الضفة الغربية ـ خاص
بعد أقل من شهر على تحريرهم يستعد الأسرى المحررون لاستقبال عيد الأضحى
المبارك بين عائلاتهم بعد سنوات من الغياب والسجن والحرمان، جعلتهم ينسون
تفاصيل العيد و تحضيراته... وبين ضرورات العيد وطقوسه، وفرحهم الكبير بأنهم
"في الخارج" بين عائلاتهم وذويهم، وبين الاستغراب والدهشة وعدم التصديق
"أن هذا يحصل فعلا"، اختلطت مشاعرهم وتاهت أفكارهم.
يقول المحرر محمد بشارات الذي تحرر بعد 20 عاما من السجن، وهو المحكوم
بالسجن المؤبد مدى الحياة: "كان الأمل بالإفراج عنا ضعيفا للغاية، وخاصة في
ظل الظروف السياسية التي كنا نتابعها باستمرار، لم أتخيل أنني سأتمكن من
قضاء عيد آخر مع والدتي وعائلتي هذه فرحة ونعمة كبيرة من الله".
قضى بشارات في السجن 39 عيدا بدون أهله، وقبلها 4 أعياد أثناء المطاردة، ما
جعله ينسى "ملامح العيد" وتفاصيله: "لا أعرف ماذا افعل... أراقب أهل البيت
وأفعل كما يفعل الجميع بصمت، اخجل أن أقول لهم إنني لا اذكر ماذا وكيف
يحضرون للعيد لأنني فعلا لا أعرف".
ويقول بشارات البالغ من العمر حاليا "38" عاما، إن "سنوات الحرمان" التي
عاشها في السجن مسحت من ذاكرته كل ما قبلها، فالعيد في السجون لا يتعدى
أداء صلاه العيد وتهنئة زملائه بالقسم والعودة إلى "البرش" ليتابع التلفاز
إذا توفر، كأي يوم عادي".
ويقول محمد انه كان في السجن، وفي كل عيد يجلس ويفكر فيما يفعله أهله في
هذا اليوم، ويحاول استحضار المشهد الذي بدا ضبابيا في ذاكرته، وفي أول
زيارة لوالدته يسألها عن التفاصيل.
وأكثر ما كان يتمناه، طوال هذه السنوات في العيد هو أن يجلس إلى والدته
ويهنئها في العيد، ويبقى إلى جوارها طوال اليوم، وخاصة بعد وفاة والده
وزواج أشقائه".
العيد بعيدين...
ليس بعيدا عن جنين حيث ينتمي محمد، كانت عائلة الأسير المقدسي سامر
العيساوي من مدينة القدس، تستعد لتحتفي بأول عيد تجتمع فيه العائلة منذ 24
عاما، فمنذ العام 1987 توالت الاعتقالات على العائلة حتى شملت الأشقاء
الستة وشقيقتهم
"شيرين". سامر أفرج عنه في الصفقة الأخيرة بعد 14 عاما من
الأسر، الذي سبقه إليه كل من أشقائه "رأفت وعمره 38عاما، و قضى في السجن ما
مجموعة 7 أعوام، و مدحت 37 عاما واعتقل 19 عاما، و فراس 36 وقضى خمس
سنوات، سامر 14 عاما، وشادي الأصغر فيهم وقضى من عمره في السجون 13 عاما،
واخيرا كانت شيرين التي اعتقلت لقرابة العامين".
تقول أم رأفت العيساوي: "كان ابني سامر اخر من تبقى منهم في السجن ولم
أتوقع ان يخرج يوما، كنت دائمة التفكير فيه وبمستقبله، وهل سأكون على قيد
الحياة بعد الإفراج عنه بعد كل هذه السنوات، حتى الآن لا أصدق انه بيننا
وان أبنائي الخمسة في البيت معا".
وكما فرحتها، كانت تحضيراتها للعيد الذي ستقضيه معهم: "لم يمض علينا عيد
منذ الـ 87 وكانوا مجتمعين في البيت، او على الأقل نصفهم، في معظم الأوقات
أكون أنا وبناتي فقط، وفي السنة الماضية كان الجميع في السجن وابنتي شيرين
أيضا". وتخطط أم رأفت للعيد القادم إليها بعد غياب طويل بكثير من الفرح:
"سأعد كل الحلويات وأدعو الأهل والأقارب جميعا لينضموا إلينا وسنضحي
بالذبائح ونوزع الحلوى". ورغم استشهاد "فادي" الا ان الوالدة تشعر بالراحة
الآن بعد خروج سامر ولمة جميع أبنائها: "ما كان يزيد حزني على فادي عدم
وجود أشقائه معنا، كنت أخاف عليهم أكثر من حزني على فقدانه، فهو عند ربه
وهم عند الاحتلال. وتتابع أم رأفت: "كان العيد يوما عاديا، و أقل من ذلك
فخلال 24 عاما متتاليا لم احتفل أو افرح أو ادخل الحلويات إلى البيت في
العيد". والآن، و بعد الإفراج عن سامر بعد كل هذه السنوات في صفقة الأسرى،
ردت الحياة الى العائلة كلها وليس "فقط سامر"، كما تقول الوالدة التي تحاول
من خلال بحثها الدائم عن "عروس له" أن تحول العيد عيدين.
عميد الأسرى... عيد وعرس
وفي وسط الضفة في مدينة رام الله، كان عميد الأسرى "نائل البرغوثي" أيضا
الذي قضى "34" عاما في المعتقلات وما مجموعه "68" عيدا في السجن، يتحضر
لهذا العيد الكبير، والذي سيصادف أيضا موعدا لزفافه عروسه اليه التي عقد
قرانه عليها مؤخرا، وهي أسيرة سابقة أيضا.
يقول البرغوثي: "فرحتي كبيرة جدا، كانت ثقتنا بالله كبيرة أننا سنخرج،
ولكنني إلى الآن لا اصدق، أعيش بإرباك شديد، كل شي حولي يبدو غريبا و غير
مألوف على الإطلاق أحاول التكييف والعيش بتلقائية، ومسح ذاكرة السجن
المظلمة من عقلي".
وكان البرغوثي اعتقل في العام 1978 وعمره 19 عاما، وخرج وهو في العقد
الخمسين من عمره، وكل ما يحاول عمله الآن تعويض سنوات طويلة بين أهله
وأقاربه وعائلته.
يقضي البرغوثي "وعروسه وشقيقته الوحيدة" أيام ما قبل العيد بانشغال كبير
بالتحضير للعيد والزواج "السريع" فيكفي ما ضاع من عمره حتى الآن، كما يقول.
هم صناع الحرية للوطن، ويستحقون بذل كل جهد وقوة لاستعادة من تبقى في غياهب السجون منهم... في يوم هو آت لا ريب فيه.