حفل العام 1999 بمحطات وشواهد بارزة على صعيد العمل الجهادي المقاوم، على المستويين الكمي والنوعي، وسجلت الأرقام نهضة لم يألفها لبنان على مدى سنوات الاحتلال على صعيد الفعل والنتائج، وشكلت المقاومة المحور الأساسي لكثير من الملفات العسكرية والسياسية محلياً وإقليمياً، ولأول مرة منذ نشوء الكيان الصهيوني يعترف قادة الاحتلال بهزيمتهم أمام مقاومة قاتلت نيابة عن كل العرب واستطاعت إجبار العدو على التفكير في أي وسيلة ممكنة للانسحاب والتخلص من "فييتنام الثانية" أو "مستنقع الموت" كما يسمّيه ضباط العدو وجنوده.
استراتيجية المجاهدين بدأت في العام 1999 بالتركيز على جملة من الأهداف أهمها:
• إلحاق خسائر كبيرة بصفوف العدو وعملائه.
• إسقاط أساليب العدو العسكرية والأمنية.
• تحقيق اختراقات نوعية في عمق وجود المحتل.
• التركيز على تفتيت الميليشيا اللحدية.
ورسمت المقاومة الإسلامية لتحقيق هذه الأهداف مجموعة من الخطط الميدانية، ودرست وسائل التكيف مع المتغيرات التي قد يقوم العدو باتباعها، والإجراءات التي يمكن أن يتخذها للحد من تصاعد العمليات ووقوع الخسائر البشرية والمادية في صفوفه، وسجل شريط الانتصارات التي حققها المجاهدون ملاحم بطولية رائعة، كان أبرزها:
مصرع قائد قوات الاحتلال في لبنان الجنرال إيرز غيرشتاين.
استهداف قائد وحدة الارتباط بيني غينتس.
اقتحام موقع سجد ثلاث مرات.
اقتحام موقع بيت ياحون وتدميره وغنم ملالة.
مهاجمة ثكنتي الريحان وجزين بشقيهما الصهيوني واللحدي.
المواجهات البطولية، ولا سيما في وادي السلوقي التي استبسل فيها ثلاثة مقاومين ضد قوات صهيونية قدر عديدها بخمسة وسبعين جندياً.
مواجهات بركة الجبور في البقاع الغربي.
مواجهات عقماتا وإسقاط مروحية من نوع كوبرا.
مواجهات مركبا، التي استطاع خلالها المجاهد هادي السيد حسن الانتصار على سلاح الجو وتضليله والوصول إلى الأراضي المحررة بعد معركة شارك فيها سلاح الدبابات والطيران الحربي والمروحي.
وعلى مستوى الميليشيا اللحدية، أرهق المجاهدون صفوف العملاء بضربات استهدفت رموزهم بشكل أساسي، وكان أبرزها:
استهداف العميل جوزف كرم في عمليات عدة انتهى على أثرها في حال غيبوبة في أحد مستشفيات فلسطين المحتلة.
قتل العميل منح توما الذي كان يتهيأ لخلافة العميل كرم في قيادة الفوج العشرين في ميليشيا العملاء.
قتل مسؤول معبر بيت ياحون العميل الأمني فوزي الصغير.
استهداف العميل أحمد شبلي صالح.
ونفذ المجاهدون عمليات أسر ناجحة لعدد من العملاء، من خلال عمليات أمنية ناجحة في المنطقة المحتلة طالت كلاً من: العميلين نجم الياس حبيب وبطرس جرجس وهبي في منطقة جزين، العميل أسد ترمس من داخل بلدة طلوسة المحتلة، والعميل محمد نمر بسام خلال عملية اقتحام موقع بيت ياحون، وقد استثمرت المقاومة الإسلامية هذا الإنجاز في إتمام عملية تبادل بين الأسيرين حبيب وترمس مع عدد من المعتقلين اللبنانيين في سجون الاحتلال في الخيام وفلسطين المحتلة.
وكالعادة كان لسلاح الكاتيوشا الأثر الفعال في ردع الاحتلال وثنيه عن مواصلة استهداف المدنيين، وكانت العمليات الأبرز في هذا المجال قصف المستوطنات رداً على الاجتياح الجوي الصهيوني للبنى التحتية والجسور ومحطات تحويل الكهرباء في حزيران، فضلاً عن الثأر لاستشهاد المدنيين الذين قضوا في بلدات كفرتبنيت ومجدل سلم وعربصاليم وغيرها.
وكما كانت بداية العام كانت نهايته بعملية استشهادية بطولية نفذها الشهيد عمار حسين حمود في عمق المنطقة المحتلة، ووضع هذا الإنجاز حداً للكثير من الرهانات والمقولات التي كانت تتساءل عن مستقبل المقاومة في ظل استئناف عملية التسوية، واحتمال قيام إسرائيل بانسحاب، جزئي أو كلي، من جنوب لبنان والجولان المحتل، وأكدت أن خيار المقاومة سيظل خياراً وأسلوباً استراتيجياً ومركزياً، وعلى رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني المصطنع المسمى إسرائيل التي ستظل عدواً أبد الدهر، على حد ما جاء في كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في احتفال يوم القدس العالمي الذي أقيم في اليوم التالي على تنفيذ العملية.
الزخم المتصاعد للمقاومة الإسلامية والنتائج الباهرة التي حققتها كانت محاطة بالتفاف واحتضان رسمي وشعبي، وكان لمواقف الحكم الثابتة في رفض المساومة عليها الأثر الكبير في جعل المقاومة القضية المحورية التي انطلق لبنان من خلالها لرفض المناورات الإسرائيلية تحت ذريعة التسوية ومشاريع الانسحاب الملغومة.
ومن جهة ثانية، اشتعلت الحماسة في نفوس الشباب اللبناني المنضوي تحت لواء السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال، وسجل العام 1999 ازدياداً لافتاً في تنفيذ السرايا لعملياتها، وبلغ عددها 176 عملية، فضلاً عن ازدياد نسبة الشباب الذين قدموا طلبات انتساب لها، مما يعكس رسوخ قضية المقاومة وشموليتها لتصبح قضية الوطن والمصير.