كتب محرر الشؤون العبرية
ينبغي أن نقر بأن المعسكر المعادي لقوى المقاومة والدول الداعمة لها تمكن، بعد الانجازات التاريخية والاستراتيجية التي تحققت في سياق الصراع مع العدو الإسرائيلي، من نقل المعركة إلى داخل سوريا الحاضنة والداعمة للمقاومة فضلا عن كونها جزء أساسياً في المعادلة الإقليمية على مستوى المنطقة.. وأبرز ما حققه هذا المعسكر، الذي يضم الولايات المتحدة ودول اساسية في الاتحاد الأوروبي ودول عربية وإسلامية، هو استنزاف سوريا وإضعافها الأمر الذي انعكس في تقديرات المؤسسة الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية إزاء مسارات المستقبل..
في المقابل، لا يمكن تجاوز حقيقة أن المعسكر المعادي عجز، حتى الان على الأقل، عن تحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل باستبدال موقع ودور سوريا الاستراتيجي.. من دولة تشكل سدا حقيقيا أمام المخططات الغربية التي تستهدف بسط وإحكام سيطرتها على المنطقة العربية، إلى دولة أساسية في تنفيذ هذا المخطط.
بين النجاح بنقل المعركة إلى الداخل السوري، والفشل في إسقاط النظام واستبداله بآخر يتبنى أولويات وتحالفات إقليمية ودولية مغايرة.. يقف الكيان الإسرائيلي امام واقع مركب ينطوي على احتمالات ومسارات متعددة..
تؤكد التقديرات الصادرة عن مؤسسات استخبارية إسرائيلية، إلى جانب العديد من الخبراء والمعلقين المختصين، على أن الانجاز الأهم الذي تحقق حتى الآن، يتمثل بضعف الجيش السوري عما كان عليه قبل بدء الأحداث، سواء بفعل انشغاله أو استنزافه.. وهو:
ما يشل آخر جيش عربي محيط بالدولة العبرية قادر على أن يشكل تهديدا جديا لامنها (على أمل أن يتم شطبه لاحقاً وفقا الرهانات الاسرائيلية).
ويُعزِّز طروحات الجهات والقيادات التي تدعو إلى مبادرات عملانية عسكرية سواء في مواجهة سوريا نفسها، (الاسلحة الكيميائية)، أو حزب الله أو المنشآت النووية الايرانية.. (بغض النظر عما اذا كانت هذه الحسابات صحيحة ام انها ستنقلب على القيادة الإسرائيلية فيما لو انتقلت إلى حيز التنفيذ).
لكن في المقابل، تعترف القيادة الإسرائيلية بأن القدرات الإستراتيجية السورية ما زالت سليمة وما زال النظام يملك الإرادة والقدرة على استخدامها.. وهو ما يشكل عامل أساسياً من العوامل الكبح المضاد.. عن المغامرة والتهور..؟!
من جهة أخرى، ما إن انتقلت المعارك إلى محيط دمشق والى داخل حلب، وهو ما شكل مستجدا هاما في مجريات الصراع الذي يستهدف إسقاط النظام.. حتى ارتفعت الرهانات الإسرائيلية والغربية والعربية التي تؤكد على قرب سقوط نظام الأسد، وبدأ رسم السيناريوهات والمسارات التي ستلي مرحلة ما بعد الأسد.. بما فيها التحول الايجابي الذي طرأ، أو سيطرأ، على البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية. بموازاة ذلك، بدأ التنافس يغلب على التقديرات التي تتناول الفترة الزمنية المتبقية للرئيس الأسد..
لكن بعد الخيبة المدوية التي نتجت عن فشل التقدير الاستخباري الشهير، قبل أشهر، والذي عبَّر عنه في حينه وزير الأمن الإسرائيلي ايهود باراك، بالحديث عن حتمية سقوط الرئيس الأسد خلال بضعة أسابيع.. ثم مرت الأسابيع والأشهر ولم يسقط الرئيس الأسد.. بسبب هذه الصدمة حرصت التقديرات الإسرائيلية الأخيرة على تجنب تحديد زمني دقيق لسقوط الرئيس الأسد، رغم أن ترجيحات المعسكر المعادي (ومن ضمنه إسرائيل) كانت تميل إلى أن الرئيس الأسد لن يتمكن من الصمود إلى ما بعد نهاية العام 2012..
الآن، وبعدما انتقل الجيش السوري إلى الهجوم في بعض المحاور الأساسية، وتحديداً في ريف دمشق، من الواضح أن محور التقديرات سيتركز على أن مبدأ سقوط الرئيس الأسد، بات محسوماً، لكن من الصعب تقدير فترة زمنية محددة.. وإلى ذلك الحين، سيستمر التجاذب الميداني على الساحة السورية، انطلاقا من أن النظام غير قادر على حسم المعركة مع التنظيمات المسلحة المدعومة بالأسلحة والأموال من دول عربية وإسلامية وغربية، في الوقت الذي لا تستطيع هذه التنظيمات، في هذه المرحلة على الأقل من إسقاط النظام..
هذه المسارات العملانية التي تشهدها الساحة السورية، أدت وتؤدي إلى بلورة واقع مركَّب من فرص استراتيجية كامنة، (بحسب التقديرات الإسرائيلية) ومخاطر "تكتيكية" من نوع آخر، تتمثل بإمكانية تحول بعض التنظيمات، التي توصف بـ "الجهادية"، إلى تنفيذ بعض الضربات الموضعية تجاه جيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان. وضمن هذا الاطار، يأتي ما اعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال جلسة الحكومة (6/1/2013) أن إسرائيل ستقيم جدارا في هضبة الجولان السورية المحتلة، كما هو الحال مع الحدود المصرية. لأن الجيش السوري قد ابتعد عن الحدود، وأن من يتواجد هناك خلايا الجهاد العالمي.