عملية باب الهوا في مزارع شبعا: 16/11/2000
ردت المقاومة الإسلامية على الاعتداءات والخروقات الصهيونية المستمرة بحق لبنان، لا سيما عند الحدود واستمرار احتلال مزارع شبعا اللبنانية، واستهدفت بتاريخ 16/11/2000 قافلة عسكرية صهيونية في منطقة باب الهوا الواقعة بين مزرعتي الرمتا والسماقة، وأصيبت إصابة مباشرة، وأصدرت المقاومة الإسلامية بياناً عن العملية جاء فيه: "تأكيداً على قرار المقاومة الإسلامية في تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة واستمراراً في مواجهة العدو الذي يرتكب المجازر يومياً بحق أهلنا وشعبنا في فلسطين المحتلة والذي يستمر في اعتداءاته اليومية على لبنان وانتهاكاته المستمرة براً وبحراً وجواً، قامت مجموعة شهداء انتفاضة الأقصى في المقاومة الإسلامية في تمام الساعة 3.20 باستهداف قافلة صهيونية في منطقة مزارع شبعا وفجرت فيها عبوات ناسفة أدت إلى إصابتها إصابة مباشرة".
وعلم أن القافلة الإسرائيلية كانت متوجهة من محور وادي المغر باتجاه رويسة السماقة وأدى الانفجار إلى إصابة إحدى الآليات، وهي من نوع "كومنكار" في داخلها أربعة جنود، وإثر وصول قوة إسناد إسرائيلية من جهة السماقة فجّر المقاومون عبوة ناسفة ثانية على مسافة حوالي عشرين متراً من مكان العبوة الأولى، وسجل استنفار عام داخل قوات الاحتلال على طول حدود مزارع شبعا المحتلة مع المناطق المحررة في ظل إطلاق القنابل المضيئة فوق القطاع، واعترف ناطق باسم جيش الاحتلال في القدس المحتلة بالعملية زاعماً عدم وقوع إصابات، وفي وقت لاحق اعترف الناطق بإصابة جندي.
ونقلت صحيفة "السفير" اللبنانية معلومات تقاطعت مع معلومات لجنة المراقبين الدوليين بأن العملية أدت إلى قذف السيارة العسكرية الإسرائيلية إلى مسافة سبعة أمتار، وأصيب الجنود الأربعة بداخلها بجروح مختلفة وأخلتهم مروحية هبطت على مسافة 150 متراً من مكان العملية، وأشارت المعلومات أن نجاتهم من الموت تعود إلى كون الآلية التي كانوا يستقلونها مصفحة، وتبين أن العبوة تم تفجيرها عن بعد، وحرص المجاهدون على تصوير العملية وتمكنوا من العودة إلى المناطق المحررة بسهولة وسرعة والإفلات من نظام المراقبة الإلكتروني الصهيوني الحديث الذي يطوّق مزارع شبعا والمسارب المؤدية إليها فضلاً عن المراقبة الجوية التي تؤمنها طائرات الاستطلاع على مدار الساعة.
وتوجه إلى مكان العملية وفد عسكري صهيوني رفيع المستوى ضم رئيس هيئة الأركان شاؤول موفاز وقائد المنطقة الشمالية غابي أشكينازي، وعاين الوفد مكان انفجار العبوة وراقب من موقع تلة رمتا وعلى مدى نصف ساعة المنطقة المحررة المواجهة والطرق التي يمكن أن تكون مجموعة المقاومين سلكتها في تنفيذ العملية، كما التقى الوفد قيادة الاحتلال العاملة في مزارع شبعا وسمع شرحاً حول كيفية تنفيذ العملية، وشكلت القيادة الشمالية لجنة تحقيق برئاسة أشكينازي وضمت عدداً من كبار الضباط لدراسة التفاصيل الميدانية وأخذ العبر.
وعلقت صحيفة معاريف على العملية التي نفذتها المقاومة الإسلامية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة بتاريخ 15/11/2000 بالقول إن تقديرات قيادة المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال تحدثت عن أن العملية جرى التخطيط لها وتنفيذها على عجل، وقال ضابط كبير إنه من غير المستبعد أن تكون العملية قد أعدت لاختبار جاهزية القوات الإسرائيلية في مزارع شبعا "كتهيئة لعملية كبيرة يخطط لها حزب الله".
ونقلت الصحيفة عن تحقيقات عسكرية قولها إن الذين زرعوا العبوات "استغلوا رجال الأمم المتحدة لإيصال العبوة وتفجيرها"، وأشارت إلى أن رجال الأمم المتحدة كانوا قد أبلغوا قبل ساعات من ذلك نيتهم تفجير حقل ألغام يقع على مقربة من مكان الانفجار، وقدمت الأمم المتحدة بلاغاً دقيقاً بموعد ومكان الانفجار واستغل حزب الله هذه المعلومات لتفجير عبوته بدقة كبيرة، وقالت معاريف إن العملية أحدثت ارتباكاً في صفوف الجيش الإسرائيلي لأن ضباط القيادة الشمالية ظنوا أن الحديث يتعلق بإخلاء ألغام، وفقط بعد دقائق، وبعد بلاغ جنود الدورية بأن العبوة كانت تستهدفهم تم إرسال قوات إضافية لتمشيط المنطقة.
من جهتها خالفت صحيفة هآرتس ما روّجته المصادر العسكرية عن حجم العبوة وقالت إن العبوة التي انفجرت لم تكن صغيرة بل كانت شديدة الانفجار وهي من طراز يسميه الإسرائيليون "كيلع"، وهي سلاح قاتل يزرع على جانب الطريق ويتم تفجيره من مسافة مئة متر، وأشارت إلى أن هذا النوع من العبوات "كان السلاح الاستراتيجي الذي استخدمه حزب الله في العامين الأخيرين بعد أن حصن الجيش الإسرائيلي آلياته"، ونقلت الصحيفة عن ضابط صهيوني كبير قوله إن "الشهر الأخير يشير إلى أن حزب الله يحاول تعويدنا على روتين جديد يشبه روتين لبنان، محاولاً تنفيذ عملية كل بضعة أيام، خطف جنود، إطلاق قذائف هاون، محاولة تسلل والآن زرع عبوات، وهي تشكيلة العمليات التي نفذها الحزب في لبنان.. إن حقيقة الأمر أن حزب الله هو الذي يملي وتيرة الأحداث، وينتهج الأساليب نفسها التي انتهجها في لبنان ويشعر أن بوسعه فعل ذلك دون أن يتعرض لأذى، وهذا أمر خطير".
وخوفاً من استهداف المقاومة لمناطق الشمال الفلسطيني المحتل أقام جيش الاحتلال ما يشبه السياج الأمني حول مستوطنة المطلة عبر شق طرق دائرية تطوقها في حدودها الشمالية مع لبنان، واستحدث ثلاث طرق متوازية وخلف كل طريق اقيم ساتر من الأسلاك الشائكة فضلاً عن نظام إنارة وإنذار بمعدل مصباح ضخم كل عشرين متراً، وأقيمت على الطريق الخلفي للمستوطنة شبكة من أبراج المراقبة وعبر مسافة بلغ طولها حوالي 15 كيلومتراً ويفصل بين هذه الأبراج مسافة لا تتجاوز 50 متراً، كما ركزت في المرتفعات المشرفة على المستوطنة وعلى محيطها عدة كاميرات للمراقبة.
وفي ظل أي رد سياسي تصعيدي من قبل حكومة العدو تعقيباً على العملية كان اللافت قيام الإدارة الأميركية والأمم المتحدة بشن حملة تهويل واستنكار للعملية وإطلاق مواقف لافتة مما أثار استغراب الأوساط الرسمية والدبلوماسية حيث أصدر الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة رولف كنوتسن، بعد ساعات قليلة على حصول العملية، بياناً قال فيه إنه "قلق جداً إزاء الحادث الذي حصل في منطقة مزارع شبعا والذي يشكل خرقاً خطيراً لخط الانسحاب الذي حددته الأمم المتحدة، وكان الطرفان قد تعهدا باحترامه، وإن هذا النوع من خروقات السلام والأمن الدوليين في الجنوب اللبناني يشكل تهديداً بإشعال فتيل دوامة العنف مجدداً بكل مايترتب عليها من عواقب مؤلمة بالنسبة للسكان المدنيين الذين لا يزالون يسعون لإعادة بناء حياتهم بعد سنوات عديدة من الاحتلال، ولذا من الضروري أن تقوم السلطات اللبنانية المسؤولة باتخاذ خطوات فورية لضمان الاحترام الكامل لخط الانسحاب".
بدوره سارع السفير الأميركي في بيروت دايفيد ساترفيلد إلى زيارة رئيس الحكومة رفيق الحريري وأدلى بتصريح لم يخلُ من تهديدات مبطنة بالقول إن "التصعيد حاصل، ولا أخفي أننا قلقون جداً من احتمال التصعيد إذا استمرت الأعمال الاستفزازية، ونأمل أن يبذل كل الفرقاء أقصى درجات المسؤولية كي لا يحصل ذلك، ولبنان وغيره سيدفع الثمن الذي يجب ألا يدفعه لأنه ليس ضرورياً، ولأنه يلحق الضرر فقط بجهود الحكومة اللبنانية وجهود الذين يودون مساعدة الحكومة في جهودها"، وجدد ساترفيلد ربط الموقف بموضوع التنمية الداخلية وقال "إننا ملتزمون مثل الحكومة اللبنانية بتحسين حياة الشعب اللبناني، والسلام مطلوب، وهو هدف الحكومة وهدفنا أيضاً، وأي شيء يهدد بالتصعيد هو ضد هذه الأهداف". أما السفير الفرنسي في بيروت فيليب لوكورتييه فدعا لبنان إلى تحمّل مسؤولياته بشكل كامل، وقال "نحن مع وضع هادئ في الجنوب وعلى الجميع تجنب أي خروقات أو اعتداءات كالتي حصلت للأسف".
وفي المقابل رد مصدر لبناني رسمي رفيع على هذه المواقف بالقول إن موقف الممثل الدولي "يعبر على ما يبدو عن موقف الولايات المتحدة وليس الأمم المتحدة ويتضمن مغالطات كبيرة، لأن مزارع شبعا تقع ضمن منطقة خط الانسحاب الذي رسمته الأمم المتحدة، ثم إنها مناطق لبنانية محتلة، وقد سبق للبنان أن قال منذ ترسيم خط الانسحاب أنها مناطق تعود إليه، وسوف يعمل من أجل تحريرها"، ولفت المصدر إلى أنه سبق للبنان أن حذر الجميع من أن "السلام والاستقرار والأمن كلها عناصر لا تتحقق إلا بعد انسحاب "إسرائيل" الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، ولا يحق للممثل الشخصي للأمين العام التحدث عن السلام والأمن الدوليين إلا إذا كان المقصود تهديد لبنان من جديد، بمحاولة نقل هذا الملف إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرارات ضد لبنان، وأن لبنان يدرك هذه النقطة ولن يستدرج إلى مثل هذا النقاش أبداً"، وكشف المصدر أن الولايات المتحدة وفريق الأمم المتحدة يحاولان إثارة الذعر في لبنان لأجل تهديده وتغطية أي عدوان إسرائيلي عليه بحجة أن المقاومة تقوم بخرق الاتفاقات الدولية، فيما لا يلتفت هؤلاء إلى الخروقات المستمرة من جانب "إسرائيل" للسيادة اللبنانية.
وجاء رد حزب الله على لسان رئيس المجلس السياسي سماحة السيد ابراهيم أمين السيد فقال إن العملية هي "بداية لعمليات عسكرية سبقتها عمليات أمنية في مزارع شبعا المحتلة، ونحن ننفذ ما وعدنا به شعبنا وأمتنا بأننا سنكمل مسيرة المقاومة المسلحة في الأراضي اللبنانية المحتلة، وأعلن لبنان رسمياً وكذلك الرئيس السوري بشار الأسد أنها أراض لبنانية" ووصف السيد بيان كنوتسن أنه "اعتداء على السيادة والكيان اللبنانيين وعلى حقنا في تحرير أرضنا من المحتل الصهيوني".