الحرب الأميركية على إيران... نسخة طبق الأصل عن الحرب الإسرائيلية على لبنان!
عقيل الشيخ حسين
يركز رجال السياسة والمحللون والمراقبون انتباههم حالياً على الحرب التي تقرع طبولها ضد إيران. ويتساءلون عما إذا كانت هذه الحرب قد أصبحت وشيكة أم أنها سترجأ إلى وقت لاحق قريب أو بعيد.
التحركات والتصريحات الصادرة في الأيام القليلة الماضية تذهب في الظاهر باتجاه التهدئة: التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز تميل حالياً نحو إخضاع هذه الإجراءات لبعض الشروط؛ يبدو أن هنالك تقدماً على مستوى المبادرة التركية بخصوص العودة إلى المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ المناورات العسكرية الأميركية ـ الإسرائيلية المشتركة تم إلغاؤها؛ روسيا والصين تعارضان فكرة الهجوم على إيران؛ فرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة أطلقتا تحذيرات من مغبة الإقدام على هذه الحرب.
مع هذا، هنالك شائعات تبعث على الظن بأن إعطاء الأفضلية من قبل الرئيس الأميركي للحرب الناعمة (عقوبات أكثر تشدداً وعمليات إرهابية سرية) التي يفترض بنظره أن تجبر الإيرانيين على التراجع ... ليست غير خديعة تهدف إلى تشتيت الانتباه.
على أساس أن الرئيس الأميركي يرغب ببعض الوقت لكي يكون من الممكن للمراحل الحاسمة في حملته الرئاسية أن تجرى في أجواء الحرب التي يبدو أنه قد اتخذ القرار بشنها ضد إيران.
فهذا الخيار يسمح له بأن ينتزع من خصومه الجمهوريين تلك الورقة الانتخابية الهامة المتمثلة برغبتهم في دفع الولايات المتحدة إلى الحرب في أسرع وقت ممكن.
أما عن التبريرات فهي مما يسهل ابتكاره بالنسبة للحزبين الجمهوري والديموقراطي. أكاذيب كتلك التي برروا بها غزوهم لأفغانستان والعراق، أو مجرد عملية إخراج مسرحي كتلك التي فضح أمرها سيمور هيرش بخصوص خطة وضعها ديك تشيني تقضي بتدبير هجوم تقوم به قوات أميركية تنتحل صفة الحرس الثوري الإيراني على الأسطول الخامس الأميركي في منطقة مضيق هرمز.
ما الذي يمكن أن تكون عليه نتيجة مثل هذه الحرب؟ بنظر استراتيجي أميركي يدعى باتريك كلوزون، ستنتهي الحرب بالشكل الذي انتهت به الحرب بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في العام 2006 أي بهزيمة إيران لأنها تحمل "ذهنية حزب الله" الذي جعلته يعتقد بأنه قد كسب الحرب رغم كل ما تكبده فيها من خسائر.
لكن وعلى افتراض أن حرب العام 2006 كانت هزيمة لحزب الله، وهو الأمر الذي تدحضه وقائع الحرب كما تدحضه التطورات اللاحقة، فإن هذا التوقع دليل على عبثية حرب يعترف الاستراتيجي المذكور بأنها لن تفضي إلى إسقاط النظام الإيراني ولا حتى إلى تعطيل البرنامج النووي السلمي. أليس حزب الله حياً يرزق ويتمتع بكامل صحته وهيبته بعد ست سنوات من الحرب؟
ثم إن هذه الرؤية الاستراتيجية تبدو فاقدة للرؤية فيما يتعلق بتداعيات حرب أميركية على إيران منظور إليها عبر مقارنتها بالحرب الإسرائيلية على لبنان. فقد كان بمقدور حزب الله أن يصيب بصواريخه أهدافاً في عمق عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن يدمر العشرات من دبابات الميركافا الإسرائيلية، وأن يضرب قطعاً بحرية إسرائيلية ويجبرها على الابتعاد عن الشواطئ اللبنانية. والإيرانيون يمكنهم أن يفعلوا أكثر من ذلك بكثير.
يمكن للأميركيين وحلفائهم أن يطلقوا عشرات الصواريخ البالستية والقنابل الذكية على القارة الإيرانية الشاسعة، لكن مفعول هذه القذائف لا يمكنه أن يكون أكبر من مفعول تلك التي أطلقت على لبنان الذي يصغر إيران بعشرات المرات من حيث مساحته. كما لا يمكنها أن تحد من قدرات إيران العسكرية إلا بشكل مشابه للتجربة مع حزب الله الذي احتفظ حتى اللحظة الأخيرة بكامل قدرته على توجيه الضربات.
وكل ذلك لا يأخذ في الاعتبار غير البعد الدفاعي الإيراني والامكانيات الواقعية التي يمتلكها المعسكر الأميركي في ظروف أزماته الاقتصادية والمعنوية الناشئة عن حروبه الفاشلة في العراق وأفغانستان.
لكم من الوقت يمكن للأميركيين وحلفائهم، وهم على ما هم عليه من الترنح الاقتصادي، أن يتحملوا إغلاق مضيق هرمز، أي الممر الإجباري لـ 40 بالمئة على الأقل من إمدادات النفط والغاز على المستوى العالمي؟
هل يمكنهم في ظروف أزمتهم الاقتصادية أن يمولوا حرباً أكبر تكلفة بما لا يقاس من الحرب على العراق وأفغانستان في وقت يسحبون فيه جيوشهم فراراً من هذين البلدين وفي وقت يقرر فيه رئيس القوة الفرنسية العظمى أن يعلق نشاط قواته المشاركة في احتلال أفغانستان، ويستجدي فيه حكومة قرضاي لتبذل كامل جهدها من أجل حماية تلك القوات، وكل ذلك بعد مقتل أربعة جنود فرنسيين في ذلك البلد؟
تداعيات الحرب على إيران، وهذا ما يقوله الرئيس الفرنسي تحديداً، ستكون كارثية للمنطقة وللعالم أجمع. ويبدو أنه لا يجهل أن تلك التداعيات لن تقتصر على مجرد إغلاق مضيق هرمز. فالكيان الصهيوني، والأساطيل والقواعد العسكرية في المنطقة، وإمارات وممالك الخليج، وآبار النفط ومصافيه ستتعرض هي أيضاً لأسوأ التداعيات التي قد تصل، فيما يتجاوز أوروبا، إلى خليج المكسيك.
ألا يكون المحور الأميركي أكثر واقعية لو أنه تخلى عن ذهنيته الحربجية والمستكبرة واعترف بحقوق الشعوب، بما فيها شعوب الغرب، بتقرير مصيرها وبالطموح شأنها في ذلك شأن بلدان الغرب إلى امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، لكي لا نقول العسكرية؟