أكّد الخبير الاستراتيجي الصهيوني اللواء احتياط يتسحاق بريك أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي عاجز عن تحقيق نصر حقيقي في الحرب الدائرة في قطاع غزة، محذرًا من أن الدخول إلى رفح سيجعل الجيش في وضع أمني أصعب بعشرات المرات ممّا هو عليه الآن، لافتًا إلى أن اشتداد القتال مع حزب الله عند الجبهة الشمالية سيجبر الجيش على نقل قواته من القطاع إلى الحدود الشمالية، في وقت لا يملك فيه فائضًا من القوة البرية، فعندما يسيطر على قطاع سيضطر لخفض قواته في قطاع آخر.
وكتب يتسحاق بريك، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، يقول: "لا يمكن تحقيق النصر في الحروب عبر المعارك التكتيكية، ولا في العملية الخاطفة الاستثنائية التي جرى خلالها إنقاذ اثنين من المخطوفين من قلب رفح. ما من شك في أن جنودنا قاتلوا بشجاعة منقطعة النظير، وخاطروا بحياتهم، وأبدوا قدرات مهنية من الدرجة الأولى. لكن هذا غير كافٍ؛ فنحن بحاجة إلى سياسة استراتيجية بعيدة المدى، تأخذ بالحسبان المخاطر التي قد تترتب على دخول قواتنا إلى رفح، وبحسب هذه المخاطر، يُتخذ قرار بشأن ما الذي سنفعله وكيف؟.. إن الرغبة في تقويض حماس بأي ثمن ليست كافية".
وأضاف: "في ما يلي بضعة أسئلة، سأقوم من خلالها بعرض المخاطر التي يجب أن نأخذها بجدية، قبل الدخول إلى المخيمات في رفح:
1- هل تُعدّ محاولة نقل 1.4 مليون لاجئ إلى أماكن آمنة، مع الاستناد إلى حظر استخدام السلاح الناري بين هؤلاء اللاجئين، هي أمر واقعي؟ وما الذي سنفعله إذا قرر كثيرون منهم البقاء في أماكنهم؟ كيف سنقاتل حماس عندما ترتفع احتمالات التسبب بالأذى لكثيرين من الغزيين غير المتورطين بالحرب؟ الأمر الذي قد يثير حنق العالم ويؤدي إلى إيقافنا فورًا.
2- ماذا لو قرّر كثيرون الذهاب في اتجاهات أخرى غير تلك التي حددناها؟ نحن نتحدث عن 1.4 مليون نسمة، والتحكم في انتقالهم من مكان إلى آخر يمثل مشكلة كبيرة.
3- إذا حدثت فوضى، ستتسبب بأزمة إنسانية، و"إسرائيل" ستدفع ثمنًا باهظًا لقاء ذلك أيضًا، ويتمثل هذا الثمن بوقف الأعمال القتالية.
4- من منا يضمن أنّ الآلاف من مخربي حماس، والمنخرطين في صفوف الـ 1.4 مليون لاجئ، لن ينتقلوا من المنطقة الآمنة نحو الأنفاق عبر فوهات الأنفاق المنتشرة في كل مكان في قطاع غزة، وعندها سنراهم مجددًا في مدينة غزة وجباليا والشجاعية - كما يفعلون منذ اليوم)- وفي خان يونس أيضًا؟.
5- ألم يأخذ أصحاب القرار بالحسبان أن اشتداد القتال مع حزب الله في لبنان بسبب دخولنا إلى رفح، سيتطلّب نقل قواتنا من القطاع إلى الحدود الشمالية، وتخفيف وجودنا العسكري في غزة؟ لقد أدى سحب قواتنا من مدينة غزة إلى عودة حماس واللاجئين إلى المدينة؛ هذا سيحدث أيضًا في خان يونس والمخيمات الوسطى. وبسبب التخفيض الكبير لعديد قوات الذراع البرية الإسرائيلية، على مدار العشرين عامًا الماضية، في خمس فرق وفي قوات أُخرى، لا يملك الجيش الإسرائيلي فائضًا من القوة البرية، وعندما يسيطر على قطاع واحد، سيضطر إلى تخفيض قواته في قطاع آخر.
6- هل أخذوا بالحسبان إمكان أن يؤدي دخول الجيش الإسرائيلي إلى مخيمات رفح، خلال شهر رمضان، إلى إشعال منطقة الضفة الغربية؟ من أين سيجلبون قوات لحماية السكان اليهود هناك؟
7- السؤال الأهم هنا هو: كيف سيتصرف المصريون؟ إذ لا يوجد حتى هذه اللحظة أي اتفاق معهم بشأن سيطرة الجيش الإسرائيلي على محور فيلادلفيا وإغلاق الأنفاق المؤدية من سيناء إلى قطاع غزة. منذ أعوام عديدة، اُستخدمت هذه الأنفاق لتهريب المعدات العسكرية والذخائر والعبوات المتفجرة والصواريخ المضادة للدروع ووسائل إنتاج الصواريخ، وغيرها. المصريون غير مستعدين لسدّ الأنفاق من جهتهم، لأنهم يدّعون عدم وجودها. سيبدو الأمر كما لو أننا لم نحقق أي إنجاز في الحرب حتى الآن، لأن حماس ستنمو مجددًا في السنوات المقبلة، بواسطة الوسائل القتالية التي تمر عبر هذه الأنفاق تحت محور فيلادلفيا، وهي أنفاق متصلة بمئات الأنفاق من الكيلومترات الممتدة عبر قطاع غزة.
8- تهدد مصر بتعليق معاهدة "السلام" مع "إسرائيل" إذا ما بدأ الجيش الإسرائيلي بتحرّكه في أراضي رفح. وقد يؤدي القتال هناك إلى إغلاق طريق المساعدات الرئيسة إلى القطاع، وبالتالي وقوع أزمة إنسانية غير مسبوقة.
9- الإنجرار إلى أزمة في العلاقات مع مصر قد يؤدي إلى اضطرابات في جميع الدول العربية التي وقّعت معاهدات سلام، مثل الأردن والإمارات، وهكذا، ستنتهي حربنا بالخسائر من جميع الجهات.
10- نضيف إلى ما تقدم، وضعنا المزري في نظر العالم أجمع، وخصوصًا في دول أوروبا وأميركا: لقد دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إلى فرض حظر على شحنات الأسلحة الواصلة إلى "إسرائيل" بسبب العدد الهائل للضحايا المدنيين في معارك غزة. أمّا هولندا فقد توقفت عن إرسال قطع غيار لطائرات الـF35 بأمر صادر من محكمتها. وهناك كثير من شركات الطيران في العالم التي أوقفت رحلاتها إلى "إسرائيل"، والعالم بأسره يضيّق الخناق علينا حتى قبل دخولنا إلى مخيمات رفح. قد نتحول إلى دولة معزولة كما لو كانت مجذومة تحت الحجر الصحي، وسنفقد كثيرًا من إنجازاتنا التي من دونها، لن نتمكّن من تحقيق النمو مرة أُخرى.
حتى ولو دخلنا إلى رفح، لن ننجح في القضاء على حماس بشكل كامل، لكننا سنجد أنفسنا في وضع أمني صعب أكبر بعشرات المرات ممّا نحن فيه الآن قبل الدخول إلى رفح، وسنفقد مختطفينا إلى الأبد. إذا قرر المستويان السياسي والأمني الدخول للقتال هناك؛ فذلك قد يلحق ضررًا بالغًا بالمناعة السياسية والأمنية والقومية لـ"إسرائيل"، وفي علاقاتنا مع العالم كله. دولة "إسرائيل" ستتحول إلى كرة ثلج، ستتدهور نحو الهاوية في مجالات الاقتصاد والأمن والمجتمع والعلاقات الدولية. وبعد مدة لن يكون هناك عودة إلى الوراء".
ويخلص بريك إلى أن "الحل الذي يجب علينا الدفع في اتجاهه، يتمثل بالاتفاق على عودة المخطوفين؛ الأمر الذي سيتيح لنا الخروج بكرامة من الوضع الذي وضعنا أنفسنا فيه، وإعادة المخطوفين إلى منازلهم أحياء. لا ينبغي لنا السماح لحماس بالعودة إلى مراكمة قوتها من جديد، ولا بد من إنشاء إدارة مدنية دولية مترافقة مع قوات شرطة، لتحل محل حكومة حماس".
ويختم بريك محذرًا: "لو واصل المستويان السياسي والعسكري السير في مسارهما غير العقلاني، يجب عليهما، في غضون أشهر قليلة، أن يشرحا للشعب الإسرائيلي لماذا لم يتحقق الهدفان المعلنان للحرب: هزيمة حماس واستعادة المختطفين أحياء، بعد أن نكون قد دفعنا ثمنًا باهظًا يتمثل بمقتل مئات الجنود منذ اجتياح قطاع غزة؟".