التعذيب في المعتقلات الاسرائيلية
المصدر: جريدة الرأي - الاردن 1/7/1998
الملخص: حين يتحدث المعتقلون الفلسطينيون، الذين خرجوا لتوهم من سجون الاحتلال، عن فنون التعذيب الاسرائيلية، يخيل للسامع ان الحديث يدور عن دولة تعيش قوانين الغاب، ولا تعرف معنى انسانية الانسان.
(جدعون ليفي)، ساق من خلال تحقيق اوردته صحيفة هآرتس، بعض الامثلة، التي تعتبر غيضاً من فيض المعاناة التي يلقاها المعتقلون الفلسطينيون على يد المحققين، يقول ليفي: يتقيأ عبدالاحمد مرتين او ثلاث مرات يومياً، ورغم الآلام المصاحبة للقيء، الا ان الوضع اصبح مألوفاً، فهو على هذا النحو منذ سنتين، منذ التحقيق الآخر الذي اجتازه على ايدي المخابرات "الاسرائيلية".
لقد سبق له ان سجن واجتاز التحقيق ايدي محققي جهاز الامن العام، عدة مرات، بيد ان المرة الاخيرة كانت اقسى تلك المرات على الاطلاق، ويقول: لقد حسن محققو الجهاز اساليب التعذيب، مثل "تمارين البطن" التي جعلته يتقيأ بصورة متواصلة منذ سنتين، "وتمارين الكتفين" التي سببت له الآلام الموجعة في اسفل ظهره.
ورغم انه لم يتجاوز بعد الحادية والثلاثين الا انه قضى السنوات الثمانية الاخيرة في السجون الاسرائيلية، وقبل شهر واحد، تم اطلاق سراحه من آخر اعتقال اداري.
لقد سبق ان سمعت الكثير عن وسائل التعذيب التي يمارسها جهاز الامن العام، ومن العديد من المعتقلين من نابلس والخليل وغزة، وهو الامر الذي يؤكد صدق اقوالهم، بيد ان وصف الاحمد للتعذيب الذي اجتازه كاد يوقف شعر رأسي، ولم يكن التحقيق معه يجري لان هناك قنبلة موقوتة يجب استخلاص موعد انفجارها منه، بل ان الامر مسألة روتينية، روتينية جهاز الامن العام، والتي يعترف العديد من كبار محققي الجهاز ان آلاف الفلسطينيين يجتازونها سنوياً، اي ان عشرات آلاف الفلسطينيين اجتازوا دواليب التحقيق الاسرائيلية، منذ بداية الاحتلال، ولا زالوا هم وعائلاتهم يحملون آثارها على اجسادهم وفي نفوسهم حتى الآن.
والاحمد، يدخل ويخرج من السجن منذ عام 1981، وقد اتهم ذات مرة وادين بإلقاء زجاجة حارقة، ومرة اخرى بتجنيد اصدقاء للجبهة الشعبية، ولم يتمكن الاحمد بين اعتقال وآخر من بناء حياته، وقد استغرق آخر تحقيق معه شهرين، بل لقد حقق معه ذات مرة مدة خمسة وسبعين يوماً.
ويقول الاحمد: كانت المرة الاخيرة اصعب المرات، لقد نجحوا في تطوير وسائل تعذيب جديدة، تحدث آلاماً اشد، وتبقي اثراً اقل على العضلات.
والاحمد يجيد العبرية، ويقول: لقد اقمنا في سجن مجدو ذات مرة (حياً عبرياً)، خصصنا مجموعة من الخيام لتعليم اللغة العبرية، وحظرنا الحديث باللغة العربية فيها، بل وحظرنا التدخين ايام السبت، وكان الاحمد ينهض بين الفينة والاخرى ليمثل اساليب التعذيب، ويقول: خذ مثلاً الحركات الرياضية، يقوم احد المحققين بجذب المعتقل الى الخلف، بينما يجذبه محقق آخر الى الامام وهما يضغطان بأقدامهما على القيود الحديدية، مما يسبب آلاماً شديدة ويسمون هذه العملية "تدريبات البطن".
ويربطون الاقدام الى الكرسي، ويجذبون الجسد الى الخلف، يبدأون العملية ومدى طول او قصر العملية، يرتبط بوضع المحقق معه، فهناك محققون يتوقعون عندما يبدأ المتهم بالتقيؤ، في حين لا يتوقف آخرون الا حينما يغشى عليه، وحينها ينتقلون الى حركة اخرى، لقد كانوا يمارسون معي (تدريبات البطن) ساعتين الى ثلاثة ساعات، حتى اتقيأ، وكل ما يقولونه لي: لماذا توسخ الارض؟ ثم يحضرون وعاء كي اتقيأ فيه، ولا يتوقفون عن "التمرين" حتى يشعروا ان المحقق معه لا يستطيع الكلام بعد ذلك، وحينه ينتقلون الى تمرين آخر، وهم لا يفعلون ذلك نظراً لان آلامه اصبحت لا تطاق، بل لانه لم يعد يستطيع الكلام، وحينها يضحون ويقولون: الآن جاء دور تدريب اجزاء اخرى من جسمك، كالكتفين مثلاً.
ويتم ربط الرسغين بالقيود الى الخلف، ويقوم شخص منهم بالضغط بقدمه على القيود، او على الكتفين بقوة، في الوقت الذي يواصل فيه المحقق التحقيق.
وتستمر هذه الصورة من صور التحقيق زمناً اطول، والكرسي صغير، في حين ان الطاولة الموضوعة كبيرة، ويبقى ثقل ساقي المحقق كله على كتفي المحقق معه.
وهناك ايضاً عملية "الهز"، وهي اصعب عمليات التحقيق على الاطلاق، واخطره، والاشخاص دائماً يغشى عليهم من الهز، وقد اغمي علي اكثر من مرة في التحقيق، ولست ادري فيما اذا كان قد اغمي علي ام انني نمت، وفي كل مرة ينهالون على المغمى عليه بالضرب، ويسكبون فوقه الماء، كي يستيقظ ويواصلون التحقيق.
وذات مرة، سمحوا لي بالنوم، لانني لم اكن قادراً على الحديث او جمع شتات نفسي، لم اكن اراهم جيداً او اسمعهم، او ادري ماذا يريدون، ولم تنجح الصفعات والماء البارد في ايقاظي من النوم، الذي اخذ بي، انهم يحرمون المحقق معه، من النوم اربعة الى خمسة ايام، ولا يسمحون له بالنوم الا عندما يصبح الحديث معه مستحيلاً.
لا يوجد محققون طيبون ومحققون سيئون، كلهم سواء، ويعملون وفقاً لنفس الاسس والانماط، واذكر اسماء المحققين: كوهن، نداب، دوري، طارق، جيل، مندي، بيد ان طارق كان انسانياً، فقد عرض عليه ذات مرة قهوة، كنت انام كل اربعة او خمسة ايام ساعتين او ثلاث في الزنزانة حيث يربطون الشخص الى كرسي صغير ويضعونه في خزانة، ويفتحون المكيف.
والخزانة ذات ابواب سميكة كأبواب الملاجئ، وهي صغيرة الى الحد الذي يجب دفع اي انسان سمين دفعاً الى داخلها، ويبدأ الهواء البارد في الدخول بعد ان يكونوا قد جعلوك تخلع ملابسك.
والامر ليس تعذيباً جسدياً فقط، بل هو ايضاً تعذيب نفسي، اتدري ما الذي يعنيه ان يحولوا الاشياء الصغيرة الى حلم؟ لقد كان حلمي ان احظى ببعض الدفء، او ان اتمكن من وضع يدي الى الامام وليس الى الخلف.
الكلمات لم تكن كثيرة، بل في بعض الاحيان، وخصوصاً عندما يرغبون في اعداد انسان منذ ساعات الصباح الباكر، ليوم تعذيب صعب كالهز وعلى وجه الخصوص اذا ما جاء ضابط كبير لحضور التحقيق او الاشراف عليه، وحينها يربطونه من يديه ويرفعونهما الى الاعلى، ويضعون كيساً على رأسه كي لا يرى، وموسيقى صاخبة جداً على اذنيه، واحياناً يربطونه في انبوب مثبت بالعرض في القاعة، بحيث لا يستطيع الوقوف او الجلوس.
المرحاض.. لا يسمحون لك بالذهاب الى المرحاض الا اذا بدأت بالتعاون والحديث، وخصوصاً المحقق معهم الجدد، اما نحن القدامى، فنتعامل مع المسألة بصورة مغايرة، فكلما شعرنا بحاجتنا للذهاب الى المرحاض، نبول في ملابسنا ونحن في الوضع الذي وضعونا فيه، ولا يهتم المحققون بذلك، الا عندما تبدأ الرائحة الخانقة في التسرب، وحينها يرسلون الشخص مع الحارس، والذي يقوم بغسله بخرطوم مياه، ثم يعيدونه الى المكيف لتجفيفه، ثم للتحقيق.
اما الطعام فيعطونه للمحقق معه في المرحاض، يضعونه في الثقب الذي نقضي حاجتنا فيه، وفي ظلام دامس، فأنت لا ترى ما الذي تأكله، وربما تشعر ذلك من المذاق، وهناك يضعون ايضاً الاكياس التي يضعونها فوق رؤوسنا كي تمتلئ بالروائح الكريهة، لقد رأيت حارساً ذات مرة يبول على الاكياس.
"انهم يستطيعون اخذ اعتراف من الاشخاص الذين فعلوا شيئاً، اما الذين لم يفعلوا شيئاً، فان الامر يتحول بالنسبة لهم الى مجرد عذاب متواصل، اذ ليس لديهم ما يقولونه.
اما السباب، فهو مسألة عادية، يسبون اخواتنا وامهاتنا، وهم يدركون ان هذا السباب بالنسبة للعرب حساسة للغاية، ويبصقون ايضاً في وجوهنا.
لقد كان من السهل اغضاب المحققين، فهم اناس عصبيون، وحسب رأيي ليسوا اصحاء نفسياً، فكلما عذبوا الشخص اكثر، ورأوا تدهور وضعه الصحي كلما اصبحوا اكثر سعادة، وهذا يؤكد على انهم مريضون نفسياً فلا يوجد انسان طبيعي يراقب عذاب آخر وهو يبتسم.
لم اتخيل في حياتي، ان هناك اناساً من هذا القبيل، يضحكون عندما اتقيأ انا من الالم.
والطبيب ايضاً، يساعد في عمليات التحقيق، فهو يجلس في القيادة، ويقرر فيما اذا كان بمقدور المحققين التحقيق مع الشخص ام لا، وهو دائماً يقول ان بمقدورهم عمل ذلك، واحياناً كان الطبيب يسأل: اين موضع الالم؟ حينما يجيبه المريض، يبدأ المحققون بالضرب على الموقع الذي ذكره.
لقد كان الاحمد قبل دخول السجن لاعب كراتيه ويحمل الحزام الازرق، اما الآن، فهو لا يستطيع التحرك كثيراً جراء آلام ظهره الصعبة جداً، وقد اكد الطبيب ان لديه مشكلة في عموده الفقري، قد يحتاج الى عملية جراحية.