سعد حمية
يوم شهيد حزب الله، هذا العام فيه الكثير من المفارقات التي تبدأ من الحدث
المفاجآة في 11/11 /1982. لعل المفارقة الاولى التي يمكن التوقف عندها، هي
تشابه الارقام وتكرارها في 11/11 /2011 . مفارقة تشابه الأعداد هذه، لم
تحجب مفارقة جوهرية وهي شروع المحكمة الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق
الحريري في عقد جلسة علنية في 11 /11/ 2011 في تمام الساعة العاشرة صباحاً
للنظر في جواز الشروع في اجراءات المحاكمة الغيابية لمن تقول المحكمة انهم
متهمون!
اجتماع غريب لتاريخين في لحظة واحدة، وكأنه أريد لهما أن يكونا نقيضين في
دلالتيهما ورمزيتهيما إلى حد تحقيق الصدام بينهما تحت شعارات وعناوين
"الحقيقة" و"العدالة" التي تستند إلى أقوال شهود الزور المفبركة والرامية
إلى تحقيق غايات سياسية لم تعد خافية على أحد، لا بل يمكن القول إن هذا
التزامن المريب يراد له أن ينسخ من ذاكرة ووجدان اللبنانيين بمختلف
انتماءاتهم، تلك الصفحات المضيئة في تاريخ لبنان التي سجلت اول انتصار
حقيقي على الاحتلال الاسرائيلي بالدم واللحم العاري بعد مدة قصيرة من بدء
الاجتياح الاسرائيلي لثاني بلد عربي بعد فلسطين المحتلة.
ذاكرة تشرين الثاني مثقلة بالأمجاد والتضحيات وهي التي وضعت لبنان على سكة
الانتصارات، وفاجأت الغزاة وعملاءهم من المبشرين بالعصر الاسرائيلي في حينه
والداعين لسلام مزعوم أُسُّه وركيزته الاستسلام من دون شروط لإملاءات تل
ابيب!
في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام اثنين وثمانين، كان الزلزال
الاول الذي ضرب الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، وفي حينه ادرك القادة
الصهاينة أنهم باتوا داخل شرك معقد بدايته تمريغ انوفهم في الوحول
اللبنانية، ونهايته خروجهم منه و"ذيلهم بين أرجلهم" تأكيداً لواقع أقر به
اسحاق رابين مكرهاً وعبّر عنه عقب عدوان تموز عام 1993 بالقول بأن "حزب
الله غلبنا"، وتكرس فيما بعد "بتكبيل ايدي الجيش الذي لا يقهر" في عدوان
عناقيد الغضب عام 1996 وصولاً إلى الانسحاب المذل في الخامس والعشرين من
أيار/مايو عام ألفين.
ذلّ الاحتلال الاسرائيلي على أيدي المقاومين والاستشهاديين لم ينته مع
الاندحار من جنوب لبنان وبقاعه الغربي، إنما أُتبع بفصول أخرى أججت غضب
الاسرائيلي وحلفائه وعملائه، وظل يتحين الفرص للانقضاض على المقاومين
والمجاهدين، وظن أن فرصة لاحت له في تموز وآب عام ألفين وستة، إلا أنه هزم
مرة أخرى وحقق المقاومون نصراً إلهياً مؤزراً قلب المعادلات مرة أخرى، وأجج
أوار الغضب في نفوس الاسرائيليين والمتأسرلين من عرب الاعتدال والمصالحة
الذين انكشفت عوراتهم أمام الصمود البطولي للمقاومين الابطال في جنوب
لبنان.
هذه البطولات والتضحيات للمجاهدين، ودماء الشهداء والاستشهاديين كتبت تاريخ
لبنان من جديد، تاريخ يعتمد على قوة لبنان بجيشه ومقاومته وشعبه، وليس على
الضعف واستجداء حماية المجتمع الدولي والحياد المشبوه، كل هذه الأمور هناك
من يريد ان يصادرها ويضعها في قفص الاتهام ومحاسبة المجاهدين الاحياء
زوراً على امل ان يتمكن هؤلاء في يوم من الايام من محاسبة الشهداء وحتى
الاستشهاديين الذي أذاقوا الاحتلال الاسرائيلي مرارة الهزيمة مرة تلو
الاخرى، وهذه المرة لن يكون المصير مختلفاً وسيبقى يوم 11/11 تاريخا مشرقا
فتح عهد الحرية والتحرير تمهيداً لتحقيق العدالة والكرامة لجميع ابناء هذا
الوطن.