاته ولم يساوم على خطّه العروبي حتى في أصعب الظروف عندما نزع العدو اللحم الحي عن جسده ولم ينجح في نزع قضية تحرير صيدا والجنوب وفلسطين من وجدانه.
مصطفى سعد ابن شهيد الفقراء والصيادين ووالد الشهيدة ناتاشا دخل التاريخ من بابه العريض بتضحياته وعطاءاته، هذا الرجل أنصف من قبل من يقدّرون قيمة الشهادة والدماء، فمنحه الصيداويون والجنوبيون وجميعهم من الفقراء والكادحين والصيادين ومزارعي التبغ والمقاومين وحملة المبادئ والأقلام ثقتهم وأصواتهم في العام 2000 عندما نال ما يقارب ربع مليون صوت ليحتل المرتبة الأولى في عدد الأصوات في تاريخ البرلمان اللبناني منذ العام 1943 ، لكنه ظلم في مكان آخر حيث لم ينل حقه من قضايا ناضل من أجلها وفي طليعة هؤلاء السلطة اللبنانية.
مصطفى معروف سعد
يا أبا معروف تفتقدك صيدا والوطن في زمن تزوير التاريخ وفي زمن التعصب والجهل وفي زمن باتت العمالة مع العدو لدى لبنانيين وجهة نظر وفي زمن المطالبة بنزع سلاح المقاومة من قبل بعض اللبنانيين هذا السلاح الذي حقق النصر للبنانيين والعرب، نفتقدك في زمن لم تعد فيه فلسطين من أولويات العرب وبعض اللبنانيين وحتى من أصحاب القضية، وفي زمن يعشش فيه الفساد الذي باتت ثقافته أقوى من القانون، زمن يكتب فيه تاريخ الطارئين على السياسة في صيدا بالخطاب المذهبي الفئوي وفي زمن تشوّه فيه صورة تاريخ صيدا ونضالات رجالها الأبطال وعلى رأسهم الشهيد معروف سعد الذي انخرط باكرا في الدفاع عن فلسطين منذ العام 1936 وفي زمن السعي لإقفال بوابة الجنوب وإلغاء دور عاصمة المقاومة والمقاومين وخلق الفتن الطائفية والمذهبية ضمن مشاريع لا تخدم الا مصالح العدو الإسرائيلي وأمريكا ودول التآمر العربي بعدما تحول الربيع العربي الى حرائق متنقلة من دولة الى أخرى. هذا هو زماننا يا ابا معروف ومعه نقول مع الشاعر "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر".
مصطفى سعد حقا كنت تمتلك البصيرة رغم فقدانك نعمة البصر قرأت بين السطور باكرا منذ العام 1975 حجم المخططات الهادفة الى تفتيت لبنان والأمة العربية حيث كنت تردد حتى الأيام الأخيرة من حياتك مقولتك "المؤامرة كبيرة والمعركة طويلة ضد العدو وعملائه والرجعية العربية، وأيضا معركة الدفاع عن حقوق العمال والفقراء والكادحين طويلة من أجل بناء مجتمع تسوده العدالة والمساواة".
في ذكرى محاولة اغتيالك والتي كانت محطة مفصلية في مسيرة نضالك فزادتك عنادا في الدفاع عن مبادئك وأهدافك لاسيما خيار المقاومة من أجل حرية وعزة وكرامة لبنان واللبنانيين ومن أجل صيدا والجنوب وفلسطين كتبت حروف تاريخك بالدماء الذكية لا بالشعارات الطائفية والمذهبية في ذكراك أيها الغائب الحاضر ألف تحية لمناضل من وطني.