لم تأت أقاويل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، التي حاول فيها
تهيئة الأجواء لتقبل الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني إلا تعبيراً عن
الخيبة. في واقع الحال، هو أراد تغطية الفشل الصهيوني عبر القول إن حماس
تراجعت عن شروطها مما أدى الى هذه الصفقة. في اليوم نفسه ظهرت تصريحات
ومواقف صهيونية تكذب ادعاءات نتنياهو وتشير الى ان الصفقة مكسب تاريخي
لحماس والمقاومة ونكسة تسجل لـ"اسرائيل".. الفشل الصهيوني تمثل أولاً في
أسر الجندي جلعاد شاليط، وثانيًا في العجز عن تحريره عسكرياً وامنياً لمدة
خمس سنوات وثالثاً في قوة المفاوض الحمساوي المتكئ هذه المرة على الدور
المصري.
وبالرغم من ان المعلومات لا تزال شحيحة حول طبيعة ما دار في كواليس الصفقة،
الا أن بعض المعلومات سربها الاعلام الاسرائيلي عن أصحاب الأدوار
الرئيسيين، وقالت صحيفة "هآرتس" : ان أهم الشخصيات المركزية التي ساهمت في
مفاوضات تبادل الأسرى، هم رجال المخابرات العامة المصرية إلى جانب ثلاثة
رجال مخابرات إسرائيليين ورجل مخابرات ألماني بالإضافة إلى رئيس المكتب
السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي كان يدير الاتصالات من مكانه في دمشق،
وقائد الجناح العسكرى لحماس أحمد الجعبري الذي أشرف بصورة مباشرة على
المفاوضات في القاهرة". وأشارت الصحيفة العبرية إلى "أن المفاوضات غير
المباشرة بين حماس و"إسرائيل"، جرت عن طريق الوسطاء المصريين والوسيط
الألمانى "غيرهارد كونرد"، وأن ثلاث شخصيات إسرائيلية عملت في تلك
المفاوضات منذ أسر جلعاد شاليط فى حزيران/ يونيو 2006 وهم "عيرف ديكل" نائب
رئيس جهاز "الشاباك" ورجل الموساد "حخاي هداس" وأخيراً الضابط الرفيع في
الموساد "ديفيد ميدان" وتم اعتمادهم كممثلين عن رئيس الحكومة في المفاوضات.
أما عن الأسباب التي ساهمت في انجاز الصفقة، فيقول القيادي في حركة حماس
الدكتور عاطف عدوان في حديث لـ " الانتقاد" ان "الصفقة ترجمت القوة
العسكرية لحماس، واستندت الى الورقة القوية التي بيدها وهي وجود شاليط في
يد المقاومة". وهناك نقاط أخرى ساهمت في انجازها في التوقيت على الرغم من
أن فترة التفاوض كانت طويلة، منذ اليوم التالي لأسر شاليط، وكانت اسرائيل
تعتبر أنه كلما مر الوقت، كان هناك امكانية لاعادة شاليط بالقوة العسكرية
ويبدو انهم وصلوا أخيراً الى قناعة مفادها انه لم يعد الامر ممكنا"...
وهناك أيضاً ـ يتابع القيادي الحمساوي ـ "التغيير السياسي في العالم العربي
وما يسمى الربيع العربي الذي ادى الى ضغط على "اسرائيل" بحيث أنها لا تعرف
نتيجة الاحداث وتخوفت من ان تؤدي الى تصلب في موقف حماس لذلك هم ارادوا
استغلال الوقت قبل أي تغييرات سلبية".
وفي الاسباب التي ساهمت في تحقيق الصفقة يورد عدوان أن "الدور المصري انتقل
من الموقف المنحاز ضد حماس الى الموقف الحيادي" ويقول :" انني سمعت مباشرة
من الدكتور محمود الزهار ان مصر تخطت الدور الحيادي الى دور الشريك في
الضغط على الاسرائيلي وهذا كان له اثر كبير معنوياً مادياً".
ولا تخفى على احد تأثيرات هذه الصفقة على الشارع الفلسطيني، ويقول عدوان في
هذا الصدد إن "الصفقة ادت الى زيادة الوعي لدى الشعب، والرغبة في المجتمع
بدعم الحركة والتوجه اليها وتقويتها في كل المجالات مادياً وعسكرياً وغير
ذلك من القضايا التي يعتبر الشعب الفلسطينى انها ضرورية في هذه المرحلة"،
كما أن ما حصل أثبت ان "المقاومة وعلى رأسها حماس يمكن ان تفعل شيئاً
كبيراً للشعب الفلسطيني".
من جهته ، مدير عام مؤسسة الدراسات الفلسطينية الدكتور محمود سويد قال لـ
"الانتقاد" إن الصفقة "حققت نتيجة جيدة وكنا نتمنى لو تمكنت من أن تشمل
ايضاً قيادات كبيرة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وان يكون العدد
مضاعفاً لأننا نعلم انه لا يزال هناك عدد كبير آخر من الاسرى في سجون
الاحتلال، الا ان ما توصلت اليه الصفقة على اي حال جيد ويثبت ان "اسرائيل"
لا يمكن ان تقدم أي تنازل الا بممارسة نوع من الضغط ".
ويعتبر سويد ان "فشل اطلاق اسرائيل للاسير الا بثمن ترضى عنه حماس هو الذي
سرع في النهاية عملية التبادل وقد انتظرت اسرائيل طويلاً ، وحاولت كثيراً
وبلغت محاولاتها الذروة في العمل العسكري ضد غزة، لذلك رضخت لشروط حماس
وافرجت عن هذا العدد".
ويخلص سويد الى القول إن "اسرائيل فشلت في أن تنقذ الجندي الأسير عن طريق
العمل العسكري, وفي العملية الاجرامية التي نفذتها ضد غزة كبدت الشعب خسائر
كبيرة ومع ذلك فشلت في انقاذ اسيرها بهذه الطريقة، وقد حمى الشعب
الفلسطيني حماس حيث لم يكن مهيئاً من حيث الملاجئ وغيرها".