تمضي ضاحية بيروت الجنوبية الساعات الأخيرة قبل استقبال الأسرى، بعدما تلقّت أشدّ الضربات العسكرية الإسرائيلية لتحرير سمير القنطار وأربعة من رفاقه في الأسر وأجساد 199 شهيداً لبنانياً وعربياً. حتى ساعة متأخرة من مساء أمس، كانت التحضيرات لا تزال قائمة في الضاحية ومحيطها تحسباً لأي خلل تنظيمي أو أمني.
قبل الوصول إلى ساحة الاحتفال، في ملعب "الراية"، حركة ملحوظة لسيارات تحذّر، عبر مكبّرات الصوت، من إطلاق النار ابتهاجاً بـ"عملية الرضوان"، تحت طائلة ملاحقة القوى الأمنية والقضاء. تجول هذه السيارات بعيداً عن محيط ساحة الاحتفال، على اعتبار أنّ "الراية مضبوط جيداً من قبل شباب الحزب".
يضع منظمو المهرجان اللمسات الأخيرة على ساحة الاحتفال، التي اعتادت منذ سنوات طويلة احتضان مهرجانات حزب الله. عند الساعة الثامنة من مساء أمس، كانت لا تزال "كوم" الكراسي تصل ليجري صفّها بشكل مناسب. عمل أكثر من 500 شاب من حزب الله، منذ نهار الاثنين، على إعداد المكان، فيما كان فريق خاص قد بدأ العمل على تصوّر شكل الاحتفال منذ نهار السبت الماضي. ويشير أحد الشبّان المنظّمين إلى أنّ الحزب كان على استعداد لاستقبال الأسرى منذ إعلان الإسرائيليين لخبر عملية التبادل، وذلك "تحسّباً لأي إرباك قد يصيب الحزب فيما لو أفرج الإسرائيليون عن الشبّان في وقت مفاجئ". ويؤكد منظّم آخر، أنّ التحضير لمهرجان اليوم "لم يتطلّب جهداً استثنائياً، إلا أنّ مسألة توقيت الاحتفال لا تزال غير محدّدة، نظراً إلى تعدّد المحطات التي يمكن أن يتوقّف عندها الأسرى". ويقدّر المنظّمون أن يجري الاحتفاء بعودة المحرِّرين المحرَّرين بين السادسة والنصف والتاسعة. كما سيتمّ رفع شاشة نهارية عملاقة "خوفاً من أن يجري الاحتفال خلال النهار" عكس توقّعات المنظّمين الذين سجّلوا احتمالات كثيرة لسير المهرجان.
في وسط مكان التجمّع، كَتَب شكل الكراسي عبارة "عملية الرضوان"، التي ابتهج بها الشبان المنظمون، "تحيّة للحاج رضوان الذي أطلق الأسرى من خلال عمله في المقاومة".
تحتلّ "عملية الرضوان، 16/7/2008" خلفية المنصة التي ستقدّم الأسرى المحررين، إضافةً إلى عبارات أخرى، أهمها: "نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون"، "إنجاز من الله"، "أولى بشائر النصر"، وصورة للشهيد عماد مغنية ورسوم تعبّر عن المنحى المقاوم. كما أعدّ مجسّم لقضبان السجن، سيخرج منه الأسرى إلى المنصة لمقابلة جمهور المقاومة والجلوس أسياداً على الكراسي، فيما يلقي العميد القنطار كلمته ومن ثم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. وكما جرت العادة خلال الاحتفالات الأخيرة لـ الحزب، ستقدّم فرقة الولاية الموسيقية بعض الأناشيد الخاصة بالمناسبة، "فأعدّت ثماني مقطوعات، قد يعزف معظمها".
تمّ تحضير ستة كراسي على المنصّة. اعتقد بعض المواطنين المقيمين في محيط الراية أنّ الكرسي السادس هي لـ السيّد، أمّا المنظّمون فقد أكّدوا أنّ نصر الله سيلقي كلمته عبر الشاشة.
ميدانياً، أجرت مجموعات من شباب الحزب بروفات أمنية وتنظيمية أخيرة قبل الاستحقاق. ورغم صرامة الانضباط، أطلق أحد المسؤولين عن التنظيم دعابةً لطّفت الأجواء لتعود بعدها إلى سابقها: "لم يعد بوسعكم نيل أي فيزا، وجوهكم ستنتشر على الشاشات".
في شوارع الضاحية، علّقت لافتات ليوم تحرير الأسرى، عنوانها الأساسي "إنجاز من الله"، فيما يستعد اليوم القسم الأكبر من أصحاب المتاجر إلى الإقفال، "مش حرزانة، والمناسبة أكبر من يوم عمل"، يقول صاحب محل متاخم لـ"الراية" لبيع الأقمشة.
إضافةً إلى "الراية"، انهمك قسم آخر من المنظمين في إعداد انطلاقة مواكب الأسرى من مطار رفيق الحريري الدولي، "حيث الضغط والحشد الأوسع لما للمكان من خاصة رسمية وسياسية". أما مسار الباص الذي سينقل الأسرى فهو طريق المطار القديم ـــــ مفترق المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ـــــ أوتوستراد هادي نصر الله ـــــ ملعب الراية، "وهي طريق نسعى إلى تنظيمها بشكل لائق ومنضبط حتى لا يقع أي سوء يعكّر صفو الجو الاحتفالي".
ويقول أحد المسؤولين عن التنظيم إنّ طريق المطار ستشهد تجمّع كل القوى التي ستسترجع جثث مقاوميها، مشيراً إلى أنّ مسؤولي فريق السلطة قد لا يحضرون إلى ساحة الاحتفال. ويؤكد المتحدث أنّ الجثامين لن تصل إلى "الراية"، بل "إلى أماكن خاصة لإجراء الفحوص اللازمة والتأكد من تطابق المعلومات والأسماء أو الأرقام". ويشير المتحدث إلى أنّ التنسيق تمّ مع كل الأطراف ليتسلّم كل منها شهداءه، و"ليس لحزب الله سوى سبعة جثامين، فيما الحصة الأكبر ستكون للمنظمات الفلسطينية".