عقيل الشيخ حسين
العقل السياسي الأميركي هو عقل إجرامي بامتياز. فأميركا الرسمية مارست الإجرام علناً، وبكل فخر، في جميع محطات وجودها. على سبيل المثال لا الحصر: إبادة عشرات الملايين من سكان أميركا الأصليين، تكريس النظام الاستعبادي الذي خضع له السود وما زالوا يخضعون له بالأساليب الخشنة والناعمة رغم تزيين السلطة السياسية بنماذج من نوع باراك أوباما وكونداليسا وسوزان رايس، إلقاء القنابل الذرية على اليابان، شن الحروب المدمرة على كوريا وفييتنام وأفغانستان والعراق، والدعم اللامحدود للإجرام الإسرائيلي ولإجرام الأنظمة الجائرة بحق شعوبها.
ويبدو الآن -في أجواء الهزائم التي أحاقت بالولايات المتحدة، على غير انتظار، لشدة افتناع ساستها، جمهوريين وديموقراطيين، بأن العالم قد سقط ثمرة ناضجة في أيديهم بعد انهيار خصمهم السوفياتي- أن عدم جرأة القادة الأميركيين على ممارسة الإجرام علناً تدفعهم إلى ممارسته سراً، دون أن يعني ذلك أن سجلهم لم يكن حافلاً على الدوام بالأنشطة الإجرامية السرية والمتعددة الأشكال والوجوه التي تضطلع بها عادة أجهزة استخباراتهم.
فقد نقلت وسائل الإعلام التصريحات التي أدلى بها، في إطار اجتماع للتحالف اليهودي-الجمهوري، عدد من مرشحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة القادمة، والتي أجمعت على ضرورة شن حرب سرية على كل من سوريا وإيران، وذلك – بحسب مزاعمهم وأمانيهم- لتعجيل سقوط نظامي الحكم في هذين البلدين.
والواضح أن هذا الانتقال إلى السرية ناجم عن اليأس بعد أن فشلت جميع الإجراءات الهادفة إلى النيل من قوى المقاومة والممانعة، وخصوصاً في ظل عجز الحلفاء عن فتح حرب جديدة وجدية، خلافاً للحروب ـ النزهات التي اعتادوا على كسبها في مراحل سابقة.
وتشتمل هذه الحرب السرية على أعمال تفجير من النوع الذي ذكره الرئيس السابق لمجلس النواب، نيوت غينغريتش، عندما انتقد الديموقراطيين الذين يمسكون بأزمة الحكم حالياً في الولايات المتحدة على ما يظنه تقصيراً من قبلهم، بقوله "لدى الإيرانيين محطة تكرير واحدة ضخمة، ولو كنت مكانهم (أي مكان الديموقراطيين)، لكان تركيزي على كيفية تخريبها كل يوم".
كما تشتمل على اغتيالات تستهدف العلماء وخاصة اولئك الذين يعملون في المجال النووي. والحق يقال أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية وغيرها من الأجهزة المرتبطة لم تقصر في هذا المجال. فقد سقط العديد من العلماء الإيرانيين في الأونة الأخيرة، وقبلهم سقط علماء لبنانيون. أما التصفيات الواسعة النطاق التي استهدفت مئات العلماء والأكاديميين العراقيين فمعروفة للجميع.
وقد يكون على علماء النفس أن يجتهدوا يوماً في البحث عن تسمية وتوصيف للعاهة النفسية التي يعاني منها قادة أميركيون، من نوع المرشح الجمهوري ريك سانتوروم، لا يكتفون بالتعبير عن حقدهم "المشروع" على كل من يقف في وجه طموحاتهم الإمبراطورية الاستعلائية، بل يتجاوزون ذلك إلى الإحساس بالألم فيما لو كانت يد غير اليد الأميركية وراء عمليات الاغتيال التي تستهدف علماء إيرانيين وروس في المجال النووي، أو وراء عملية التخريب التي استهدفت مؤخراً مخزناً إيرانياً للذخيرة.
وبالطبع، تشتمل أيضاً على ضرورة "بذل كل الجهود بشكل مباشر وسري لكن دون تدخل القوات الاميركية لمساعدة المعارضة السورية على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد". والأكيد أن عبارة "كل الجهود" تمر بتدمير سكك القطارات الحديدية وتفجير أنابيب النفط وإطلاق النار على المدنيين والعسكريين السوريين، وأن عبارة "دون تدخل القوات الأميركية" تعكس، إضافة إلى الخوف والجبن، رغبة دفينة في رؤية السوريين وسائر العرب يدمرون بعضهم البعض على الطريقة الليبية.
وسواء تعلق الأمر بإيران أو سوريا، فإن القادة الإسرائيليين يشاطرون القادة الأميركيين هذه الرغبات المرضية. كما يشاطرونها قادة عرب ومعارضين سوريين من أمثال برهان غليون تهولهم (في أجواء الإندحار الأميركي عن العراق) فكرة الاتصال الجغرافي المباشر بين إيران وسوريا، وبالتالي مع لبنان وحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، لما لهذا الاتصال من تداعيات كارثية على وجود الكيان الصهيوني.
بالنسبة لأمثال غليون الذي ازدهى، في الآونة الأخيرة، ببروزه أمام عدسات المصورين جنباً إلى جنب مع العديد من كبار القادة الأوروبيين والأميركيين، والذي يتجه سراً وعلناً إلى البروز جنباً إلى جنب مع القادة الصهاينة، لا شك بأن صدره ينشرح جداً لكل هذا الحقد ظناً منه بأن كل هذا السعار الدولي والإقليمي ضد سوريا سيقربه من مبتغاه في "التسلق" غير منتبه تحت وطأة أحلامه وتهويماته إلى أن التسلق قد أخلى المجال في الزمن الحالي لـ "الارتطام" بقاع الهاوية على طريقة عرب أميركا أمثال مبارك وبن علي وحتى القذافي الذي لم ينفعه انبطاحه الكامل أمام قوى الاستكبارر والهيمنة، والذي يشكل درساً يجب أن يقرأه جيداً جميع العرب الذين يحلمون بمجد يأتيهم أو يحافظون عليه لقاء ما يقدمونه من خدمات لأميركا و"إسرائيل".
وقد يكون من المفيد لهم، لأن التاريخ يعيد نفسه في الكثير من الأحيان، أن يقرأوا ما نقله محمد حسنين هيكل مؤخراً عما دار من أحاديث مؤرشفة بين لويد جورج، رئيس الوزراء البريطاني، وكليمنصو، رئيس وزراء فرنسا في العام 1917، أيام وعد بلفور والإعداد لطبخة سايكس-بيكو التي استمرأها الحالمون العرب في تلك الفترة.
هذا بعض ما نقله محمد حسنين هيكل حرفياً:
"فقد سأل رئيس وزراء فرنسا زميله البريطاني عن وعود عرف أن الإنجليز أعطوها للشريف حسين، أمير مكة، مقابل إعلان الجهاد الإسلامي ضد تركيا الخلافة. ويرد ' لويد جورج' بقوله: هل تتصور يا صديقي أنني أقبل إلزام بريطانيا العظمي بورقة تعهد أعطيناها لقبائل بدو همجية؟! كنا نريد الحصول علي فتوي تريح الهنود المسلمين، لأنهم عنصر مهم في قواتنا، بالذات في الشرق الأوسط. كنا نطلب منهم وغالبيتهم مسلمون أن يحاربوا خليفتهم وخشينا أن نعرضهم لأزمة ضمير. كنا محتاجين إلي إعطائهم فتوي بالجهاد ضد هذا الخليفة. فتوى ممن هو أقوي من الخليفة في وجوب طاعة المسلمين. فتوي باسم' محمد'. أليس هو الجد الأكبر للشريف ' حسين' ؟!!".
"حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة". ذلكم بالضبط ما يفعله أدعياء العروبة الحاليين عندما يقبلون لأنفسهم أن يتحولوا إلى نعال تحتذيها مشاريع الهيمنة الغربية والصهيونية، على حساب سوريا وقوى التحرر والمقاومة. مع فارق بسبط: إذا كان البعض قد استفاد من ضرب الإمبراطورية العثمانية عرشاً هنا أو كرسياً هناك، فإن البعض الذي يتآمر على المقاومة العربية والإسلامية حالياً لن يستفيد غير نصيب وافر من الانهيار المعمم الذي تعيشه قوى الاستكبار والهيمنة في أيامنا.
العقل السياسي الأميركي هو عقل إجرامي بامتياز. فأميركا الرسمية مارست الإجرام علناً، وبكل فخر، في جميع محطات وجودها. على سبيل المثال لا الحصر: إبادة عشرات الملايين من سكان أميركا الأصليين، تكريس النظام الاستعبادي الذي خضع له السود وما زالوا يخضعون له بالأساليب الخشنة والناعمة رغم تزيين السلطة السياسية بنماذج من نوع باراك أوباما وكونداليسا وسوزان رايس، إلقاء القنابل الذرية على اليابان، شن الحروب المدمرة على كوريا وفييتنام وأفغانستان والعراق، والدعم اللامحدود للإجرام الإسرائيلي ولإجرام الأنظمة الجائرة بحق شعوبها.
ويبدو الآن -في أجواء الهزائم التي أحاقت بالولايات المتحدة، على غير انتظار، لشدة افتناع ساستها، جمهوريين وديموقراطيين، بأن العالم قد سقط ثمرة ناضجة في أيديهم بعد انهيار خصمهم السوفياتي- أن عدم جرأة القادة الأميركيين على ممارسة الإجرام علناً تدفعهم إلى ممارسته سراً، دون أن يعني ذلك أن سجلهم لم يكن حافلاً على الدوام بالأنشطة الإجرامية السرية والمتعددة الأشكال والوجوه التي تضطلع بها عادة أجهزة استخباراتهم.
فقد نقلت وسائل الإعلام التصريحات التي أدلى بها، في إطار اجتماع للتحالف اليهودي-الجمهوري، عدد من مرشحي الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة القادمة، والتي أجمعت على ضرورة شن حرب سرية على كل من سوريا وإيران، وذلك – بحسب مزاعمهم وأمانيهم- لتعجيل سقوط نظامي الحكم في هذين البلدين.
والواضح أن هذا الانتقال إلى السرية ناجم عن اليأس بعد أن فشلت جميع الإجراءات الهادفة إلى النيل من قوى المقاومة والممانعة، وخصوصاً في ظل عجز الحلفاء عن فتح حرب جديدة وجدية، خلافاً للحروب ـ النزهات التي اعتادوا على كسبها في مراحل سابقة.
وتشتمل هذه الحرب السرية على أعمال تفجير من النوع الذي ذكره الرئيس السابق لمجلس النواب، نيوت غينغريتش، عندما انتقد الديموقراطيين الذين يمسكون بأزمة الحكم حالياً في الولايات المتحدة على ما يظنه تقصيراً من قبلهم، بقوله "لدى الإيرانيين محطة تكرير واحدة ضخمة، ولو كنت مكانهم (أي مكان الديموقراطيين)، لكان تركيزي على كيفية تخريبها كل يوم".
كما تشتمل على اغتيالات تستهدف العلماء وخاصة اولئك الذين يعملون في المجال النووي. والحق يقال أن أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية وغيرها من الأجهزة المرتبطة لم تقصر في هذا المجال. فقد سقط العديد من العلماء الإيرانيين في الأونة الأخيرة، وقبلهم سقط علماء لبنانيون. أما التصفيات الواسعة النطاق التي استهدفت مئات العلماء والأكاديميين العراقيين فمعروفة للجميع.
وقد يكون على علماء النفس أن يجتهدوا يوماً في البحث عن تسمية وتوصيف للعاهة النفسية التي يعاني منها قادة أميركيون، من نوع المرشح الجمهوري ريك سانتوروم، لا يكتفون بالتعبير عن حقدهم "المشروع" على كل من يقف في وجه طموحاتهم الإمبراطورية الاستعلائية، بل يتجاوزون ذلك إلى الإحساس بالألم فيما لو كانت يد غير اليد الأميركية وراء عمليات الاغتيال التي تستهدف علماء إيرانيين وروس في المجال النووي، أو وراء عملية التخريب التي استهدفت مؤخراً مخزناً إيرانياً للذخيرة.
وبالطبع، تشتمل أيضاً على ضرورة "بذل كل الجهود بشكل مباشر وسري لكن دون تدخل القوات الاميركية لمساعدة المعارضة السورية على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد". والأكيد أن عبارة "كل الجهود" تمر بتدمير سكك القطارات الحديدية وتفجير أنابيب النفط وإطلاق النار على المدنيين والعسكريين السوريين، وأن عبارة "دون تدخل القوات الأميركية" تعكس، إضافة إلى الخوف والجبن، رغبة دفينة في رؤية السوريين وسائر العرب يدمرون بعضهم البعض على الطريقة الليبية.
وسواء تعلق الأمر بإيران أو سوريا، فإن القادة الإسرائيليين يشاطرون القادة الأميركيين هذه الرغبات المرضية. كما يشاطرونها قادة عرب ومعارضين سوريين من أمثال برهان غليون تهولهم (في أجواء الإندحار الأميركي عن العراق) فكرة الاتصال الجغرافي المباشر بين إيران وسوريا، وبالتالي مع لبنان وحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، لما لهذا الاتصال من تداعيات كارثية على وجود الكيان الصهيوني.
بالنسبة لأمثال غليون الذي ازدهى، في الآونة الأخيرة، ببروزه أمام عدسات المصورين جنباً إلى جنب مع العديد من كبار القادة الأوروبيين والأميركيين، والذي يتجه سراً وعلناً إلى البروز جنباً إلى جنب مع القادة الصهاينة، لا شك بأن صدره ينشرح جداً لكل هذا الحقد ظناً منه بأن كل هذا السعار الدولي والإقليمي ضد سوريا سيقربه من مبتغاه في "التسلق" غير منتبه تحت وطأة أحلامه وتهويماته إلى أن التسلق قد أخلى المجال في الزمن الحالي لـ "الارتطام" بقاع الهاوية على طريقة عرب أميركا أمثال مبارك وبن علي وحتى القذافي الذي لم ينفعه انبطاحه الكامل أمام قوى الاستكبارر والهيمنة، والذي يشكل درساً يجب أن يقرأه جيداً جميع العرب الذين يحلمون بمجد يأتيهم أو يحافظون عليه لقاء ما يقدمونه من خدمات لأميركا و"إسرائيل".
وقد يكون من المفيد لهم، لأن التاريخ يعيد نفسه في الكثير من الأحيان، أن يقرأوا ما نقله محمد حسنين هيكل مؤخراً عما دار من أحاديث مؤرشفة بين لويد جورج، رئيس الوزراء البريطاني، وكليمنصو، رئيس وزراء فرنسا في العام 1917، أيام وعد بلفور والإعداد لطبخة سايكس-بيكو التي استمرأها الحالمون العرب في تلك الفترة.
هذا بعض ما نقله محمد حسنين هيكل حرفياً:
"فقد سأل رئيس وزراء فرنسا زميله البريطاني عن وعود عرف أن الإنجليز أعطوها للشريف حسين، أمير مكة، مقابل إعلان الجهاد الإسلامي ضد تركيا الخلافة. ويرد ' لويد جورج' بقوله: هل تتصور يا صديقي أنني أقبل إلزام بريطانيا العظمي بورقة تعهد أعطيناها لقبائل بدو همجية؟! كنا نريد الحصول علي فتوي تريح الهنود المسلمين، لأنهم عنصر مهم في قواتنا، بالذات في الشرق الأوسط. كنا نطلب منهم وغالبيتهم مسلمون أن يحاربوا خليفتهم وخشينا أن نعرضهم لأزمة ضمير. كنا محتاجين إلي إعطائهم فتوي بالجهاد ضد هذا الخليفة. فتوى ممن هو أقوي من الخليفة في وجوب طاعة المسلمين. فتوي باسم' محمد'. أليس هو الجد الأكبر للشريف ' حسين' ؟!!".
"حذو النعل بالنعل وحذو القذة بالقذة". ذلكم بالضبط ما يفعله أدعياء العروبة الحاليين عندما يقبلون لأنفسهم أن يتحولوا إلى نعال تحتذيها مشاريع الهيمنة الغربية والصهيونية، على حساب سوريا وقوى التحرر والمقاومة. مع فارق بسبط: إذا كان البعض قد استفاد من ضرب الإمبراطورية العثمانية عرشاً هنا أو كرسياً هناك، فإن البعض الذي يتآمر على المقاومة العربية والإسلامية حالياً لن يستفيد غير نصيب وافر من الانهيار المعمم الذي تعيشه قوى الاستكبار والهيمنة في أيامنا.