ماذا يجري مع المعتقلين خلال التحقيق
المؤلف: ميخال سيلع
التاريخ: 18-5-1993
المصدر: دافار
الملخص: يعرض التقرير الاتي، والمكتوب بقلم "اسرائيلي" بعضا من وقائع التعذيب الذي يمارس ضد المعتقلين في المعتقلات الصهيونية. واذا وصلت هذه الوقائع حد النشر والاعلام، فهذا يبعث على التقدير بان ما يمارس فعلا هو اشد واقوى، لاسيما اذا تذكرنا ان كل المواد المنشورة في الاعلام "الاسرائيلي" تخضع للرقابة العسكرية المسبقة والمشددة.
ان نموذج الاهلية الطبية" الذي يصدره قسم التحقيق التابع للمخابرات "الاسرائيلية" العامة (الشاباك) يخرج على الاقل بعضا من اساليب الضغوط الجسدية من دائرة الابتداع المنسوب الى خيال الاشخاص الذين يتم التحقيق معهم.
يطلب من الطبيب في هذا النموذج الاقرار بان الشخص الذي قام بفحصه مؤهل للصمود ومواجهة الوسائل التالية: ان يكون في غرفة معزولة وان يكون مكبلا بالاصفاد وان يوضع كيس على رأسه وعينيه وان يقف لفترات طويلة مستمرة.
ويتضح من النموذج الذي وصل لايدي المحامية تار بيليغ ابان المداولات في المحكمة بخصوص تمديد توقيف ربحي شقير من الزاوية، ان النموذج من اصدار قسم التحقيقات في المخابرات العامة وانه يجب ان يوجد في كل معتقل يجري فيه تحقيق.
لا يوجد وضوح حول الفترة التي تم البدء بالتعامل فيها بهذا النموذج لكن من المرجح ان يكون قد بدأ التعامل به بعد نشر تقرير لجنة التحقيق بحضور الشاباك وبعد تكرر عدة حالات في السنوات الاخيرة توفي وقتل فيها فلسطينيون اثناء التحقيق معهم وبعد ان اتضح في بعض الحالات بان الشخص الذي بدأ التحقيق معه كان يعاني من امراض معروفة او امراض غير معروفة له قبل اعتقاله، وفي اطار هذا المفهوم بالامكان النظر الى الاجراءات الخاصة بفحص المعتقل بانها عبارة عن تحسن وبدرجة معينة تحمل مسؤولية عن سلامة الشخص الذي يتم التحقيق معه.
مفهوم توجد خلافات حوله
لكن النموذج يثير تساؤلات وبعض الاستغراب حول المفهوم الذي توجد خلافات حوله وهو "ضغوط جسدية معتدلة".
لا ريب ان قائمة وسائل الضغط الواردة في النموذج يمكن اعتبارها "كقائمة مشروعة ومعقولة" ! وللحقيقة نقول بان الاطباء الذين يوقعون عليها لا يستأنفون على الوسائل. وللحقيقة ايضا نقول بان القاضي الذي عرضت امامه مسألة تعذيب شقير لم يجد بان من الصحيح تناول وسائل الضغوط التي استخدمت ضده (!).
لكن لا يوجد في هذا النموذج ومن المرجح ان لا يوجد في مكان اخر أي قيود على استخدام هذه الوسائل، لان القيود قد تشكل حدودا بين الضغوط المعتدلة وبين التعذيب.
ان عزل انسان لفترة زمنية محددة يمكن ان يشكل ضغطا يؤثر عليه من اجل الاعتراف بعمل قام به هو او احد الاشخاص الذين يعرفونه، واحتجز شقير 52 يوما في العزل وقال للقاضي: انني اتواجد منذ 52 يوم وحيدا واذا قمتم بتمديد توقيفي فكأن هذا يعني قولكم مت في التحقيق.. انني انسان.. مثل كل عربي ويهودي.. الى متى؟ ان هذا يجنني.
ليسوا مسؤولين عن الانتحار
عثر قبل عدة اسابيع في سجن بئر السبع على شخص متوفى وذلك بعد احتجازه فترة طويلة في العزل، وقيل بانه انتحر، وانتحر في سجن الرملة قبل عدة سنوات معتقل اخر احتجز لفترات طويلة في العزل فهل اعطي شخص رأيه حول الحدود بين العزل كعقوبة ضغوط والعزل كتعذيب؟ وهل بالامكان اعفاء الهيئة الامنية من المسؤولية عن وفاة المنتحرين؟
ان تكبيل معتقل بالاصفاد يعتبر اجراء اساسيا في الاعتقالات لكن لماذا يتم تقييد أيدي وارجل معتقل بالاصفاد في الوقت التي يتواجد فيه في غرفة مغلقة في سجن مغلق وفي ظل ظروف لا يوجد أي تخوف من احتمالات فراره او قيامة باعمال شغب؟
وقال شقير في البيان الذي ادلى به لمحاميته وايضا امام المحكمة انه احتجز طوال فترة اعتقاله وهو مقيد بالاصفاد بيديه وساقيه واصفاد أخرى تربط بين ساقيه ويديه، كما قيد على كرسي او بعمود بجلسة مؤلمة جدا، ويعاني معتقلون كثيرون من جروح وانتفاخ في مرافق أيدايهم ومفاصل سيقانهم في اعقاب التقييد المؤلم المستمر.
ان قوة شد الاصفاد لدى تكبيل معتقل واستمرار التكبيل تثير تساؤلات بخصوص الحدود بين التكبيل من اجل الحفاظ على الامن والتكبيل الذي يصل الى حد التعذيب ولا يتناول النموذج الطبي المذكور ذلك ويتم اعفاء الطبيب الذي يقوم بفحص المعتقل من اعطاء رأيه بذلك. وينطبق ذلك ايضا على قضية تغطية الرأس، توفي عمر حمدان من منطقة قضاء جنين في شهر تموز عام 1987 في معتقل التحقيق في جنين جراء تغطية رأسه فترة طويلة وربما مات ايضا بسبب شد الحزام الذي يربط الغطاء بالرقبة، ولا يعرف حتى الآن عن وجود امراض لديه قبل اعتقاله، وكان مصطفى بركات من عنبتا يعاني من ازمة صدرية وقدم طبيب في سجن طولكوم تقريرا عن ذلك لمحققي المخابرات، وعلى الرغم من ذلك وضع كيس على رأسه.
واكد شقير انه باستثناء نهايات الأسبوع واستراحات قصيرة لتناول الطعام والتوجه للمرحاض فقد احتجز طوال الوقت وكيس يغطي رأسه وكان جنود يحضرون من حين لاخر ويشدون وثاق الكيس على رقبته. وقال شقير في البيان الذي ادلى به لمحاميته: من حين لاخر يتقدم شخص مني ويخنقني بالكيس واحيانا كان يزيح الكيس ويقوم بعملية الخنق بيده وحينذاك كنت ادرك بانه رجل مخابرات.
ان الوقوف لفترات طويلة لا تؤدي الى الحاق اضرار جسدية بصورة فورية ولا يؤدي الى الوفاة لكنه مؤلم جدا، ويحتجز فلسطينيون اثناء التحقيق، اياما كاملة بوضع وقوف مقيدين بالاصفاد ورؤوسهم مغطاة وقال شقير بانه كان مكبلا بالاصفاد وعمود، وقد ادى التقييد، بالعمود الى ايلامه لكنه حافظ عليه واقفا لفترات طويلة، وايضا في هذا الوضع فان الكمية تتحول الى نوعية.
البند الذي يثير الاستغراب
يثير الاستغراب كثيرا البند الخامس من نموذج الاهلية الطبية الذي يجب على الطبيب الفاحص ان يجيب فيه على السؤال: هل توجد للمعتقل جروح او كسور وما شابه (قبل دخوله للتحقيق).
هل يريد رجال المخابرات التمييز بين تلك التي كانت لدى المعتقل قبل دخوله للتحقيق وتلك بعد خروجه من التحقيق؟ وهل يريد المحققون ضمان ان هذه الامور مثل الجروح والكسور وباقي الاضرار الجسدية (الطازجة) ناجمة عن اعمالهم؟ هل يتضمن هذا البند التأكيد : نحن نمارس ضغوطا قد تؤدي الى ترك اضرار جسدية واضحة؟
اذا كان هذا النموذج يستهدف اتباع وسائل مراقبة وتشكيل ضمانات للحفاظ على الاعراف العامة المتعلقة بالضغوط الجسدية المعتدلة، لماذا لا يستخدم بصورة ملائمة ابان التحقيق نفسه وخصوصا من قبل السلطة التي توقع على النموذج أي الاطباء.
ا كد طبيب في معتقل طولكرم بان مصطفى بركات توفي جراء ازمة صدرية. واثناء التحقيق معه شكا بركات من سوء صحته وعلى الرغم من ذلك لم تقم الهيئة الطبية في المعتقل بالتدخل لتؤكد انه يجب وضع حد لما يمر به.
وهذا ايضا بالنسبة لشقير: يؤكد النموذج الطبي انه دخل الى قسم التحقيق معافى دون أي معطيات غير عادية اما في ملفه الشخصي في السجن فقد عثر على تقارير متابعة طبية، وقدم ممرض برتبة جندي تقريرا بتاريخ 14 نيسان ورد فيه بانه قام بفحص يد شقير بعد ان اشتكى من فقدان الاحساس بمرفق يده اليمنى، واكد طبيب بتاريخ 15 نيسان بانه لم يطرأ أي تغير على وضع يده. وكتب الدكتور مرغولين ناغوم وهو اخصائي اعصاب بانه يعاني من اضطرابات في كف يده اليمنى.. ولا يستطيع رفع اصبعه لطرف انفه في سياق اختبار اصبع يد.. وكتب في صفحة المتابعة الطبية بتاريخ 20 نيسان ان الشخص تم فحصه قبل خمسة ايام في تل هاشومير، لكن بدون نتائج.
لقد حصل المعتقل الذي يتم التحقيق معه على رعاية طبية بناء على طلبه، لكن لم يقم أي من الاطباء الذين قاموا بفحصه بالعودة الى نموذج الاهلية الطبية، ولم تجر مقارنة بين ما ورد في هذا النموذج وبين الوضع الجسدي للمعتقل الذي يتم التحقيق معه خلال ثلاثة اسابيع منذ يوم اعتقاله، وهكذا الامر بالنسبة للقاضي الذي وجه تعليمات باجراء فحوصات أخرى لشقير، لكنه لم يوجه للمحققين سؤالا حول الهوة بين عدم وجود أي ضرر جسدي قبل تعبئة النموذج بتاريخ 23 من شهر آذار وبين التقارير الطبية حول الضرر الذي لحق بيده اليمنى.
قانون دون جدوى
لم يمت شقير جراء قيام محقق اسمه (ص) بالدوس على يده. قال شقير في المحكمة: وضعوا قيودا على يدي وعلى ساقي واصفادا أخرى ربطت بين القيدين. وحينذاك قام محقق بوضع ساقه بينهما وضغط يسارا ويمينا للداخل وللخارج، وخرجت اليد بهذه الصورة. لقد تمكن المحققون من الضغط على عنقه بدون الحاق اضرار كبيرة وخرج كما كان عليه بعد تقييده بالكرسي وبالعمود لكن مع ذلك فان وضعه قبل وبعد يختلف، وتوجد الوثائق امام الاطباء، لكنهم يصمتون.
وما الجدوى اذا من قانون الحكماء؟ فهل كان من الافضل ان يموت شقير من اجل ان يتنبه شخص ما الى وضعه.
--------------------------------------------------------------------------------