يزعم "مركز أبحاث الأمن القومي" الصهيوني أن أغلبية كبيرة جدًا من "الجمهور الإسرائيلي" تؤيد الحرب على غزة، في أعقاب الصدمة الجماعية لعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي أدت إلى شعور بتهديد وجودي للصهاينة.
إذ يقول المركز، في تقرير له، إنه وبعد أربعة أسابيع على المناورة البرية في قطاع غزة، ما يزال تأييد الجمهور الإسرائيلي لهذه الحرب واسعًا، وكذلك تأييد وسائل الإعلام لها، يسأل: "إلى متى سيبقى هذا التأييد، بشكله الواسع الحالي، وما هي العوامل التي من شأنها أن تقوّض هذا التأييد؟".
ويشير إلى أن: "الحرب على غزة قد تمتد لوقت طويل، ربما لعدة أشهر، بقوة متفاوتة. وفي الواقع العسكري الديناميكي، قد تحدث أخطاء صعبة وصعود وهبوط في الإنجازات والأضرار. وهذا سيكون له تأثير على المزاج القومي الذي سيتأثر أيضًا بحجم الخسائر بين الجنود. وعمومًا، كلما تكون الإنجازات العسكرية الميدانية واضحة وملموسة وأكبر، قياسًا بالأهداف المعلنة للحرب، سيتم الحفاظ على تأييد الجمهور. وما قد يبدو أنه "جمود" متواصل، ترافقه خسائر كثيرة، من شأنه أن يمس بالتأييد الجماهيري".
ويؤكد "مركز أبحاث الأمن القومي" الصهيوني أن: "عدم حل قضية المختطفين والرهائن (الأسرى) بشكل كامل، يمكن أن يؤدي إلى تراجع مناعة المجتمع "الإسرائيلي" والتأييد للمجهود الحربي. كذلك؛ فإنّ إطالة مدة الحرب من شأنها أن تجعل السكان الذين أجلوا من غلاف غزة أن يفقدوا صبرهم وأن يعبّروا عن ضائقتهم وتوجيه اتهامات حول التخلّي عنهم وزعزعة المزاج القومي".
يضيف المركز أن: "تخوّف سكان المستوطنات في الشمال من العودة إلى بيوتهم، إلا في حال تغيير الواقع الأمني في جنوب لبنان، من شأنه أن يستوجب حربًا واسعة وربما شاملة مع حزب الله.. وحرب طويلة ومعقدة كهذه، خاصة إذا نشبت في موازاة الحرب في قطاع غزة، ستضع مصاعب كبيرة جدًا على داخل "إسرائيل"، لدرجة تقويض التأييد الجماهيري للمجهود الحربي، وأن تثير تدريجيًا تساؤلات حول استمرار الحرب وحتى معارضتها والبحث عن سبل للخروج من كلتا الجبهتين".
أما الوضع في الضفة الغربية، فيشير المركز إلى أنه "قد يتفجر، على خلفية الاحتكاك العنيف المتزايد بين اليهود من اليمين المتطرف وبين السكان الفلسطينيين".
إلى جانب ذلك، يلفت "مركز أبحاث الأمن القومي" الصهيوني إلى أن حربًا لمدة طويلة، خاصة في جبهتي غزة ولبنان، تكبد الاقتصاد "الإسرائيلي" خسائر، فتكاليف الحرب نفسها مرتفعة جدًا، ومئات آلاف المجندين والمواطنين الذين أجلوا لا يعملون، والعودة إلى الوضع الطبيعي في مؤسسات التعليم وأماكن العمل بطيئة وكذلك التأخير في الإمدادات في البلاد ومن خارجها، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى أوضاع صعبة على مستوى الدولة والعائلات. وقد يتم التعبير عن ذلك بتراجع التأييد للمجهود الحربي".
كما يحذّر المركز من أن "شعار "معا سننتصر"؛ قد يصبح أجوفًا أمام سيناريوهات يتعالى من خلالها، وبقوة أكبر، التنافر السياسي العميق في الجمهور "الإسرائيلي"، مثل الشرخ على خلفية خطة إضعاف القضاء. إذ تبرز حاليًا مؤشرات مقلقة حيال ذلك وتدل على الانقسام، فسياسة الهويات ما تزال نابضة تحت سطح الأرض. وكذلك أيضًا استمرار الهلع والحرج وانعدام اليقين والمصاعب اليومية والإحباط، بسبب عدم تحقيق إنجازات حقيقية سريعة، من شأنها أن تتراكم وتعمّق الشرخ في داخلنا، وهذا هو العدو الداخلي الكبير للتضامن الحاصل والمطلوب جدًا في أثناء الحرب".
ويزعم المركز أن: "إسرائيل" حتى الساعة تحظى بدعم كبير جدًا من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ومن الجمهور الأميركي ومن الجاليات اليهودية في أرجاء العالم. كل هذا، على الرغم من تصدعات الدعم من وسائل إعلام معادية ومعارضة شعبية ناشئة في ضوء الكارثة الإنسانية في القطاع. أيضًا في هذا الخصوص يجب أخذ بالحسبان تغيير نحو الأسوأ نتيجة ضغوط داخلية وطول أمد الحرب وأضرارها على الصعيد المدني. ويمكن الاعتقاد أن الضغط الخارجي على "إسرائيل" من أجل إبطاء الهجوم العسكري ولجمه قبل نشوء ضغط داخل لتنفيذ ذلك. وسيأتي على خلفية خلافات رأي عميقة حيال صورة الوضع التي يُتطلع إليها "بعد الحرب". تقويض الدعم الدولي، وخاصة الأميركي، من شأنه أن ينعكس سلبًا على الساحة الداخلية وزيادة الشكوك والتحفظات الداخلية بشأن استمرار المجهود الحربي في القطاع".
ويتابع أن العامل الزمني لا يعمل لصالح "إسرائيل" بالضرورة. وستضع حرب طويلة، وخاصة إذا اتسعت لجبهات أخرى، تحديًا كبيرًا أمام مناعة المجتمع "الإسرائيلي"، ومن شأنه أن يخلق "ساعة رملية" داخلية، ستؤدي إلى تقويض الدعم الحاصل والمس بالتضامن الجماهيري وبتأييد جهود الجيش "الإسرائيلي".
ويختم المركز منتقدًا أداء الحكومة الصهيونية وإخفاقاتها فيقول: "منذ نشوب الحرب، تعمل الحكومة مقابل التحديات المدنية الداخلية بمستوى جزئي وحسب، وهي مرتبكة بقدر كبير، وبشكل لا يتلاءم وتوقعات الجمهور. وحتى الآن، المجتمع المدني والمتطوعون والجمعيات قامت بملء الفجوات الأساسية بشكل ناجح. لكن هذا ليس كافيًا. وعلى صعيد استمرار الزخم المدني، هناك حاجة ملحة إلى عودة المؤسسة الحكومية والسياسية إلى رشدها. هذا شرط أول وضروري لإنشاء بنى تحتية جديدة ومختلفة للتعامل مع التحديات الداخلية الهائلة".