مرةً جديدة أثبتت المقاومة الاسلامية في لبنان قوتها وتطور قدراتها التكنولوجية والبشرية وأظهرت خبرة وكفاءة استخباراتية عالية، بكشفها عملاء وكالة الإستخبارات الأميركية الـ CIA. ومع هذا الإنجاز الوطني الكبير للمقاومة، يظهر أمور ترتبط به ومنها مدى مخالفة الولايات المتحدة الأميركية عبر سفارتها في لبنان وجهازها الاستخباراتي للقوانين الدبلوماسية والدولية وكذلك للقوانين اللبنانية، نبحثها في هذه المقالة.
أميركا تنتهك كل القوانين الدولية وسيادة الدولة اللبنانية
يعد الدخول الدبلوماسي/ الاستخباراتي الأميركي على خط المواجهة مع عناصر قوة لبنان انتهاكاً للعلاقات الدبلوماسية مع هذا البلد الحر المستقل الذي يتمتع بسيادته على كافة أراضيه ـ (ولذلك أبعاد كبيرة في العلاقات بين الدول) ـ وخرقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والموقعة في العام 1961، وتدخلاً في الشؤون الداخلية للدولة اللبناينة ذات السيادة الكاملة.
فمقدمة الدستور اللبناني تقول إن "لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دولياً"، وتنص المادة الأولى من الدستور على أن "لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة". وهذا يعني أن السيادة اللبنانية لا يمكن خرقها من قبل أية دولة ولأي سبب، ولا يمكن التدخل في شؤونها، لا سيما أن التدخل يحصل في صور مختلفة فقد يكون سياسياً أو عسكرياً وقد يكون فردياً أو جماعياً وقد يكون صريحاً ومباشراً أو خفياً ومقنعاً. ويعتبرالأخير أخطر انواع التدخل لحدوثه في الخفاء في خلسة عن سلطات الدولة المتدخل في شؤونها بواسطة أشخاص تبعث بهم الدولة المتدخلة أو تشتريهم من بين السكان المحلين ليقوموا بدعاية أو بأعمال غير مشروعة ضد نظام الحكم أو ضد الحكومة أو الأمن الوطني.
وقائع واسماء: تشير وثائق المقاومة الى أن الاستخبارات الأميركية تتخذ من أحد المباني في عوكر مقراً لها، ويديره "الرئيس الحالي للاستخبارات الاميركية في لبنان دانيال باتريك ماكفيلي وهو ينتحل صفة موظف دبلوماسي في السفارة، وأن عدد ضباط فريق الاستخبارات الأميركية يفوق العشرة بينهم نساء ويستخدمون أسماء وهمية منها : نك، جيم، يوسف، ليزا، جونا، موضحةً أن "عمليات تجنيد العملاء تجري داخل مقر السفارة الأميركية واللقاءات معهم تعقد في المطاعم والمقاهي مثل: "ماكدونالذ، بيتزا هات، وستاربكس". |
وبذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية عبر سفارتها وضباطها وجهاز
استخباراتها العامل في لبنان، تخترق القوانين الدولية التي لطالما تغنت بها
أمام غيرها من الدول، وأظهرت نفسها كمحامٍ عنها. وهي تخرق بشكل واضح ميثاق
الأمم المتحدة والقرارت الصادرة عن الجمعية العامة للمنظمة وغيرها من
القرارات التي تؤكد على سيادة الدولة. حيث لم يفت ميثاق الأمم المتحدة أن
يعالج موضوع التدخل من ناحية الهيمنة الدولية عندما نص في الفقرة السابعة
المادة الثانية منه على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة"
أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه
ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق،
على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل
السابع".
وجاء في قرار لمجمع القانون الدولي عام /1954/ أن: "المسائل التي تعد من صميم السلطان الداخلي هي تلك الأنشطة التي تمارسها الدولة ، والتي يعد فيها اختصاص الدولة غير مقيد بالقانون الدولي . ويتوقف مدى، أو نطاق هذه المسائل على القانون الدولي، ويختلف تبعاً لتطوره". وكذلك نص القرار 2131 كانون الأول 1965 على "إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها" . ويقول إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول الصادر بمقتضى التوصية 2625 بتاريخ 24 أكتوبر 1970 الصادر عن الجمعية العامة على أنه "ليس لدولة أو مجموعة من الدول الحق في التدخل المباشر أو غير المباشر ولأي سبب كان في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى. ونتيجة لذلك اعتبر ليس فقط التدخل العسكري بل أيضاً كل أنواع التدخل أو التهديد الموجه ضد مكوناتها السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية مخالفاً للقانون الدولي".
الدخول الدبلوماسي/ الاستخباراتي الاميركي على خط المواجهة
مع عناصر قوة لبنان يعد انتهاكاً للعلاقات الدبلوماسية مع لبنان البلد الحر
المستقل الذي يتمتع بسيادته على كافة أراضيه. |
وهناك أيضاً القرار 2734 16 كانون الأول 1970 (الإعلان الخاص بتعزيز الأمن
الدولي)، والقرار (155/32/(A/RES 19 كانون الأول 1977،(إعلان تعميم،وتدعيم
الانفراج الدولي). والقرار (103/39//RES (A 9 كانون الأول 1981، (إعلان
بشأن عدم جوازالتدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول). وأكدت
اتفاقية مونتيفيديو عام 1933 في مادتها الثامنة على مبدأ عدم التدخل في
شؤون الدول حيث نصت على أنه" ليس لأي دولة الحق في التدخل في الشؤون
الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى". ونشير إلى اتفاقيات هلسنكي 1975 التي
أكدت في سلة موادها الأولى على مبدأ عدم التدخل.
وعليه, لم تترك الولايات المتحدة الأميركية قراراً دولياً إلا وخرقته في
تعاملها مع لبنان، والتجسس عليه وخاصةً أن كشف التجسس لم يصدر عن حزب الله
فقط، بل جاء على لسان مسؤولين أميركيين. وبذلك تنتهك أميركا حرمة وسيادة
دولة حرة سيدة مستقلة معترف بها دولياً وهي عضو في الأمم المتحدة مثلها مثل
الولايات المتحدة.
عوكر: وكر جاسوسية يخرق كل العلاقات الدبلوماسية
"التجسس هو أحد الأنواع والسبل الملتوية في الحروب الحديثة والقديمة إضافة
إلى أنه يمثل تربصاً "وخطراً داهماً" لكلا طرفي الحرب. والجاسوس هو الشخص
الذي يعمل في الخفاء أو تحت شعار كاذب ليحصل على معلومات عن العمليات
العسكرية لدولة محاربة بهدف إيصالها للعدو، وهو يعاقب بالإعدام في وقت
الحرب، وبالسجن لمدة معينة في وقت السلم".
إن تعريف التجسس والجاسوس يؤكد أن هذا الشخص ينافي الحب والسلام للبلد الذي يتجسس عليه ويعتبره عدواً. وتكمن الخطورة عندما يكون هذا الجاسوس تابعاً لجهاز مخابرات وينتحل صفة الدبلوماسي. فهذا العمل يعد خرقاً كبيراً للقوانين الدبلوماسية ولاتفاقية فيينا الصادرة عام 1961 للعلاقات الدبلوماسية، وسنوضح الأمر كالتالي:
أولاًـ تعدد المادة 3 من الاتفاقية وظائف البعثة الدبلوماسية كالتالي:
أـ تمثيل الدولة المعتمدة لدى الدولة المعتمد لديها.
ب- حماية مصالح الدولة المعتمدة وكذلك مصالح رعاياها لدى الدولة المعتمد لديها في الحدود المقررة في القانون الدولي.
ج- التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها .
د- التعرف بكل الوسائل المشروعة إلى ظروف وتطور الأحداث في الدولة المعتمد لديها وتقديم التقارير عن ذلك لحكومة الدول المعتمدة .
هـ- تهيئة علاقات الصداقة وتنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها.
والفقرة الرابعة من المادة لا تعني التجسس العسكري على الدولة وأمنها، وخرق
أمنها الوطني بل جمع المعلومات الاقتصادية والسياسية، ولا يكون هناك جمع
لمعلومات عسكرية إلا بإذن الدولة التي توجد فيها البعثة. فلا يحق لأي سفير
أو موظف دبلوماسي أن يأخذ معلومات من ثكنات عسكرية إلا بمعرفة الجهات
المختصة، وإلا فإن ذلك يعتبر تجسساً تعاقب عليه القوانين. بل أكثر من ذلك
فللدولة التي تستقبل بعثة دبلوماسية أن تكون على معرفة بأسماء الملحقين
العسكريين والدبلوماسيين الذي يعملون بصفة عسكرية أو أمنية في السفارة،
وهذا ما أكدته المادة 7 من اتفاقية فيينا بأنه مع "مراعاة نصوص المواد 8 ,9
,11 ـ للدولة المعتمدة أن تعين كما تشاء أعضاء طاقم بعثتها ـ وبالنسبة
للملحقين العسكريين والبحريين والجويين، فللدولة المعتمد لديها أن توجب
إبلاغها أسماءهم كي تنظر في قبول تعيينهم".
إذاً فالمادة 7 تنص على إبلاغ الدولة المعتمد لديها (أي لبنان في هذه الحالة) عن أسماء الملحقين العسكريين والبحريين والجويين. والسؤال الذي يطرح هنا كيف يوجد ضباط CIA وهو جهاز استخباراتي ـ وبحسب الاعراف الدبلوماسية هو ليس جزءاً من طاقم عمل أي سفارة ـ في السفارة الأميركية في بيروت؟ هذا يعد خرقاً للعلاقات الدبلوماسية وخرقاً للأمن الوطني اللبناني دون إبلاغ الدولة اللبنانية، وهذا مؤكد لأن هولاء الضباط يعملون بشكل سري ضد منظومة المقاومة التي هي درع لبنان ومن الأولويات حمايتها لدى الدولة اللبنانية.
أميركا تنتهك ميثاق الأمم المتحدة وجميع القرارات الدولية التي تؤكد على السيادة ومبدأ عدم التدخل والمواد 3، 7، 26، و 41 من إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. |
ثانياً: الانتهاك الثاني تظهره المادة 26 التي تقول إنه "ومع ما تقضي به القوانين والتعليمات من المناطق المحرمة أو المحدد دخولها لأسباب تتعلق بالأمن الوطني، على الدولة المعتمد لديها أن تمكن لكل أعضاء البعثة الحرية في التنقل والمرور في أراضيها". وفي حالتنا هنا المقاومة الإسلامية في لبنان هي من المحرمات، وهذه المحرمات طبعاً لا تنطبق على المناطق فقط، فمثلاً لا يجوز للبعثة ان تمس القصر الجمهوري ولا شخص الرئيس وكذلك لا يمكن لها ان تنتهك حرمة القصر الحكومي ولا الرئيس، والثكنات العسكرية والأمنية. فإذن وبما أن المقاومة من الامن الوطني اللبناني فلا يحق بأي شكل من الأشكال التجسس عليها من قبل السفارة الأميركية التي تعدت عملها الدبلوماسي مع لبنان إلى العمل الاستخباراتي وهذا بحد ذاته انتهاك للأمن الوطني اللبناني.
ثالثاً: إن من ما يبين الانتهاك الفاضح لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، هو أن الاتفاقية تنص في المادة 41 منها في البند الأول بانه "مع عدم المساس بالمزايا والحصانات، على الأشخاص الذين يتمتعون بها احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمدين لديها، وعليهم كذلك واجب عدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدولة". لقد تدخل الأميركي صراحةً ـ ودون مراعاة لهذه الاتفاقية وللعلاقات مع لبنان الحر المستقل ـ بالشؤون الداخلية للدولة اللبنانية، حيث أن المقاومة هي شأن داخلي لبنان 100%. وهذا الأمر متفق عليه من قبل جميع الأطراف اللبنانية.
وثائق المقاومة الاسلامية إخبار للقضاء اللبناني ليتحرك
بعد كل ما تقدم من خروقات واضحة قامت بها السفارة الأميركية في بيروت ووكالة الإستخبارات الأميركية. يجب أن يكون هذا الأمر من اولويات إهتمام الحكومة اللبنانية والقضاء اللبناني لمعاقبة من يهدد الأمن الوطني. فقانون العقوبات اللبناني الصادر بالمرسوم اشتراعي رقم 340 - صادر في 1/3/1943، يعالج ذلك في الباب الذي يتحدث فيه عن الجرائم الواقعة على أمن الدولة وهو ينص في المادة 271- معدلة وفقاً للمرسوم الاشتراعي 112 تاريخ16/9/1983 أنه "يتم الاعتداء على أمن الدولة سواء كان الفعل المؤلف للجريمة تاماً أو ناقصاً أو في طور المحاولة".
من واجب القضاء اللبناني أن يتحرك إستناداً لما كشفته المقاومة الاسلامية ووفقاً لقانون العقوبات الذي يمنع التجسس وتهديد أمن الدولة. |
وأفرد قانون العقوبات فصلاً خاصاً في الجنايات الواقعة على أمن الدولة
الخارجي عالج فيه مسألة التجسس، حيث تنص المادة 281 أنه "من دخل أو حاول
الدخول إلى مكان محظور، قصد الحصول على أشياء أو وثائق أو معلومات يجب أن
تبقى مكتومة حرصاً على سلامة الدولة عوقب بالحبس سنة على الأقل وإذا سعى
بقصد التجسس فبالأشغال الشاقة المؤقتة". والأهم من ذلك كله أن المادة 282،
تقول إن "من سرق أشياء أو وثائق أو معلومات كالتي ذكرت في المادة السابقة
أو استحصل عليها عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة. واذا اقترفت الجناية لمنفعة
دولة أجنبية كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة". وتنص المادة 284- أنه
إذا اقترفت الجرائم المنصوص عليها في هذه النبذة لمصلحة دولة معادية شددت
العقوبات وفاقاً لأحكام المادة 257. والفقرة الثانية من المادة 21 تنص على
أنه تطبق الشريعة اللبنانية خارج الأرض اللبنانية "على الجرائم التي
يقترفها موظفو الملك الخارجي والقناصل اللبنانيون ما تمتعوا بالحصانة التي
يخولهم إياها القانون الدولي العام".
لقد أصبح واضحاً أمام القضاء أن هناك إخباراً مؤكداً ووثائق تؤكد خرق أشخاص محليين وأشخاص مقيمين في لبنان للقوانين اللبنانية، وأن هناك تهديداً للأمن القومي اللبناني وبالتالي أصبح واجباً لا اختيارياً تحرك النيابة العامة التمييزية للقبض على هؤلاء وأخذ الإجراءات بحقهم ومعاقبتهم.
لوزارة الخارجية اللبنانية الحق في طرد أي دبلوماسي أميركي. |
أما إذا قام أحد المدافعين عن الاستخبارات الأميركية ممن يهمهم التجسس على المقاومة، ليقول إن "الشريعة اللبنانية لا تطبق في الأرض اللبنانية على الجرائم التي يقترفها موظفو السلك الخارجي والقناصل الأجانب ما تمتعوا بالحصانة التي يخولهم إياها القانون الدولي العام". فعلى وزارة الخارجية اللبنانية استدعاء السفيرة الأميركية والاستيضاح منها حول شخصية الضابط الاستخباراتي المنتحل للصفة الدبلوماسية والطلب منها أن تسلمه للقضاء اللبناني، وفقاً للمادة 32 التي تقول إنه "للدولة المعتمدة أن تتنازل عن الحصانة القضائية عن ممثليها الدبلوماسيين وعن الأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة بمقتضى المادة 37"، أما إذا تأكدت السلطات اللبنانية أنها لم تمنح هذا الضابط الصفة الدبلوماسية وأنه ينتحلها بطريقة غير شرعية فلها أن تتحرك مباشرةً للقبض عليه. وفي حال تعنت السفارة الأميركية وسفيرتها، فإن للدولة اللبنانية أن تطرد السفيرة أو أي موظف أخر وهذا ما تؤكده المادة 9 من إتفاقية فيينا: "للدولة المعتمد لديها في أي وقت وبدون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أي عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسي أصبح شخصاً غير مقبول أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين ) أصبح غير مرغوب فيه، وعلى الدولة المعتمدة أن تستدعي الشخص المعني أو تنهي أعماله لدى البعثة وفقاً للظروف ويمكن أن يصبح الشخص غير مقبول أو غير مرغوب فيه قبل أن يصل إلى أراضى الدولة المعتمد لديها".