جهاد حيدر
حقَّق معسكر اليمين الاسرائيلي من حلفاء رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، فوزاً متوقعاً في الانتخابات العامة لكنه مدوٍّ في تردداته وأبعاده الداخلية. أتى ذلك، في مواجهة ثلاثة رؤوساء أركان سابقين وعلى رأسهم بني غانتس، وثلاثة أحزاب تكتلت فيما بينها، بهدف اسقاطه، لكنهم فشلوا. وخلصت النتائج الى إعادة سيطرة اليمين الذي نال أغلبية 65 عضو كنيست. ويفترض خلال الايام المقبلة أن يبادر رئيس الدولة رؤوبين ريفلين، الى تكليف نتنياهو تشكيل الحكومة الجديدة بعد مشاورات يجريها مع الكتل النيابية.
حول هذا الحدث الداخلي الاسرائيلي، يمكن تسجيل العديد من الملاحظات:
للمرة الاولى في تاريخ "اسرائيل"، تجري انتخابات تتمحور حول شخص رئيس حكومة متهم بالرشى والخداع. مع الاشارة الى أن نتنياهو لجأ الى خيار الانتخابات المبكرة، بهدف الالتفاف على المسار القضائي عبر التحصن شعبياً وسياسيا في مواجهة الاجراءات القضائية المرتقبة. ويمكن القول إن نتنياهو نجح في تحويل الانتخابات الى استفتاء شعبي حول شخصه واستطاع أن ينتزع ثقة الجمهور الاسرائيلي ـ اليميني، بهدف مواجهة التحدي الذي ينتظره خلال الاشهر المقبلة لدى توجيه لائحة اتهام بحقه، ما قد يؤدي الى محاكمته ويمكن أن يقود الى سجنه لاحقاً.
مما يميز الانتخابات الاسرائيلية، أنها ليست فقط مجرد عمل تقني ينتخب من خلاله الجمهور الاسرائيلي ممثليه في الكنيست، بل هي ايضا ساحة ومناسبة تتظهَّر خلالها مفاعيل الديناميات الداخلية والتطورات الاقليمية والدولية، على الخطاب السياسي والانتخابي في الكيان الغاصب. وهو ما يتجلى بشكل صريح في مواقف وطروحات القوى والقيادات ازاء التحديات والطموحات الاسرائيلية، انطلاقا من رؤى وتقديرات للمرحلة التي يمر بها وبيئته الخارجية.
أثبتت الانتخابات، في ضوء النتائج التي أفرزتها لصالح معسكر اليمين ونيل الليكود 36 مقعداً، أن التنافس الانتخابي كان وما زال يجري في ظل هيمنة معسكر اليمين على الساحة الشعبية، وأنه يتحرك ضمن القواعد الاجتماعية نفسها. ويعود ذلك إلى التركيبة الديمغرافية التي يتشكل منها المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يعني أن هذا المشهد سيرافق "إسرائيل" لفترات طويلة. ومن أبرز الفئات الاجتماعية التي تصوّت تلقائياً لأحزاب اليمين العلماني والديني: المهاجرون الروس، والمتدينون القوميون، والحريديم، والمستوطنون، وجزء كبير من اليهود الشرقيين.
لوهلة، تؤشر النتائج النهائية ـ غير الرسمية حتى الان ـ كما لو أن الساحة السياسية الاسرائيلية عادت الى الثنائية التي وسمت الساحة الحزبية في كيان العدو، خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. تبلور هذا الانطباع بعدما نال الليكود 36 مقعدا، في مقابل أزرق ابيض، الذي نال 35 مقعداً. مع ذلك يمكن الاشارة الى ما يلي:
انها المرة الاولى منذ العام 1996، ينال فيها حزبان اسرائيليان ما يتجاوز الستين مقعداً، وهو ما يمكنهما من تشكيل الحكومة بدون تحالف مع أي من الاحزاب الاخرى، مع ذلك، فإن نتنياهو بعيد كلياً في المدى المنظور عن هذا الخيار، خاصة وأنه أعلن أنه سيشكل حكومة يمينية صرفة.
ينبغي الالتفات الى حقيقة أن ما يفترض أنه حزب منافس لليكود، "أزرق ابيض"، هو في الواقع تكتل بين ثلاثة أحزاب، تكتلت فيما بينها، (تكتل وليس اندماجا) بعدما خاضت مفاوضات طويلة. وتوجد بينها فروقات في أكثر من عنوان وقضية، لكن الذي جمعها هدف مشترك هو اسقاط نتنياهو. وهناك امكانية بأن تعود وتتفكك، أو على الاقل هناك أرضية لتفجير تناقضات داخلية في مواجهة محطات لاحقة.
في ضوء الظروف والسياقات الخاصة لدى الحزبين، ليس من الضروري أن تتكرر هذه الثنائية في أي انتخابات لاحقة، خاصة وأن التموضع الحزبي القائم بعيد كلياً عما كان سائداً بين حزب الليكود وحزب العمل، من اختلافات في الاقتصاد والسياسة.
تبقى ميزة هامة تتصل بالخطاب السياسي الذي عبَّر عنه نتنياهو، وهي أنه بات أقرب الى حقيقة فكره، عبر تقليص مساحة المناورة بينهما. وتجلى ذلك في كشفه عن نيته ضم مناطق "ج" في الضفة الغربية التي تحتوي كل المستوطنات، وأنه سيحول دون اقامة دولة فلسطينية. وبذلك، يكون قد نجح في نقل الليكود من يمين الوسط الى أقصى اليمين، بحسب تصنيفات الساحة الاسرائيلية. وهو ما أدى إلى اخراج حزب يميني متطرف، "اليمين الجديد"، برئاسة نفتالي بينت الذي كان يسبب له الكثير من الاحراج في الحكومة وأمام الرأي العام اليميني. وهكذا يكون نتنياهو قد سلب الأحزاب اليمينية المتطرفة إحدى أهم الأوراق التي كانت تنافسه بها.