الجنرالات يشككون بشهادة أولمرت: إذا خطط للحرب فلماذا لم يعدّ الجيش؟
حلمي موسى
جريدة السفير اللبنانية 10/03/2007
في الوقت الذي تبحث فيه الحكومة الإسرائيلية رسميا عن اسم لحرب لبنان الثانية، نشبت حرب إعلامية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت وجهات عسكرية رفيعة حول المسؤولية عن مجريات هذه الحرب.
فقد حمل عدد من كبار قادة الجيش الإسرائيلي على سعي أولمرت إلقاء مسؤولية الإخفاق في الحرب على الجيش الإسرائيلي، الذي عجز عن أداء المهمة ، مشيرين إلى أنه إذا كان أولمرت قد خطط للحرب فإنه لم يعدّ الجيش لهذه المهمة.
وكان كشف النقاب عن مضمون شهادة أولمرت أمام «لجنة فينوغراد» التي تحقق في إخفاقات حرب لبنان، والتي جاء فيها أن قرار الحرب لم يكن متسرعاً، وأنه اتخذ قبل أربعة شهور من حدوثه، قد أثار عاصفة في إسرائيل، خصوصاً بعدما أعلن أولمرت في شهادته أن تدارس توجيه الضربة للبنان بدأ في عهد رئيس الحكومة السابق أرييل شارون في تشرين الثاني من العام .2005
وفيما سارعت قوى المعارضة اليمينية إلى تصعيد انتقاداتها لأولمرت وحكومته معتبرة اعترافه هذا نوعا من التهرب من المسؤولية، لجأ الجيش إلى تسريب موقفه بالتشكيك في رواية رئيس الحكومة. وقالت مصادر رفيعة المستوى في الجيش لعدد من الصحف الإسرائيلية أن «الزعم بأن القرارات اتخذت مسبقا هو ببساطة أمر غير صحيح».
غير أن هناك بين الضباط الكبار من يؤكدون أن أولمرت صادق مسبقا للجيش على رد شديد في حال حدوث أي استفزاز من جانب حزب الله. وبحسب صحيفة «هآرتس» فإن هؤلاء الضباط يقولون إن المداولات المركزية في الشأن اللبناني جرت فعلا في آذار، عندما كان أولمرت لا يزال قائماً بأعمال رئيس الحكومة وكان شاؤول موفاز وزيرا للدفاع.
ونفت مصادر عسكرية لصحيفة «معاريف» رواية أولمرت أمام لجنة فينوغراد وقالت إن الادعاء بأنّ تقرير طبيعة الرد على حادث اختطاف اتخذ سلفا هو «ادعاء غير صحيح». وأشارت الصحيفة إلى أن الجهات العسكرية هذه عرضت أمام اللجنة محاضر وشهادات تبين أنه في يوم عملية الاختطاف كان هناك تردد كبير حول كيفية الرد.
لكن «معاريف» نفسها نشرت بإسهاب رواية أولمرت أمام لجنة فينوغراد والتي قال فيها إنه في عهد أرييل شارون، وتحديدا في تشرين الثاني ,2005 بعد عملية غجر، جرت مداولات تقرر فيها أن اختطاف حزب الله لجنود آخرين سيقود المنطقة إلى الحرب.
وبحسب شهادة أولمرت فإن شارون أمر الجيش في الحادي والعشرين من تشرين الثاني بإعداد «بنك أهداف» لمناطق مختلفة في الجنوب اللبناني. وأكد أولمرت أنه جراء موقف شارون تقرر سلفا أن الرد لا يشمل الدخول المكثف إلى لبنان، ولكنه يشمل ضربة نارية كبيرة، غارات جوية، ضغط دولي واستخدام روافع ضد الحكومة اللبنانية. وعرض أولمرت على اللجنة محاضر ووثائق تشهد أنه حذر مرارا من خطر الاختطاف في الشمال.
وقال أولمرت للجنة إنه بعد عملية اختطاف جلعاد شاليت على حدود قطاع غزة طلب من الجيش التدقيق في ما إذا كانت هناك أنفاق تحت السياج الأمني على الحدود مع لبنان تحسبا لعملية اختطاف هناك، لكنّ أحد قادة الجيش ذوي الصلة بالأمر قال إن «هذه الرواية غريبة جدا»، وأنه «إذا كان هناك قرار مسبق بكيفية الرد، فإنه لا علم للجيش بذلك».
وشددت دوائر الجيش الإسرائيلي على أن أولمرت عقد العديد من المداولات التي أثير فيها الموضوع اللبناني، لكن هذه المداولات لم تكن قصرا على هذا الموضوع. وقال مصدر عسكري «صحيح أن الجيش قال سلفا بوجوب الرد بشدة إن وقعت عملية اختطاف، ولكن فقط عندما وقع الاختطاف شرعوا في دراسة كيفية الرد. أما إذا كان أولمرت يعرف سلفا أنه سيهاجم لبنان بهذا الشكل، فلماذا لم يدرس هذا الأمر حتى عندما قصف حزب الله قاعدة سلاح الجو في جبل ميرون في 28 أيار؟».
وشددت المصادر العسكرية على أن مشاورات مقلصة جرت بين رئيس الأركان ووزير الدفاع بعد عملية الاختطاف، وأنّه بعد اجتماع هيئة الأركان عرض رئيس شعبة العمليات الجنرال غادي آيزنكوت عدة خيارات للرد بما في ذلك خطة «ماي ماروم» (مياه الأعالي) التي أشارت إلى إمكانية عملية برية واسعة في الجنوب اللبناني.
وقد أوصى الجيش بضرب البنى التحتية في لبنان بشدة، غير أن رئيس الطاقم السياسي ـ الأمني في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد عرض التمعن في خيار العملية البرية.
ويبدو أن رد الفعل السلبي على شهادة أولمرت لم يقتصر على المعارضة فقط حيث انتقدها نواب من حزب العمل أيضا. وقد حمل هؤلاء بشدة على زعم أولمرت بأن تعيين عمير بيرتس وزيرا للدفاع هو من مسؤولية حزب العمل بموجب الاتفاق الائتلافي. وقال وزراء من حزب العمل إن أولمرت هـو المسـؤول عن تعـيين بيرتس في هذا المنصب بسبب رفضه منح الحزب وزارة المالية.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن أحد وزراء حزب العمل قوله إنّه إذا كان أولمرت قال هذا الكلام فعلا في شهادته فإنه موقف خطير، لأنه كرئيس للحكومة مسؤول أولا وقبل كل شيء عن أمن الدولة وهو ملزم بتعيين وزير دفاع صاحب أهلية.
وقال الوزير إنه عندما يزعم أولمرت أنه استعد للحرب قبل شهور من نشوبها فإنه يناقض نفسه، لأنه إذا أخذ بالحسبان حربا كهذه، كان عليه أن يضع في المنصب وزير دفاع هو الأكثر خبرة وأهلية.
ومن المقرر أن ينشر التقرير المرحلي للجنة فينوغراد التي تحقق في إخفاقات إسرائيل في حرب لبنان الثانية يوم الثلاثاء الموافق 27 آذار الحالي على أن يصدر التقرير النهائي في نهاية تموز المقبل. وأشارت الأنباء الإسرائيلية إلى أن التقرير المرحلي لن يتضمن استنتاجات شخصية وسيركز على توصيف الوضع منذ الانسحاب الإسرائيلي في أيار 2000 وحتى يوم نشوب الحرب، بما في ذلك الصورة الاستخبارية والاستعدادات للحرب وأهدافها.
ويشير أغلب المعلقين الإسرائيليين إلى أن التقرير النهائي سوف يتضمن انتقادات حادة للقيادتين السياسية والعسكرية، فيما حمل العديد من أفراد العائلات التي ثكلت أبناءها في الحرب على اللجنة التي لن تشير في تقريها المرحلي إلى المسؤولين عن الإخفاق.
وبحسب ما أشيع في الصحف العبرية فإن اللجنة الحكومية للمراسم والرموز ستقرر الأسبوع المقبل بعد مرور ثمانية شهور على هذه الحرب الاسم الرسمي لها والذي لن يشمل على ما يبدو كلمة حرب. تجدر الإشارة إلى أن حرب لبنان الأولى لم تسمَّ رسميا في إسرائيل حربا بل «عملية سلامة الجليل»، وكذا الحال مع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والذي أسمته إسرائيل «عملية قادش».