عقيل الشيخ حسين
ليست هي المرة الأولى التي تتحدث فيها "إسرائيل" عن إمكانية توجيه ضربات
عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، ضربات يمكن أن تكون بداية لحرب تفضي
بدورها إلى انهيار الجمهورية الإسلامية.
لكن يبدو أن هذا التهديد هو الأخير من نوعه : الهجوم على إيران ستكون
نتيجته الرئيسية تدمير "إسرائيل"، وعدم وضع هذا التهديد موضع التنفيذ لن
يغير مسار التاريخ الذي يتجه سريعاً ومباشرة نحو نهاية للإسرائيليين، وكل
المصلحة في العمل من أجل جعلها أقل إيلاماً لهم.
ولكي يتمكنوا من ذلك، يحسن بهم أن يتراجعوا عن مغامرتهم الشيطانية وأن
يعوضوا الفلسطينيين والعرب عن جميع الأضرار التي سببوها لهم منذ عقود كشرط
ضروري لقبول وجود أعداد منهم في فلسطين عربية كما كانت قبل الغزو الصهيوني.
لنترك جانباً التحليلات التي تنتهي إلى استبعاد المواجهة الوشيكة أو
المؤجلة مع إيران، وبالضرورة مع القوى الإقليمية التي يستهدفها معسكر الشر
الأميركي... ولنفترض أن القرع الحالي لطبول الحرب على إيران سيجد طريقه نحو
التنفيذ.
لا بد قبل كل شيء من الإشارة إلى أن تاريخ المنطقة والعالم قد هيمن عليه،
منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الهاجس الإمبريالي الملح بضرورة ضرب
النظام الذي أقامته تلك الثورة.
وفي هذا الإطار، شُنت حرب عالمية أولى على إيران عبر أداة تمثلت بنظام صدام
حسين البائد. وجاء فشل هذا المسعى ليحبط توجه الأميركيين نحو إثارة
حلفائهم الخليجيين ودفعهم نحو استكمال ما كان بدأه صدام حسين. لكن النفط
ومضيق هرمز وهشاشة أولئك الحلفاء، كل ذلك كان في جملة الأسباب التي حالت
دون ذلك.
هذا المعطى هو السبب الحقيقي الذي دفع الأميركيين وحلفاءهم إلى التشمير
بأنفسهم للقيام بالمهمة، فكان غزو أفغانستان ثم العراق بهدف تطويق إيران
بعد أن زرعوا قواعدهم العسكرية ونشروا أساطيلهم الحربية في كامل المنطقة
الممتدة من الخليج إلى آسيا الوسطى.
النتيجة معروفة، والفشل كان أكبر بما لا يقاس من فشل الحرب التي أعلنها
صدام على إيران. إنه فشل "كارثي" وفق التسمية المعتمدة من قبل
الاستراتيجيين والقادة السياسيين والعسكريين في بلدان الغرب.
أما فيما لو توصل الإسرائيليون إلى اتخاذ القرار بالهجوم على إيران، فإنهم
سيحتاجون إلى مشاركة من قبل ثلاثة أو أربعة من بلدان المنطقة، ما يعني أن
الحرب ستكون إقليمية لا محالة، دون استثناء احتمالات تدخل الحلف الأطلسي
فيها، وبالتالي، وبالنظر إلى تمركز الثروات النفطية في المنطقة، دون
استثناء الواقع المتمثل بأن ذلك سيكون بمثابة ضربة قاضية للاقتصاد العالمي
المحتضر أساساً.
ثم إنه من البديهي أن إيران لن تتصرف بأي حال على طريقة صدام حسين الذي
واجه الغزو الأميركي، بالرغم من بضعة صواريخ شبه عديمة الفاعلية أطلقها
باتجاه "إسرائيل" أو تجمعات جيوش الحلفاء في بلدان الخليج، دون أن يفعل غير
الوقوف مكتوف اليدين وتلقي الضربات، ربما على أمل أن يبقى في الحكم، عام
2003، لعشر سنوات إضافية أسوة بما حدث له في العام 1991، ولا على طريقة
القذافي الذي راهن دون جدوى على علاقاته الجيدة بالحكومات الغربية وأجهزتها
الاستخباراتية، وهو الذي كان يمكنه بفضل ترسانته الحربية الضخمة أن يشن،
على الأقل، عشرات العمليات العسكرية المشابهة للعملية التي نفذها جول جمال،
الضابط السوري الذي هرع لنجدة مصر إبان تعرضها للعدوان الثلاثي،
الإسرائيلي ـ البريطاني ـ الفرنسي، في العام 1956، وذلك عندما اغرق بارجة
فرنسية بكل طاقمها بعد أن صدمها بزورقه الصغير المليء بالمتفجرات.
الرد الإيراني سيكون في حال تعرض إيران للعدوان... سيكون من مدرسة أخرى.
ولتكوين فكرة عن تلك المدرسة، قد ينبغي إنعاش ذاكرة الأميركيين والفرنسيين
والإسرائيليين عبر تذكيرهم بثلاث أو أربع عمليات استشهادية أوقعت مئات
القتلى بين جنودهم في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، عام 1982، خلال الاجتياح
الإسرائيلي للبنان.
لقد افتتحت هزيمة الجيش الإسرائيلي في لبنان، عام 2006، عصر الانهيار
الإسرائيلي الذي يسير بشكل متواز، في ظروف الحرب الأميركية الخاسرة في
أفغانستان والعراق، مع انهيار القوى الغربية... في وقت تتحصل فيه إيران على
المزيد من القوة في جميع الميادين.
من جهة أخرى، فإن الثورات العربية قد قطعت مع الزمن الذي كان يمكن لأميركا
فيه أن تدفع بعض أنظمة "الاعتدال" نحو توتير علاقاتها بإيران، وذلك بقدر ما
أصبح هاجس البقاء والمحافظة على العروش المهتزة أكثر أولوية من التورط في
مغامرات عسكرية يائسة.
ومن جهته، فإن الغرب الذي يئن تحت ثقل الهزائم العسكرية والأزمة
الاقتصادية، وهذا وضع ينطبق أيضاً على "إسرائيل"، لم يعد يمتلك غير القدرة
على التهويل بقدر ما هو مقتنع بأن المواجهة مع إيران لا يمكن أن تكون
إخراجاً مسرحياً على طريقة الحرب الليبية، ولا نزهة ـ وهذا ما اعترف به
إيهود باراك مؤخراً ـ من نوع النزهات التي كان الجيش الإسرائيلي معتاداً
على تحويلها إلى انتصارات باهرة.