جملة من الخلاصات والاستنتاجات توصّل إليها التقدير الاستخباري الإسرائيلي لعام 2008 أهمها: تحسن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل هذا العام في موازاة تحسن القدرات العسكرية لأعدائها أيضاً؛ توقع مفاقمة تهديد صواريخ «القسام»، فيما أي هدنة يمكن أن تعقد مع «حماس» ستكون مجدية لها بشكل أساسي؛ تربص سوريا لـ«تصفية الحساب» مع إسرائيل من دون توقع مبادرتها لشن حرب؛ احتمال وصول إيران إلى القنبلة النووية في عام 2009، في ظل واقع أن «التقرير الأميركي يتركنا لوحدنا تقريباً في المعركة».
هذا، على الأقل، ما نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في سبقٍ انفردت به أمس، نقلاً عن مصادر أمنية ذات صلة بالتقدير الاستخباري القومي في إسرائيل. وبحسب مراسل الصحيفة للشؤون الأمنية، رون بن يشاي، فإن الإطلالة الأولية على التقدير، الذي سيعرضة قريباً رئيس شعبة الاستخبارات عاموس يادلين، على الحكومة، يمكن تلخيصها بـ«التشاؤم العميق إلى جانب التفاؤل الحذر».
وينقسم التقدير إلى محاور عديدة تتناول الساحات التي تُعد موضع قلق أو منشأ خطر بالنسبة إلى إسرائيل، وهي إيران ومشروعها النووي، والجبهة الشمالية، والساحة الفلسطينية والوضع المتفجر في غزة على وجه الخصوص.
قدرة الردع ازدادت ـ وكذلك الخطر
الخلاصة الرئيسية لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية متفائلة نسبياً: الوضع الاستراتيجي العام لإسرائيل تحسن في عام 2007. لكن في هذه المسألة أيضاً ثمة تحفظ استخباري يشير إلى أن القدرات العسكرية لأعداء إسرائيل تحسنت، وهي الآن تمثّل خطراً أكبر على الدولة العبرية مما كانت عليه بداية العام الماضي. بكلمات بسيطة: تهديد الصواريخ على الجبهة الداخلية الإسرائيلية تفاقم في هذه السنة، لكن تضاءل إمكان تحقق هذا الخطر المحتمل بحيث يتحول إلى هجوم شامل على إسرائيل في العامين المقبلين. والأسباب لذلك، بحسب تقدير «أمان»، تكمن في أن قدرة الردع الإسرائيلية ازدادت بشكل جوهري خلال السنة الماضية، وكذلك شهدت المنطقة تطورات تصب في مصلحة إسرائيل.
فمؤتمر أنابوليس، على سبيل المثال، حسّن المكانة الإقليمية للولايات المتحدة ولإسرائيل. ومع أن أجهزة الاستخبارات تعرب صراحة عن تشكيكها بقدرة هذه العملية على جلب التسوية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، لكن مجرد انعقاد المؤتمر يُظهر أن دول المنطقة مستعدة للتعاون مع واشنطن والقدس، في جهودهما الرامية إلى القضاء على خطر الإسلام المتطرف.
أما التطور الثاني الذي يصب في مصحلة إسرائيل، من وجهة نظر التقدير، فهو الوضع السياسي المتأزم في لبنان. فالأزمة الداخلية اللبنانية تشكل، وفقاً للقراءة الاستراتيجية الإسرائيلية، تطوراً إقليمياً إضافياً، يُشغل سوريا وحزب الله ويورطهما في الحلبة الدولية. لذلك، إن هذه الأزمة، بحسب التقدير، من بين العناصر التي «تُبعد خطر الحرب الشاملة في السنة المقبلة».
قنبلة نووية إيرانية في عام 2009
في المحور الإيراني، يأخذ التقدير منحىً تشاؤمياً؛ فالقنبلة التي فجرها تقرير الاستخبارات الأميركية في هذا الشأن ـ كما تقول محافل التقدير في إسرائيل ـ جعلت الوضع يزداد سوءاً. فهو أبعد إمكان قيام الأسرة الدولية بفرض عقوبات شديدة وناجعة على طهران، وكذا إمكان مهاجمة الولايات المتحدة للمنشآت النووية الإيرانية. وينقل بن يشاي عن محفل تقدير رفيع المستوى في إسرائيل قوله إن «من الواضح لنا الآن أنه لا أحد سيعمل لأجلنا»، ومغزى هذا الأمر هو أن إسرائيل ستضطر إلى الاعتماد فقط على قدراتها العسكرية، في حال نضوج المشروع النووي الإيراني.
وبحسب بن يشاي، إن التباين في الآراء بين أجهزة الاستخبارات الأميركية وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ينبع من مدارس مختلفة في تحليل المواد؛ فبالنسبة إلى الوقائع الاستخبارية نفسها، يتفق الطرفان على كل شيء تقريباً، لأن الطرفين يغذيان بعضهما بالمعلومات المتوافرة في حوزتهما. الفارق يكمن في التفسير: الاستخبارات الإسرائيلية لا يمكنها القول بشكل قاطع إن إيران استأنفت عملية تطوير السلاح، أي القنبلة، بعدما جمدت العملية في عام 2003. لكن محافل التقدير الإسرائيلية تقول إنه إذا كانت إيران قد استأنفت نهاية عام 2005 وبداية عام 2006 عملية تحويل اليورانيوم إلى غاز (من أجل التخصيب) واستأنفت أيضاً عملية التخصيب، فمن المعقول الافتراض أيضاً أنه استئنف تطوير السلاح.
ويضيف بن يشاي أن شعاع الضوء الوحيد الذي تبثه الاستخبارات الإسرائيلية في الموضوع، يتمثل في المعلومات التي تفيد بأن طهران واجهت حتى الآن صعوبات تقنية كثيرة في جهودها لتخصيب اليروانيوم إلى مواد مستنفدة، التي تتيح لها تركيب قنبلة نووية. ومع ذلك، يشير التقدير إلى أن ساعة القرارات الصعبة ستحين عندما تجتاز إيران «الحافة التكنولوجية» في تخصيب اليورانيوم، وهذه قد تحين في الوقت القريب. وتقول الاستخبارات الإسرائيلية إنه في عام 2009، يمكن أن يكون لدى إيران كمية كافية من المواد المستنفدة (5 كيلوغرام) لتركيب قنبلة نووية واحدة.
الجبهة الشمالية: تهديد كامن يلجمه ردع إسرائيل
يرى التقدير أن «الحلبة الشمالية»، التي تضم كلاً من سوريا ولبنان بمقاومته، تمثِّل الخطر الثاني من حيث الأهمية، ذلك أنها تحتضن التهديد الكامن الرئيس لاشتعال حرب شاملة على إسرائيل. وحول هذه الساحة، تشير «يديعوت» إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية تعرف بوضوح أن سوريا كدست عشرات آلاف الصواريخ، إضافة إلى صواريخ الكاتيوشا والصواريخ الثقيلة، وأنها وضعتها في أماكن يمكن منها ضرب كل منطقة في إسرائيل تقريباً وإلحاق الخراب بها، وصولاً حتى جنوب بئر السبع. كما أن حزب الله أعاد ملء ترسانته الصاروخية، حتى إنه زاد كمياتها ونوعيتها، مقارنة بما كان لديه قبل حرب تموز 2006. من هنا، زاد احتمال الخطر على إسرائيل من الشمال، ومن الشمال الشرقي، بصورة ملحوظة.
لكن «الأخبار الجيدة»، في مقابل هذه الصورة القاتمة، هي أن سوريا وحزب الله، بحسب تقدير «أمان»، لن يبادرا في السنة المقبلة إلى هجوم شامل على إسرائيل، ذلك لأن قدرة الردع الإسرائيلية تحسنت بصورة ملحوظة خلال السنة الماضية لسببين أساسيين: أولاً، الأحداث التي حصلت في المنطقة الشمالية لم تُظهر القدرات الاستخبارية والجوية البعيدة المدى لإسرائيل فحسب، بل أيضاً، وهذا الأهم، أظهرت التصميم على إحباط كل تهديد والقدرة على إدارة المخاطر واتخاذ قرارت صعبة في كل ما يتعلق بأمن إسرائيل.
أما السبب الثاني لتعزيز قدرة الردع الإسرائيلية فيكمن في حقيقة أن «إيران وسوريا وحزب الله، حللوا بعمق نتائج حرب لبنان ودروسها، وتوصلوا إلى خلاصة مفادها أنهم في ظل الظروف الحالية، إن أي هجوم صاروخي على العمق الإسرائيلي سيلحق الضرر بهم وسيمس بمصالحهم أكثر مما سيضر بإسرائيل». «فإيران على سبيل المثال، دهشت لقدرة إسرائيل على تدمير كل منظومة الصواريخ الثقيلة التابعة لحزب الله خلال أقل من ساعة وقبل أن يُطلق صاروخ زلزال واحد. كما أن سلاح الجو تمكن، بمساعدة القوات البرية، من تدمير كل منصات الصواريخ المتوسطة المدى لدى الحزب بعد أول أو ثاني عملية إطلاق منها».
الساحة الفسلطينية: مواجهة يومية لا أفق لحسم عسكري فيها
التهديد الثالث من حيث الأهمية هو «الكيان الحمساوي» في غزة. هذا التهديد، وفقاً لـ«أمان»، أقل خطورة من وجهة النظر الاستراتيجية، لأنه ليس وجودياً أو شبه وجودي. ومع ذلك، إن معالجة هذا التهديد هي الأكثر إلحاحاً، لأنه قيد التحقق يومياً، ولأنه يضع سكان النقب الغربي موضع الخطر الشديد، المؤكد والحقيقي. هذا التهديد يتوقع أن يتفاقم في السنة المقبلة، كما تجزم «أمان»، لأن «محافل الإرهاب» في غزة تحسِّن من قدرتها على تجميع عدد كبير من الصواريخ، وإطالة مداها. إضافة إلى ذلك، تعاظم «حماس» من قوتها العسكرية وتستعد لإلحاق خسائر فادحة في الجيش الإسرائيلي، في حال دخوله في معركة عسكرية واسعة بالقطاع.
وبحسب تقدير الاستخبارات، فإن مصر تفعل ما في وسعها وما يتعين عليها فعله من أجل وقف تهريب الوسائل القتالية وخبراء القتال والمعرفة العسكرية التكنولوجية إلى القطاع، وهي بذلك، أي مصر، تزيد من الخطر المحدق بإسرائيل من حماستان.
ومع ذلك، يشير تقدير الاستخبارات الإسرائيلية، إلى أن ثمة إشارات إلى تطورات إيجابية في القطاع أيضاً: الضغط العسكري الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي من الجو والبر، والمعلومات الاستخبارية التي تُجمع الحصار الاقتصادي الإسرائيلي والدولي، كل هذه الأمور بدأت تُعطي نتائج أولية.
وبحسب بن يشاي، يقدرون في «أمان» أن زيادة الضغط العسكري والاقتصادي بصورة جوهرية على القطاع من شأنها تعزيز هذا الاتجاه نحو كف «حماس» عن إطلاق الصواريخ والبحث عن مخارج. وربما دفع «حماس» إلى الإعلان من جانب واحد وقف النار، انطلاقاً من الافتراض أن إسرائيل ستتصرف بطريقة مشابهة. هذا التحول سيكون مفيداً وجيداً جداً لسكان مستوطنةسديروت والنقب الغربي. لكن من الواضح للاستخبارات أن وقف النار ـ من دون التوقف التام لعمليات التهريب عبر محور فيلادلفي ـ سيكون مجدياً على المدى البعيد بالنسبة إلى «حماس» كي تعاظم قوتها، أكثر مما سيكون مجدياً لإسرائيل ولمعسكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس.