وجهان لإسرائيل: الفساد والتقدم
توماس فريدمان / خدمة «نيويورك تايمز»
جريدة الشرق الاوسط - 1/3/2007
أجل، إنه لمن الصحيح أن صورة جديرة بألف كلمة، ولكن بعض الصور جديرة بقاموس بأسره. وقد شاهدت واحدة مؤخرا على موقع بي بي سي على الانترنت. وكان عنوان الخبر «وزير إسرائيلي في هفوة بصرية».
والى جانبها صورة تظهر وزير دفاع إسرائيل عمير بيريتس وهو يتفقد القوات في مرتفعات الجولان إلى جانب رئيس الأركان الجنرال غابي أشكينازي. وكلا الرجلين يحدقان بمسافة بعيدة عبر النواظير، ولكن بفارق واحد كبير: بيريتس كان يراقب المناورات عبر منظار كانت عدستاه ما تزالان مغلقتين بالغطاء.
وأشارت بي بي سي إلى أنه «وفقا للمصور كان بيريتس ينظر عبر المنظار المغلق ثلاث مرات ويهز رأسه موافقا، بينما كان الجنرال اشكينازي يفسر المشهد».
وتلك الصورة موحية ليس فقط لأن بيريتس، الزعيم النقابي السابق، قد انتقد مؤخرا بشدة لأنه لم يكن بمستوى منصبه كوزير دفاع. الأمر يعود أيضا إلى أن الكثير من الزعامات الإسرائيلية تبدو مؤخرا وقد أعمت بصرها بكل أنواع السلوك الجنائي والغريب.
وهنا كثيرا ما تساءلت: من أين ابدأ ؟ فمدير الشرطة في إسرائيل قدم استقالته مؤخرا بعد أن انتقدت لجنة تحقيق أفعاله في قضية عام 1999 فيما يخص عائلة إسرائيلية مجرمة. وجاءت استقالته في أعقاب مزاعم اغتصاب وجهت إلى الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف، وكذلك مزاعم فساد ضد رئيس الوزراء ايهود أولمرت، وايقاف مدير مكتبه عن العمل الذي تعتبر إقامته الجبرية جزءا من تحقيق موسع في هيئة الضرائب، التي استقال رئيسها مؤخرا أيضا وسط أجواء من الشكوك. ويجري استجواب وزير المالية بشأن عملية اختلاس في مؤسسة غير ربحية، وأدين وزير العدل السابق بسلوك غير لائق لتقبيله جندية بالإكراه. وهناك الكثير ولكن الحيز لا يسمح.
وإليكم الشيء الغريب حقا: اقتصاد إسرائيل، خصوصا في قطاع التكنولوجيا، لم يكن أبدا أفضل مما هو عليه الآن.
وقال سفير بلوكر من صحيفة «يديعوت أحرونوت»، وهو واحد من كبار كتاب الاقتصاد في إسرائيل، إن «الاقتصاد يزدهر، وقد بلغ نموه في الربع الأخير من عام 2006 ما يقرب من 8 في المائة. وتتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمعدل غير مسبوق بلغ 13.4 مليار دولار عام 2006. وبلغت صادرات قطاع التكنولوجيا المتطورة 18 مليار دولار، وسوق الأوراق المالية في أعلى مستوياتها. والعملة الإسرائيلية الشيكل أقوى من أي وقت مضى والتضخم غير موجود».
أسعار الفائدة اقل في الولايات المتحدة مقارنة ببريطانيا، كما ان العجز في الميزانية الاسرائيلية يقل عن 1 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، فضلا عن عدم وجود عجز في ميزان المدفوعات، الأمر الذي يعني أن إسرائيل حققت استقلالها الاقتصادي ولا تعتبر ضمن الدول المدينة.
«باختصار، لم يحدث أن كان الاقتصاد جيدا مثلما هو عليه الآن». قال لي يوسي فاردي، وهو واحد من مؤسسي قطاع التكنولوجيا المتقدمة، انه باع خلال الشهر الماضي أربعة أعمال تجارية مبتدئة كان من المستثمرين فيها اثنتان إلى كل من «سيسكو» و«مايكروسوفت» واثنتان الى شركتين إسرائيليتين. وقال فاردي أيضا انه استثمر خلال الشهور التسعة السابقة في تسع شركات جديدة ابتدأها شباب تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاما.
مما تقدم، هل يمكن القول إن إسرائيل ليست في حاجة إلى أي وزراء؟ في الإجابة الأمر ليس بهذه البساطة. عندما تكون الحكومة ضعيفة ليس من المرجح أن يكون هناك اتفاق سلام مع الفلسطينيين، إذ ليس هنالك زعيم يتمتع بالقوة التي تمكنه من دفع هذه المسألة ـ وهذه قنبلة موقوتة. يضاف إلى ذلك أن قطاع التكنولوجيا الحديثة لا توظف الكثير من العاملين، وإذا اعترضت عمل الحكومة عراقيل، فإن هذه قنبلة موقوتة أخرى.
قال بلوكر إن نصف السكان لا يتمتع بالطفرة، في إشارة إلى الإحصائيات التالية: معدل البطالة يبلغ 8.3 بالمائة. معدل الفقر في إسرائيل لا يزال الأعلى في الغرب إلى حد كبير، جرى تصنيف 24.4 بالمائة من جملة السكان و32.2 بالمائة من جملة الأطفال ضمن شريحة الفقراء، ويعيشون تحت خط الفقر. وترتفع معدلات فقر الأطفال وسط العرب واليهود المتدينين، إذ تصل النسبة إلى ما يزيد على 50 بالمائة. كما ان الدخل الحقيقي وسط أكثر قطاعات الإسرائيليين فقرا اقل مما كان عليه قبل ست سنوات.
في هذا السياق كتب بلوكر ايضا: «ثمة شعور متزايد بأن شيئا فاسدا للغاية في النظام السياسي الإسرائيلي، ذلك أن هذا النظام غير قادر على توفير سياسة اجتماعية مقبولة تقلل من الفقر وعدم المساواة والبطالة، حتى في الأوقات العادية». كما قال أيضا انه لم يحدث أن رأى في الشارع الإسرائيلي احتقارا تاما للحكومة من جانب الجميع، الأغنياء والفقراء على حد سواء، اليهود والعرب، اليمين واليسار والوسط المنهار. ويقول أيضا إن جوهر الوضع يتلخص في وجود اقتصاد جيد وحكومة سيئة، وعلى حد تعبيره: «هذا هو ربيع غضبنا. اعتذر للإسهاب، إلا أن الأمر مؤلم».