هنا سمير القنطار ومعي كلّ الأسرى
غسان سعود
جريدة الاخبار اللبنانية - 17/7/2008
كانوا رؤساءً ووزراءً ونواباً ومسؤولين كثراً قبالة منصة "أولى بشائر النصر" ينتظرون وصول سمير القنطار. معظمهم لا يعرف عنه شيئاً شخصياً (عدا طائفته ومنطقته وبعض تفاصيل "عملية جمال عبد الناصر")، ولم يسبق له أن سمع صوته، أو رآه بغير تلك الصورة التي يبدو فيها منهكاً.
من هنا، ملأ هؤلاء ساعات انتظارهم الطويلة بمحاولة رسم صورة جديدة للأسير الخارج من ثلاثين عاماً من السجن والعزل والتعذيب، مستعينين بصوت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الملعب يعلو مؤكداً أن "سمير وكل الإخوة يستحقون التضحية".
هكذا تغيب الشمس، والناس المؤمنون أكثر من أي يوم مضى بأن "إنجاز الله على أيدينا ولو جاء الكون كله..."، مشغولون ببطلهم الجديد. لا يكترثون للوقت، ولا يلحّون كعادتهم في السؤال عمّا إذا كان "السيّد" سيطلّ شخصيّاً عليهم. وسرعان ما تقتحم أوراق صغيرة مخيّلتهم بنقلها مرّة مقتطفات من حديث لسمير عن عذابات أسره يروي فيها عن "صلبه عارياً على الحائط (...)، وتقييده مكسوّ الرأس بكيس من قماش أسود تنبعث منه رائحة نتنة (...)"، ومرّة بعضاً من رسالته الشهيرة إلى النائب وليد جنبلاط التي يختمها بالتأكيد أن "الجبل لن يكون إلا جبل المقاومة". ورغم رفع منشدي فرقة الولاية أصواتهم مرددين "راجع راجع يا قنطار... عبلادك لو مهما صار"، يقطع صوت الدخيل على شبكة اتصالات المقاومة اللاسلكيّة الأنفاس، قبل أن يتبيّن أن الدخيل على "الخاصّات" ما هو إلا سمير الذي يكسر القضبان المسرحيّة ليلاقي الناس المنتظرين، القافزين بحماسة، دون أيّة قيود بروتوكوليّة، ليحيّوا "البطل الذي أصاب في رهانه على المقاومة".
في الصورة، يتحرك سمير بخفّة رغم بدانته، يرفع بيد علَمَي لبنان وحزب الله، ويشدّ قبضة يده الأخرى رافعاً شارة النصر. يبدو أقلّ ارتباكاً من زملائه المحرَّرين، ينظر أبعد من الحضور الرسمي بكثير، لا يكترث للكاميرات، ويبقى هادئاً حتى يطل "السيّد" مهنئاً، فتتغير أوضاعه، ويبدو كمن يعيش لحظة حريته الأولى منذ ثلاثين عاماً. إذ يندفع صوب "الأمين العام"، يقبّل كتفه ثم خدّه فكتفه مرة أخرى، وبعد مرور "السيّد" عنه ليكمل ترحيبه بعودة الأسرى الآخرين، يضع يده في جيبه للحظات، ثم يسارع بالعودة إلى قربه، ليقبّله من جديد، يرتّب "فولار" حزب الله، يهتم هذه المرة بالصحافيين، يبتسم في صورته على يمين "السيّد"، صاحب الوعد "بأن يكون إنجاز الله على أيدينا، ويكون قريباً جداً جداً سمير وأصدقاؤه بيننا".
يغادر "الأمين العام"، فتزداد العيون تركيزاً على القنطار المحاط بصور مغنيّة، «قائد الانتصارين». يرد على التحيّات التي يلمحها، يرفع حمامة، يمسح عرقه، ويبدو كمن يرتّب أفكاره قبل كلمته المنتظرة. كلمة تفاجئ الناس. فسمير، خطيباً للمرة الأولى، يعيد فلسطين إلى التداول، يدوزن التحيّات سياسياً، يعد بانتصارات آتية، ويخطف بريق العيون المتوهّجة عشقاً لثوري جديد يستند إلى اعتقاله مرتين ليقول إنّه لم يعد إلى لبنان إلا ليعود إلى فلسطين.