"اسرائيل" والمعتقلون اللبنانيون : سجن الخيام مقبرة الاحياء
المؤلف: زهير هواري
الملخص: تزج "اسرائيل" بمئات المعتقلين اللبنانيين في سجن بلدة الخيام في جنوب لبنان، ويقوم عملاؤها المنضوون تحت قيادة جيش لبنان الجنوبي بقيادة انطوان لحد بممارسة شتى انواع التعذيب بحق المعتقلين.
وتظهر التقارير الصادرة عن منظمة الصليب الاحمر وعن منظمات انسانية اخرى، عمق المأساة التي يعيشها هؤلاء المعتقلون، اذ لا يرون الضوء على الإطلاق، وتمنع عنهم مياه الاستعمال لأسابيع عدة، ويقدم إليهم أطعمة تكون على الأغلب من الحبوب والاجبان التي ضربها العفن و نخرتها الحشرات.
وتؤكد التقارير الصادرة عن منظمات طبية دولية ، إصابة العديد من المعتقلين بأمراض مستعصية، كما ان العديد منهم توفي تحت التعذيب، وعادة ما يتم زج المعتقلين في سجن الخيام لسنوات طويلة من دون محاكمته، فبعضهم قد مضى على اعتقاله ما يتراوح بين العشرة والخمس عشرة سنة من دون أي أفق لإطلاق سراحه.
الموضوع التالي يسلط الضوء على المعتقلين في سجن الخيام، ويصور أوضاعهم المأساوية استنادا إلى شهادات لمعتقلين سابقين والى تقارير صادرة عن منظمات ومؤسسات إنسانية دولية، وإذ يعود تاريخ هذا الموضوع إلى ثلاث سنوات ماضية ، فلا شك ، ان واقع حال المعتقلين ما زال هو نفسه.
يعود أساس سجن الخيام إلى ثكنة أنشأتها قوات الانتداب الفرنسية سنة 1933، وكانت الثكنة المذكورة مقرا لقوات المرابطة في منطقة جنوبي الجنوب. واختيار المكان الذي لا يبعد اكثر من مائة متر عن البلدة المعروفة باسم الخيام كان مقصودا في حد ذاته، ولجملة عوامل سياسية وجغرافية متداخلة. فالخلافات الفرنسية البريطانية على تخطيط الحدود كان جليا بين الدولتين المنتدبتين على لبنان وفلسطين. وبديهي القول ان بريطانيا كانت، من ورائها الحركة الصهيونية، تضغط لمد نفوذها نحو خط يمتد شرقا من جنوبي وادي البقاع ويصل غربا إلى محاذاة صيدا في الحد الأقصى، أي بما يضمن السيطرة على مساقط المياه في مناطق جبل الشيخ وقضاء حاصبيا. وهو ما كان يرفضه الفرنسيون. هذا في الجانب السياسي، اما من ناحية الموقع الجغرافي، فالثكنة المذكورة تشرف بصورة كاملة تقريبا على منطقة إصبع الجليل في شمال فلسطين من جهة ، وعلى مرتفعات الجولان جنوبي سورية من جهة أخرى. وعليه، يمكن القول ان الفرنسيين أرادوا الثكنة بمثابة موقع حصين وإستراتيجي لتأمين سيطرتهم على الجزء الجنوبي من لبنان والجزء الجنوبي من سورية على حد سواء. وهكذا، تحدد دورها بحماية النفوذ الفرنسي في كل من لبنان وسورية من احتمالات توسع صهيونية أو بريطانية سافرة، ولحماية مؤخرة نفوذهم.
مع الاستقلال وجلاء الجيوش الأجنبية عن الأراضي اللبنانية، أخلى الفرنسيون الثكنة المذكورة، شأنها شأن الثكن التي أقاموها في طول البلد وعرضه، وتسلمها الجيش اللبناني سنة 1943، إلا ان أهمية الثكنة انخفضت في سنوات الاستقلال، نظرا إلى الموقع الطرفي الذي احتله الجنوب في سياسات الدولة اللبنانية الاقتصادية والاجتماعية العسكرية. وظل الوضع على هذا النحو حتى آذار / مارس 1978 ، عندما نفذت القوات "الإسرائيلية" اجتياحها الأول لأجزاء واسعة من الجنوب، وتعرضت بلدة الخيام لما يشبه التدمير الشامل، وخلت من مواطنيها، بل تحولت، وهي التي كان عدد سكانها ثلاثين ألفا، إلى مسرح تدريب لوحدات الجيش "الإسرائيلي" على أعمال النسف والتلغيم وحرب الشوارع. اما الثكنة، فقد تسلمتها الميليشيات المتعاملة مع "اسرائيل" ، التي قادها آنذاك الرائد سعد حداد ، وعقب الاجتياح الصهيوني للبنان صيف 1982، بدأ الأهالي عودتهم إلى البلدة، التي راحت تخرج من تحت الرماد شيئا فشيئا. اما الثكنة التي وضعت الميليشيات يدها عليها، فقد باتت مركزا للتحقيق ليس إلا، نظرا إلى وجود معتقل أنصار، الذي جرى افتتاحه في 14 تموز / يوليو 1982 ، وتم زج الألوف من اللبنانيين والفلسطينيين فيه. وظلت الثكنة محافظة على دورها ما دام معتقل أنصار قائما، إلا ان اتساع ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية أدى إلى تنفيذ القوات "الاسرائيلية" انسحابات اضطرارية متتابعة من بيروت والجبل وصيدا والزهراني وصور والبقاع الغربي، واكتمل عقد التراجع "الإسرائيلي" في 4 نيسان / أبريل 1985 بإقفال معتقل أنصار، وهو ما دفع القوات "الاسرائيلية" إلى تحويل ثكنة الخيام إلى بديل من أنصار في عملية الاحتجاز والأسر. وقد تم ترميم وتأهيل وتوسيع الثكنة منذ مطلع سنة 1985، وباتت اكثر استعدادا للقيام بمهمتها الجديدة بعد ان أصبحت لا تختلف عن السجون "الاسرائيلية" في قليل أو كثير.
يتألف السجن من عدة مبان تضم اكثر من 67 زنزانة جماعية واكثر من 20 زنزانة افرادية، وجميع الزنازين مرقمة بالأرقام العادية، وهي تختلف طولا وعرضا وارتفاعا تبعا للمهمة المناطة بها. فالزنازين الجماعية لا تتعدى المترين أو الثلاثة أمتار طولا وعرضا، وبارتفاع مترين لا اكثر. وهي تطل على ممر تشغل الجانب الآخر منه زنازين أخرى في القسم ذاته، إلا ان هذا لا يعني ان هناك إمكانية لرؤية السجناء الآخرين في الغرف الملاصقة أو المقابلة، إذ ان الفتحة الموجودة في أعلى الغرفة لا تسمح بأكثر من مرور الصوت، ولهذا محاذيره في طل حركة المراقبة الدائمة والحراسة المستمرة . وفي مساحة لا تتعدى المترين ´ مترين أو ثلاثة أمتار، يتم حشر نحو عشرة معتقلين (لا ينقص العدد عن 7 في أية حال من الأحوال) . وتتحدد الأعداد لإشغال الزنازين الجماعية تبعا لكثافة حملات الاعتقال. اما الزنازين الانفرادية فهي متباينة المساحة أيضا، إذ تتراوح بين 50 ´ 50 سم ، بارتفاع لا يصل إلى المتر الواحد، أو 90´90 سم في احسن الأحوال. وفي هذه المساحة الضيقة يمضي بعض السجناء اشهرا طويلة من دون رؤية ضوء الشمس ، ويقضون حاجاتهم في أماكنهم )الزنازين الافرادية( ، أو في سطول موضوعة داخل الغرف.
هذا من حيث البناء، أما من حيث الجهاز البشري المشرف على السجن ، فهو عبارة عن رتب عسكرية عليا "إسرائيلية" في مقابل الأغلبية تنتمي إلى الميليشيات العميلة "لإسرائيل" وقد أشرفت الاستخبارات "الاسرائيلية" على معتقل الخيام منذ أقامته في أوائل سنة 1985 ، واستمرت في توليها المسؤولية عنه إلى أواخر سنة 1988 ، عندما نقلت هذه المهمة إلى جهاز الأمن القومي "الإسرائيلي" الموساد وغالبا ما يكون المسؤول الأول عن السجن برتبة عقيد، يعاونه فريق من المحققين من رتب مختلفة، اما الجهاز الآخر ، فيتولاه عدد من مسئولي ما يسمى جيش لبنان الجنوبي العميل "لإسرائيل" ، بمشاركة من عناصر الأمن المحلية في القرى، ويقوم فريق من المحققين، ينحدرون في أغلبيتهم من المؤسسة العسكرية النظامية ، بهذه المهمة، إضافة إلى عمليات التعذيب التي يمارسها الحرس والجنود المولجون بالعمل في المعتقل. ويستعمل معظم المحققين والمشرفين على السجن أسماء حركية. إلا ان الكثيرين منهم معروفون بالأسماء.
ويرتبط معتقل الخيام بشبكة من مراكز التحقيق الأولى والاعتقال القصير الأمد في المنطقة الحدودية، وأبرزها : ثكنة مرجعيون، مقر قيادة الميليشيات في الطيبة )قرب المشروع( ، ثكنة حولا ، ثكنة البيطار، معتقل الـ 17 في بنت جبيل ، مركز القليعة، وهو قريب من مستشفى مرجعيون، وسواها...
غير ان المعتقلين اللبنانيين لا يقتصرون على أسرى سجن الخيام، اذ يوجد بالإضافة إلى هؤلاء سجناء لبنانيون في السجون "الاسرائيلية" . فمثلا ، خلال الاجتياح الصهيوني في آذار / مارس 1978 فقد ما يقارب 165 مواطنا، ورفضت "اسرائيل" الاعتراف بأسرهم أو الكشف عن مصيرهم. وإضافة إلى ذلك . هناك 175 مفقودا إبان الغزو "الإسرائيلي" للبنان صيف سنة 1982 وما زال مصيرهم أيضا مجهولا، مع العلم بان الكثيرين من المواطنين، ومن ضمنهم أسرى تم تحريرهم، أدلوا بشهادات عن إلقاء القوات "الاسرائيلية" القبض على بعضهم في وضح النهار، منهم من كان أصيب بجروح خلال القتال، ومنهم من كان في حالة سليمة. ويعتقد ان قسما من هؤلاء المفقودين موجود في السجون "الاسرائيلية".
يضاف إلى ذلك رفات 150 شهيدا من شهداء المقاومة ترفض "اسرائيل" تسليمهم إلى ذويهم أو إلى المؤسسات الإنسانية . ويقال ان هؤلاء دفنوا في الأرض المحتلة، في مكان يطلق عليه اسم مزرعة جادوت قرب نهر الأردن. وقد اعترفت "اسرائيل" سنة 1990 بتسلمها ستة معتقلين من القوات اللبنانية. وتبين ان هؤلاء كانوا قد خطفوا على حواجز القوات في المونتي فردي (موقع قريب من مخيم تل الزعتر ) ومرفأ بيروت، وبعد ان وضعوا في سجن الكرنتينا قرابة الثمانية اشهر، سلمتهم القوات قبل حلها إلى "اسرائيل" في أيار/مايو 1990.
ويبلغ العدد المتداول (غير المؤكد ) للأسرى اللبنانيين في السجون "الاسرائيلية" نحو 75 أسيرا، موزعين في السجون التالية: عسقلان ، بئر السبع ، نفحة، الجلمة، الرملة ، العفولة. وقد اختطف بعض هؤلاء من الأراضي اللبنانية في عمليات عسكرية جوية أو بحرية، أو خلال مواجهات، وتم نقله إلى داخل الكيان "الإسرائيلي" ، في مخالفة صريحة للمادتين 49 و 76 من معاهدة جنيف الرابعة الصادرة سنة 1949، والتي تنص على ان : اعتقال الأفراد والجماعات ونقلهم خارج المناطق المحتلة إلى مناطق الدولة المحتلة ممنوع مهما كانت الأسباب والدواعي، الا إذا تم هذا النقل لأسباب تتعلق بسلامة المعتقلين من جراء توسع العمليات الحربية. بيد ان "اسرائيل" لم تكتف بنقل المعتقلين إلى الأرض المحتلة، بل أجرت أيضا محاكمات صورية لعدد كبير من المناضلين، وأصدرت بحقهم أحكاما جائرة طويلة الأمد. فقد حكم، مثلا، بالسجن المؤبد على علي بلحص وجواد قصفي، وبالسجن 30 عاما على أنور ياسين، و 20 عاما على كايد بندر ، و 14 عاما على ابراهيم السقي، و 10 أعوام على عادل ترمس. وقد انتهت فترات أحكام البعض، وخصوصا بعض أسرى سجن بئر السبع، ومع ذلك ما زالوا محتجزين إداريا من دون أي مبرر قانوني. كما ان هناك ستة أسرى في السجن المذكور لم توجه إليهم أية تهمة، ولم يخضعوا حتى لمحاكمة صورية. وتمنع سلطات الاحتلال الصليب الأحمر من زيارة الأسيرين الشيخ عبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني. ويعاني المعتقلون أوضاعا صحية ونفسية سيئة، وخصوصا ان زيارة ذويهم لهم ممنوعة . وقد ورد من المعتقلين في السجون "الاسرائيلية" رسائل كثيرة، تقول إحداها، وهي من أسرى سجن بئر السبع موجهة إلى لجنة المتابعة: نحن بحاجة إلى عمل فوري وسريع من قبلكم لأجل إنهاء الحكم الإداري المتخذ بحقنا من دون أي مبرر شرعي أو قانوني، وخصوصا اننا انهينا فترة حكمنا منذ سنوات عديدة، نطالب بالعمل الفوري لإطلاق سراحنا وسراح جميع المعتقلين، وتدل رسالة أخرى على ان بعض سجناء بئر السبع هم من الذين امضوا فترة اعتقال في سجن الخيام، لقد مر معظمنا بهذه التجربة في بداية الاعتقال عندما كنا في سجن الخيام..
من الصعب إعطاء رقم دقيق لعدد المعتقلين في سجن الخيام، ومصدر الصعوبة هو ان الجهة التي تتولى عملية الاعتقال لا تعترف رسميا بمسئوليتها عن الذي يتم اقتيادهم إلى ذلك المكان. هذا أولا، وثانيا، لان الرقم متغير، ويرجع ذلك إلى كثافة العمليات الأمنية التي تستهدف المواطنين، بصرف النظر عن علاقتهم بالمقاومة، اذ ان مجرد الشك كاف لتنفيذ الاقتياد أو والتحقيق والاحتجاز. هذا مع العلم بان المنطقة المحتلة خضعت منذ سنة 1978 ، ان لم يكن قبل هذه السنة، لعملية تنظيف و تصفية متواصلة، أدت في ما أدت إليه إلى طرد مجموعات كبيرة من السكان، والى وضع غير المتعاونين مع "اسرائيل" اما في السجون واما تحت المراقبة الدائمة. غير ان المهم في استحالة تحديد الرقم الحقيقي يعود في جانب منه إلى حملات الاعتقال الجماعية التي تستهدف القرى المتمردة أو العاصية على أوامر العملاء وتعليمات الإدارة المدنية، أو تلك التي تشهد المناطق المحيطة بها عمليات فدائية. لذا، تتضافر هذه العوامل مجتمعة، بدءا بالوضع اللاقانوني لمعتقل الخيام ومراكز التحقيق المساندة، ورفض دخول الصليب الأحمر الدولي إليه، وصولا إلى عمليات الاعتقال التي لا تصل أخبارها إلى لجنة المتابعة، فضلا عن الحملات العامة.. هذه كلها تؤدي إلى هذا الوضع، وخصوصا ان المعلومات التي ترد عن المعتقلين تصل من طرق متعرجة وبطيئة، اذ تعتمد في جانب منها على الأسرى المحررين، أو ذوي المعتقلين، أو ما يحمله القادمون من المناطق المحتلة معهم من أنباء. لكن الرقم المتداول لعدد الأسرى في سجن الخيام حاليا، بعد حسم عدد الذين افرج عنهم مؤخرا ، يصل إلى نحو 250 معتقلا . ويتوزع المعتقلون من ناحية أصلهم على 70 قريبة لبنانية، إضافة إلى 12 آخرين من جنسيات عربية. وتتراوح أعمار المعتقلين في سجن الخيام بين 12 سنة و 65 سنة، إلا ان هناك أولادا تقل أعمارهم عن 12 سنة، وطاعنين في السن ممن تجاوزوا الخامسة والستين من أعمارهم. اما المعتقلات فأغلبيتهن العظمى من الفتيات، علما بان هناك سيدات القي القبض عليهن مع أزواجهن، وقد أنجبت إحداهن في السجن. ووصل عدد السجينات في سجن الخيام في وقت ما إلى 30 سجينة. أي ما نسبته 10 بالمائة من العدد الإجمالي قبل عملية الإفراج الأخيرة.
اما التوزع المهني للمعتقلين ، فيقدم نموذجا من التشكيلة الاجتماعية لما هو عليه الوضع في المنطقة المحتلة، حيث الفئات الأكثر تعاطيا بالعمل السياسي هي الطلاب والمدرسون. والنسبة الأساسية من السجناء هي من الطلاب والأساتذة ومديري المدارس. ويستدل من نسب التوزع المهني للمعتقلين ان 60 بالمائة منهم هم من هذه الفئة. ويأتي بعدها مباشرة عسكريون في الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، اذ ان من يتردد منهم على المنطقة عرضة، كالآخرين، للاعتقال وما يرتبط به من أعمال التحقيق والتعذيب , ولعل الدافع الأساسي لذلك من جانب سلطات الاحتلال والعملاء كون هؤلاء يقدمون نموذجا مغايرا لما هو عليه وحدات المنطقة الحدودية التي باتت جزءا من الأداء "الإسرائيلي". واما باقي المعتقلين فيتوزعون بين مختلف الشرائح : فلاحون، عمال، باعة صغار وموظفون. ولا تقتصر مبررات الاعتقال على الجانب الأمني المرتبط بنشاط المقاومة ، بل تتعداها إلى كل ما من شأنه اتخاذ موقف مضاد لما هو سائد في منطقة الشريط من المدرسين تتعلق بالمسألة الأمنية. اذ انها تمت بسبب رفض تعلم وتدريس اللغة العبرية التي فرضتها الإدارة المدنية. اما بالنسبة إلى الطلاب، فيتأكد من خلال المعلومات ان رفض المشاركة في الرحلات والمخيمات الطلابية والكشفية والسياحة إلى "اسرائيل" كان أحيانا بمثابة مبرر كاف للاعتقال.
شهادات عن التعذيب
يقول سعيد الأخرس ، الذي أمضى عشر أعوام في سجن الخيام، انه احضر في الصباح الباكر إلى الثكنة، بعد ان اعتقل في منزله، ونقل في صندوق سيارة. ولدى الوصول إلى السجن اخرج من صندوق السيارة وغطي رأسه بكيس من الخيش تنبعث منه رائحة كريهة، وهناك تم إيقافي إلى الحائط، في هذا الوقت كانت عملية تسليم وتسلم تتم بين عناصر المخابرات المحلية التي ألقت القبض علي وبين مسئولي السجن، اما حراس السجن الذين لم يحتملوا هذا الانتظار، فكانوا يضربونني ريثما تنتهي الإجراءات... بدأت عملية التحقيق لحظة انتهاء الإجراءات ، وكانت مقرونة بالضرب والتهديد . كانت الأسئلة التي توجه إلي منوعة، تبدأ بتاريخ الميلاد، والنشأة ، والدراسة، والأقارب والأصدقاء، والوضع الصحي، والانتماء.. وكانت الأجوبة التي لا تعجب المحققين يرد عليها بالضرب والمطالبة بأجوبة اكثر وضوحا.. تتوسع الأسئلة عن الجوانب الشخصية إلى المحيط والمعارف في القرى المجاورة.. ويتم هنا إشعار المتهم بأنه عالق مع أهم جهاز استخبارات في العالم، وبأن المعلومات التفصيلية والدقيقة عن المعتقل هي في حيازة هذا الجهاز، الذي لا يتوخى من طرح الأسئلة والإلحاح عليها سوى تثبيتها بواسطة الاعتراف.. هذه الجولة الأولى من التحقيق مجرد بداية، اذ يتم إخراج المتهم من غرفة التحقيق وتسليمه إلى عناصر الشرطة، وهؤلاء من المتخصصين بعمليات الضرب. يمضي المتهم وقته واقفا أو راكعا، أو يلقى به على الأرض والقفز عليه مع الركل والضرب.. تستغرق هذه العملية بعض الوقت، وعندما يشعر هؤلاء بان المتهم أنهك، يتم إدخاله إلى المحقق ثانية.. يعتمد التعامل في هذه المرحلة على طبيعة الأجوبة، فإذا كان المتهم أدرك الدرس الذي شهد فصوله، يجري التعامل معه بهدوء في مقابل المعلومات التي يدلي بها. هنا تعتمد عملية الترهيب والترغيب، فالاعتراف ثمنه الرجوع إلى الأهل، وقبله وقف الضرب والركل و.. تترك فرصة للمتهم المتردد للتفكير والقول، وعلى ان تأتي وتعترف عن الرفاق والأصدقاء وتدلي بما لديك من معلومات.. أما الرفض ، فيرد عليه برفع وتيرة التعذيب.. فإذا رد المتهم بان لا شيء لديه ليقوله، يتم اعتماد المرحلة الثانية، وبدايتها تعليقه على عمود كهرباء وسط المعتقل.. وتختلف وضعية التعليق ومدته تبعا لطبيعة التهمة وخطورة المعتقل. اما عن وضعية التعليق، فتتم باليدين الاثنتين إلى الأعلى، أو بيد واحدة، أو بالرجل، والرأس إلى الأسفل.. كل هذا وسط الضرب المتقطع والتعرض للطقس البارد أو الحار، ومن دون طعام أو شراب أو الحد الأدنى منهما، الذي يبقى المتهم على قيد الحياة لا اكثر..
اما توفيق منصور ، الذي أمضى في المعتقل خمسة أعوام تقريبا، فيصف التحقيق الذي تعرض له على النحو التالي: تعرضت للتحقيق لمدة لا تقل عن 15 ساعة ، ضربت خلالها بعصا غليظة، لم تترك مكانا من جسمي إلا أصابته. وقد تركز الضرب على ظهري، مما تسبب في كسر ثلاث فقرات من عمودي الفقري. كانوا يحاولون تأكيد علاقتي بالمقاومة، وقد أخبرتهم أنني مجرد نقابي أتابع قضايا المزارعين، إلا ان هذا لم يقنع المحقق الذي رأى في بيان وزعناه في آذار/مارس 1989 ، ونطالب فيه بزيادة أسعار التبغ للفلاحين دليلا على ارتباطي بالمقاومة. وقد أمضى منصور ثمانية اشهر في حبس المشاغبين، وهو عبارة عن غرفة رطبة ومعتمة لا تدخلها أشعة الشمس بتاتا.
واقتاد الجنود طاهر نصر الله في 7 نيسان/أبريل 1992 من مدرسة كفركلا الرسمية، ومن الصف الذي يتولى تدريسه، وعندما وصلت بدأوا بضربي بالعصا، وعلقوني على العمود، ووضعوا أسلاكا كهربائية في أصابعي ثم صبوا علي الماء البارد حيث بقيت أربعة أيام وثيابي مبللة بالماء، ومن شدة الضرب والتيار الكهربائي انتشرت بقع سوداء في أجزاء جسمي وأصبت بغثيان دائم بسبب طبيعة الطعام، كما أصبت بفقر حاد في الدم، وأصبحت عاجزا عن الوقوف، ثم تدهور وضعي الصحي اكثر فنقلت إلى مستشفى مرجعيون، وقد أعطوني هناك وحدتي دم سحبوها من زملائي المعتقلين، إلا ان وضعي لم يتحسن كثيرا، فافرجوا عني بعد ان أصبت بالتهاب حاد في جهاز التنفس، وذهبت مباشرة إلى مستشفى حمود في صيدا، ثم إلى مستشفى بحنس المتخصص بالأمراض الصدرية، ومع أنى أتلقى علاجي منذ عام تقريبا، فإني لا أزال أعاني من جراء اعتقال قارب العامين.
هذه النماذج الثلاثة، التي تضم مواطنا ونقابيا ومدرسا، تستتبع نماذج أخرى ككميل ضاهر، كان تلميذا في المرحلة المتوسطة عندما اعتقل في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1989. ويقول عن وقائع التحقيق معه: تركوني أولا قرب حائط المعتقل حتى ساعة متأخرة من الليل . جاء أحد الحراس وامرني بالركوع على الأرض. وعندما فعلت اخذ يضربني لمدة ثلاث ساعات متواصلة، أغمي علي ، عندها، سحبني من رجلي كما اخبرني رفاقي، وأمر زملاءه بتعليقي على العمود، واخذ يصب الماء علي، ما ء بارد ثم ماء ساخن.. بعد هذا التعذيب نقلوني إلى زنزانة افرادية لا يدخلها الضوء لمدة أسبوع، ثم أعادوني منها للمرحلة الثانية من التحقيق أو التعذيب: لفوا سلكا معدنيا على أصابعي، وأمروني بالركوع، وصبوا الماء البارد على جسمي، ثم وصلوا التيار الكهربائي.. بعد الصدمة هذه نقلوا السلك إلى فمي وعضوي الجنسي.. ضربوني أيضا بالعصا على جميع أجزاء جسمي من دون استثناء بما في ذلك رأسي، وأخذت أعاني نوبات عصبية، ولم اعد أرى بوضوح. عندما خرجت من السجن في الشهر الأخير من سنة 1991 حاولت متابعة الدروس، إلا أنى فشلت بسبب الاهتراء الذي أصاب شبكية عيني، ولم اعد أستطيع قراءة ما يكتب على اللوح، ولا احتمل مشاهدة ضوء الكهرباء.. قال الطبيب أنى مهدد بالعمى كليا، ومعدل الرؤية الآن لا يتعدى العشرة في المائة.
علي فواز مقاوم اسر في 31 أيار/مايو 1987 ، وافرج عنه في 21تشرين /أكتوبر 1991، يقول: قلت للجندي "الإسرائيلي" أنى جريح، وكانت قدمي اليسرى، حيث استقرت الرصاصة، تنزف.. امسك بيديه رجلي المصابة واخذ يجذبها لإيلامي.. كنت اصرخ من الوجع.. تقدم جنود آخرون مني وأشبعوني ضربا.. قال لي أحدهم أنت ممسحة للأحذية، ووقف على صدري وراح يفركه بحذائه العسكري ، وداس على وجهي فشج شفتي السفلى.. أدخلوني إلى المستشفى، ثم أخرجوني منه إلى سجن الجلمة في منطقة حيفا قبل ان تبرأ جروحي، وطوال إقامتي في المستشفى لم ينظفوا لي الجروح، ولم استحم، مما سبب لي التهابات وروائح كريهة وتقيؤ دائم. تنقلت بين سجن الرملة والمستشفى الملحق به وسجن شطة ومستشفى العفولة.
رباح شحرور.. في أثناء وجودي في السجن، وبعد ان أخذوني من الصف الثاني المتوسط الذي ادرس فيه، اعتقلوا والدتي البالغة من العمر 55 عاما وشقيقتي ناديا وجميلة، كما اعتقلوا ابنة خالتي وعشرات البنات من البلدة.. يومها كنت المعتقل الأصغر في السجن ، اذ لم يكن عمري يتعدى الـ 11 سنة.. عندما افرجوا عني أبعدوني وعائلتي عن القرية والمنطقة.. بعد خمسة اشهر افرجوا عن شقيقتي وابعدوهما أيضا.
مأمون ياسين :اختطفوني من المنزل.. توقفوا على مسافة قريبة من المنزل ، وقالوا لي انظر إلى بيتك للمرة الأخيرة، لأنه لن يبقى على وجه الأرض.. نزعوا العصابة عن عيني وشاهدت النار ودوي الانفجار. أمضيت في السجن فترة 35 يوما، وأنا اعتقد ان عائلتي أبيدت تحت الأنقاض، لكن عندما خرجت علمت بان طفلتي استشهدت، فقد قتلوها بمسدس مزود بكاتم للصوت ليلة اختطافي، كما تسببوا ببتر ساق طفلتي الأخرى.
.. ولا يختلف وضع الأسيرات عن وضع رفاقهن. تقول جميلة شحرور: اعتقلوني في حقل قريب من البلدة، قيدوا يدي، وبعد ان أدخلوني إلى السجن اقتادوني إلى غرفة المحقق الذي سألني عن شقيقي . أكدت أنى لا اعرف عنه شيئا، فكرر السؤال وكررت النفي. بدأ يعاملني بشدة وقسوة، واستعمل الضرب والشد بالشعر ورماني على الأرض، عاد الي يضربني، ثم تركني فترة رجع بعدها يوجه إلي الأسئلة نفسها، فلم اجبه ، ضاعف من استخدام العنف، ثم نادى على الحراس فالقوني في زنزانة انفرادية لمدة خمسة أيام، كنت خلالها لا اخرج إلا إلى المحقق، حيث أخضعت لتحقيقات قاسية جدا، مقرونة بجميع وسائل الضغط والإكراه.. ولما لم اجب أعادوني إلى الزنزانة، ثم إلى التحقيق، وهكذا حتى وضعوني في سجن النساء، حيث أمضيت في المعتقل، إجمالا الفترة الممتدة بين 26 نيسان / أبريل 1989 و 2 تشرين الثاني / نوفمبر 1989.
أما أحلام عواضة فتقول تتراوح أعمار الأسيرات في الخيام بين 14 سنة و 65 سنة، كالأسيرتين المحررتين مريم زراقط ورقية شرف الدين. اما خديجة الأسمر فعمرها سبعون سنة. بعض الأسيرات ادخلن المعتقل وهن حوامل، كالأسيرتين لينا مصطفى وأمينة عكاشة. والعديدات من الأسيرات اعتقلن مع أزواجهن، كالأسيرة المحررة سحر زعيتر، التي ما زالت وزوجها في المعتقل.. نجاح عليق اعتقلت مع أمها البالغة من العمر 65 سنة، كما اعتقل والدها، وهو في عمر مماثل، كما اعتقل العدو في منزل واحد ثلاث شقيقات هن نزهة وفاطمة ومنى شرف الدين، وأخاهم الصغير هادي، الذي كان عمره 4 سنوات .. مدد الاعتقال، تضيف عواضة ، للسجينات تراوحت بين شهر وسبع سنوات، واعتمدت معنا خلال التحقيق الأساليب ذاتها التي اعتمدت مع الشبان، كالضرب بالكرباج ، والتركيع، والتعليق، والتعذيب بالكهرباء، وتمزيق الثياب، وسكب الماء، والاحتجاز في زنازين افرادية.
بالإضافة إلى التعذيب الجسدي، يخضع المعتقلون لتعذيب نفسي يجمع الأسرى المحررون على انه لا يقل وطأة عن التعذيب الجسدي.
وفيات و أمراض دائمة
هذا المزيج المركب من التعذيب الجسدي والنفسي فعل في الأسرى فعله. اذ بلغت الوفيات حتى حزيران / يونيو 1995 بناء على معلومات لجنة المتابعة، 14 سجينا، وكان آخر هؤلاء الأسير هيثم دباجة، الذي توفي داخل زنزانته مطلع العام (1996) . ويروي الأسير سعيد الأخرس الواقعة على النحو التالي :
ساءت حالته الصحية، وبدأ رفاقه الصراخ ومناداة الحراس لنقله إلى مستشفى مرجعيون، وضجت الزنازين مطالبة بإسعافه، من دون ان يتحرك أحد، حتى توفي. ومن الشهداء الذين قضوا في المعتقل أيضا عبد الله غملوش (شقرا) ، زكريا نظر وعلي حمزة (الجميجمة) ، لبيب أبو غيدا(حاصبيا) حسين علي محمود (حولا) الحاج احمد ترمس (طلوسة ... توفي نتيجة نوبة قلبية وله من العمر 65 سنة) ، اسعد بزي (بنت جبيل ، أصيب بمرض السرطان، ولم يطلق لتلقي العلاج)، بلال السلمان وإبراهيم أبو عزة (استشهدا في انتفاضة المعتقلين في 25 تشرين الثاني / نوفمبر1989 ، وقد ترك الأخير ينزف من دون مساعدة أو من دون ان ينقل إلى المستشفى ، إلى ان توفي أمام رفاقه) ، شوقي خنافر، ابراهيم فرحات، كما توفي آخرون في مراكز التحقيق قبل ان يصلوا إلى المعتقل، مثل يوسف سعد، وصالح غرغر، وهناك من اعتقل ولم تظهر له آثار في الخيام أو في سواه من المعتقلات.
بيد ان هذه الوفيات لا تختصر معاناة السجناء، وحتى المحررين منهم، ومهما بلغت قدرة أجسادهم على الاحتمال وطاقة صمودهم المعنوية، يظلون يحملون آثارا لا تمحى من جراء التعذيب. . ولعل من الصعوبة بمكان حصر النتائج الصحية التي يعانيها المعتقلون الذين ما زالوا في السجون، إلا ان الذين أطلقوا يعانون جملة اشتراكات ، وأمراضا ثابتة بمعاينات الأطباء اللبنانيين الذي يتابعون قضاياهم:
انحلال الأعصاب، فقر الدم، نقص العناصر الأساسية في الجسم، التهابات صدرية، تبقع في الجسم من جراء التعذيب ، كسور في العمود الفقري والأضلاع والأطراف، ترك الجروح من دون تنظيف مما يؤدي إلى التهابات وروائح، اهتراء في شبكيات العيون تؤدي إلى فقدان البصر لاحقا، نوبات عصبية، ثقوب في طبلتي الأذن، أمراض روماتيزم، تورم، فقدان الذاكرة، السل ، السرطان الرئوي، القرحة وأمراض الجهاز الهضمي، التهابات الجهاز البولي، الديسك، الهلوسة، الربو وأمراض جهاز التنفس، الشلل النصفي، ارتجاجات في الدماغ، الأمراض الجلدية بمختلف أنواعها (جرب..) ، انتشار القمل الخ...
الا ان هناك ما هو اكثر من هذه القائمة ، ومن المؤكد ان عمليات الإفراج عن المعتقلين تعود في جانب منها إلى اعتقاد المحققين "الإسرائيليين " ان المعتقلين باتت حالتهم الصحية سيئة، ولا ضرورة لاستبقائهم في المعتقل ، باعتبار ان وفاتهم داخله يمكن ان تؤدي إلى حملات التضامن والإدانة "لإسرائيل" والميليشيات تقوم بها المنظمات والهيئات الحقوقية والصحية والإنسانية المحلية والعالمية.
وما يلي قائمة جزئية بالأمراض والتشوهات التي عانى منها الأسرى:
- الشيخ زيد حرب، الذي أطلق وهو مصاب بشلل نصفي نتيجة ضربه بالة حادة على رأسه.
- الشيخ محمد امين كوراني، الذي أصيبت رجله بالغر غرينا من جراء الالتهابات.
- سعيد حيدورة، الذي يعاني انهيارا عصبيا وأوجاعا في الظهر.
- نعمة بزي ، أمراض مفاصل وعظام.
- عفيف حمود، كسور في الأضلاع.
- سعيد الأخرس أمراض في القلب والمفاصل والجهازين السمعي والبصري.
- كميل ضاهر اهتراء في شبكية العين قد يؤدي إلى فقدانه البصر.
- محمود رمضان، يده مقطوعة وفقد إحدى عينيه.
- علي أيوب، فقدان حاسة النظر واختفاء صوته.
- لافي رمضان، فقدان الذاكرة وارتخاء في الأعصاب.
- الفتاة كفاح عفيفي، أمراض جلدية.
- محمد جرادي، حالته الصحية متدهورة من جراء ثلاثة جروح في المعدة.
- علي حجازي ، بترت إحدى رجليه، ورجله الأخرى معرضة لمصير مماثل من جراء غياب المعالجة.
- سليم بزي ، فقد إحدى عينيه.
- نعمة بزي ، فقد إحدى عينيه، وهو لا يعرف النوم من جراء الانهيار العصبي.
- علي يحيى، فقد عينيه.
- رفيق دباجة، ديسك وهلوسة.
- سليمان رمضان، بترت إحدى رجليه في المعتقل.
- ناصر خرفان ، جريح.
- حسين هريش ، أعصاب.
- عبد خليفة، أصيبت إحدى رجليه بالتعفن من جراء سوء العلاج.
- عماد عواضة، فقد إحدى عينيه.
- عمر الاحمد، فقد إحدى عينيه.
- محمد جواد، فقد إحدى عينيه.
- بدر الدين النواس ، إسهال وربو.
- محمد ضناوي ، أوجاع ظهر ومفاصل.
- رياض كلاكش ، أمراض مفاصل.
- يوسف ترمس ، أوجاع ظهر ومفاصل.
في تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في 6 أيار / مايو 1992 ذكر ان المعتقلين في سجون الخيام يتعرضون لتعذيب وحشي بواسطة الأسلاك الكهربائية، بالإضافة إلى انهم محرومون من الاتصال بعائلاتهم واللجنة الدولية للصليب الأحمر. إلا ان الأهم في هذا التقرير هو انه أشار أول مرة إلى مشاركة "إسرائيليين" في تعذيب المعتقلين واستجوابهم. ومع ان التقرير ذكر ان المشاركة "الإسرائيلية" المباشرة في التعذيب والاستجواب حدثت سنة 1988 ، فقد قال: من الواضح انهم ("الإسرائيليين") لا يزالون يلعبون دور الإشراف داخل السجن. وعلى هذا الأساس فإننا نؤمن بان مسؤولية معاملة ومصير المعتقلين في الخيام تقع على عاتق "اسرائيل" وجيش لحد المتعامل معها . وفي الحد الأدنى، على "اسرائيل" العمل على وضع حد لكل أشكال التعذيب وسؤ المعاملة، والسماح من دون تأخير للعائلات والمنظمة الدولية للصليب الأحمر بزيارة المعتقل. وأضاف التقرير: وقد عبرت منظمة العفو الدولية مرارا، ومنذ سنة 1985، عن قلقها حيال أوضاع المعتقلين إلى كل من السلطات "الاسرائيلية" وجيش لبنان الجنوبي، وقد نفت "اسرائيل" بشكل دائم مسئوليتها عن المعتقلين برغم الدليل على مشاركة مسؤولين "إسرائيليين" في المعتقل، ورغم حقيقة ان "اسرائيل" هي في موقف القادر على إطلاق سراح المعتقلين. كما انه لا يزال على "اسرائيل" ان توضح وضع معتقلين آخرين ، معظمهم لبنانيون من جنوب لبنان، محتجزون في "اسرائيل" من دون كلمة أو محاكمة. وبعضهم في مراكز اعتقال مغلقة، وختم التقرير بالقول ان لجنة العفو الدولية أثارت قضية هؤلاء في وقت سابق.
وفي الرد "الإسرائيلي" على التقرير الذي نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، نفت "اسرائيل" وجود ضباط "إسرائيليين" في منشات الخيام، التي يديرها ويسيطر عليها جيش لبنان الجنوبي، المسؤول عن كل ما يجري.. وقد شجعت "اسرائيل" بعلاقاتها الطيبة مع هذه الميليشيا على توفير ظروف إنسانية للمعتقلين، ، لكن "اسرائيل" لا تستطيع ان تملي على هذه الميليشيات تصرفاتها. وأضاف الرد "الإسرائيلي"، الذي صدر يوم نشر التقرير، ان معلوماتنا تقول ان المعتقلين متورطون في أعمال عنف وإرهاب.
لكن النفي "الإسرائيلي" لمسؤولية "اسرائيل" عن معتقل الخيام لم يقنع الهيئات الدولية. وأصدرت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تقريرا في 13 آذار/مارس 1993 ، جاء فيه:
ان لجنة حقوق الإنسان، اذ يساورها بالغ القلق لممارسات قوات الاحتلال "الإسرائيلي" المستمرة في جنوب لبنان، والتي تشكل انتهاكا لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، ولا سيما للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فضلا عن انتهاكها الجسيم للأحكام ذات الصلة بالقانون الدولي كما وردت في اتفاقية جنيف الرابعة...
1- تدين الانتهاكات "الاسرائيلية" المستمرة لحقوق الإنسان في جنوب لبنان المتمثلة خصوصا في الاعتقال التعسفي للسكان المدنيين وتدمير مساكنهم ومصادرة ممتلكاتهم وطردهم من المنطقة المحتلة، وقصف القرى و والمناطق المدنية، وغير ذلك من الممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان.
2- تطلب إلى "اسرائيل" ان تضع على الفور حدا لهذه الممارسات وان تنفذ قراري مجلس الأمن (الإشارة إلى القرارين 425 و 509) اللذين يقضيان بانسحاب "اسرائيل" الفوري الكامل وغير المشروط من جميع الأراضي اللبنانية واحترام سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه.
3- تطلب إلى "اسرائيل" ان تضع حدا على الفور لسياسية الإبعاد القسري وان تنفذ قرار مجلس الأمن الرقم 779 المؤرخ في 18 كانون الأول / ديسمبر 1992.
4- تطلب أيضا إلى حكومة "اسرائيل"، وهي الدولة المحتلة للجنوب، ان تمتثل فورا لاتفاقات جنيف لسنة 1949 ، وخصوصا المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب.
5- وان تسهل المهمة الإنسانية للجنة الدولية للصليب الأحمر والهيئات الإنسانية الأخرى في هذه المنطقة ، خصوصا ان تسمح لهذه الهيئات بزيارة معتقلي الخيام ومرجعيون ، والتحقق من أوضاع المعتقلين فيهما.
وقبل ذلك ، كانت منظمة العفو الدولية أصدرت تقريرين، أولهما في 7 شباط/فبراير 1993، والآخر يشكل الفترة الواقعة بين كانون الثاني/يناير وكانون الأول / ديسمبر من سنة 1992 ، بشأن معتقل الخيام. يقول التقرير الأول:
تعتقد منظمة العفو الدولية انه ليس بإمكان "اسرائيل" ان تتنصل من مسؤولية المعاملة السيئة للمعتقلين في الخيام، وانه على "اسرائيل" ان توضح الوضع القانوني لهم، واذا كان توقيفهم مرتبطا بالإفراج عن العسكريين الأربعة المفقودين من الجيش "الإسرائيلي" فهم ليسوا معتقلين بل رهائن، وعلى "اسرائيل" ان تفرج عنهم فورا ومن دون أي شروط.. وكانت المنظمة الدولية ترد بذلك على ما أورده منسق الأنشطة "الاسرائيلية" في جنوب لبنان اوري لوبراني، وما سبق وأورده وزير الدفاع "الإسرائيلي" يتسحاق رابين، عندما ربط بين مصير المعتقلين اللبنانيين في الخيام وسجون "اسرائيل" وبين مصير الجنود "الإسرائيليين" ، علما بان رابين ربط بقاء المعتقل أو المعتقلين بما هو أوسع من ذلك عندما قال ان الإفراج الكامل عن السجناء اللبنانيين مرتبط بالهدوء في جنوب لبنان. والمقصود بذلك بالتأكيد أعمال المقاومة. اما التقرير الآخر، وهو بعنوان "اسرائيل" / جنوب لبنان: المعتقلون في الخيام، التعذيب والمعاملة السيئة، فقد طالب بإطلاق المعتقلين، ووضع حد لسوء المعاملة والتعذيب، والسماح للمعتقلين بتلقي زيارات من ذويهم ومن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وإتاحة المجال للرعاية الطبية لهم.
--------------------------------------------------------------------------------