جهاد حيدر
يتجاوز الاهتمام بالانتخابات الإسرائيلية، أي حدث انتخابي اقليمي آخر. وينبع هذا الاهتمام من كونه يندرج ضمن اطار "معرفة العدو" التي تستوجب متابعة كل ما له صلة بالتهديد الذي يشكله هذا العدو. وتشكل الانتخابات مناسبة لاستكشاف المؤشرات على توجهات هذا العدو وخياراته وأولوياته، ومتابعة كل ما له صلة ايضا، بالقيادة التي يفترض أن ينتخبها الجمهور الإسرائيلي لادارة الصراع وقيادة الكيان.
وما يُعزِّز من أولوية وخصوصية هذا الاهتمام أن هذا الكيان المعادي "إسرائيل" ليس طرفاً هامشياً في المعادلة الاقليمية، ولا طبيعة تهديده ومنسوبه من النوع الذي يمكن الغفلة عنه أو تأجيله. بل يشكل تهديداً على الوجود والامن والحاضر والمستقبل.
في السياق الإسرائيلي، تشكل الانتخابات محطة سياسية داخلية، تتظهَّر خلالها مفاعيل ديناميات داخلية ومسارات خارجية، اقليمية ودولية. ومناسبة تكشف فيها الاحزاب والقيادات عن أولوياتها وخياراتها ورؤيتها... وهو ما يوفر الارضية لفهم اضافي لواقع "إسرائيل" وآفاقه.
تعدد الخطاب الانتخابي في الكيان الإسرائيلي بتعدد الخلفيات والاولويات لكل حزب من الاحزاب الإسرائيلية. وكمثال على ذلك، هناك أحزاب دينية حريدية، "يهدوت هتوراة"، لا تهتم كلياً للخيارات السياسية والامنية، بل ما يهمها التزام الحكومة بما يسمى اتفاق الوضع الراهن الذي يراعي الاحكام الشرعية المتصلة بعدم تدنيس يوم السبت، اضافة إلى أمور أخرى... واحزاب قد تقدم برنامجا تركز فيه على الجانب الاقتصادي وهكذا... لكن السمة العامة عادة ما تتبلور في ضوء مواقف الكتل الكبرى التي تتنافس على منصب رئاسة الحكومة والحقائب الرئيسية مثل وزارة الامن والخارجية...
في هذا المجال، لوحظ أن نتنياهو عمد إلى تصعيد الخطاب السياسي في مواجهة الشعب الفلسطيني تحديداً. وأعلن عزمه ضم اجزاء من الضفة الغربية.. وهو ما شكل ارتقاءً في العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. ونجح بذلك في سلب هذه الورقة من اليمين المتطرف، وحشر الطرف المنافس "أزرق ابيض" برئاسة بني غانتس، الذي يطرح خيارات سياسية مختلفة.
مع ذلك، ينبغي التذكير بحقيقة أن الهدف الحقيقي لبنيامين نتنياهو من كل هذه الانتخابات في هذا التوقيت، يكمن في محاولة انتزاع شرعية شعبية وسياسية، لمواجهة المسار القضائي الذي ينتظره وقد يؤدي إلى السجن.
الرسالة التي تنطوي على هذا الخطاب الانتخابي، تشير إلى مستوى الارتياح الذي يشعر به قادة هذا الكيان، بما يدفعهم إلى تبني مثل هذا الخطاب العدواني تجاه الشعب الفلسطيني. والأبرز هو أن هذا الخطاب يعكس تصوراً إسرائيلياً بأن وجود الرئيس ترامب يشكل فرصة تاريخية لـ"إسرائيل" عليها استثمارها إلى أقصى الحدود.
ويؤكد الارتقاء الإسرائيلي في العدوان على وجود قناعة إسرائيلية راسخة، بأنها لن تواجه بأي رد فعل عربي يحول دون مواصلة خيار التطبيع الذي تنتهجه الانظمة الخليجية. بل إن أصل ارتقاء العدو يستند إلى فهم إسرائيلي بأن الاندفاعة الخليجية في التطبيع العلني، تعني أنهم لم يعودوا يربطون انفتاحهم على "إسرائيل"، والانتقال إلى العلنية في الاتصالات، بتقديم تنازلات مقابلة للشعب الفلسطيني.
في المقابل، يلاحظ غياب لبنان والجبهة الشمالية عن التجاذب في الانتخابات الإسرائيلية، أو على الاقل لا تحضر بالمنسوب الذي يتناسب مع حجم التهديد الذي تشكله. وحول ذلك يمكن تسجيل الملاحظات التالية التي تفسر هذه الظاهرة:
بداية، تجدر الاشارة إلى أن أي قضية يفترض أن يكون لها مفاعيل جوهرية في الانتخابات الإسرائيلية، ينبغي أن تحتل أولوية بنظر الرأي العام الإسرائيلي، وثانياً، ينبغي أن تكون موضع خلاف بين المتنافسين، إما لجهة توصيف طبيعة وحجم التهديد، أو حول تحديد موقعه في سلّم الأولويات، أو حول كيفية مواجهته.
فيما يتعلق بالجبهة الشمالية، لا يوجد خلاف بين الاحزاب المتنافسة حول توصيف حجم التهديد الذي تشكله. بل تُجمع كافة الاطراف على أن التهديد الاستراتيجي الاكبر على الجبهة الداخلية يتمثل بالقدرات العسكرية والصاروخية لحزب الله. وينسحب هذا الاجماع ايضا على المؤسسة العسكرية.
فيما يتعلق بالموقف، لا يوجد خلاف بين الاحزاب المتنافسة على ضرورة مواجهة هذا التهديد. ولا يوجد خلاف ايضا على ضرورة مواجهة التهديد الذي يمثله إعادة بناء ونهضة سوريا وتطوير قدراتها العسكرية، وما تسميه المؤسسة الإسرائيلية بالتمركز العسكري الايراني في سوريا.
ولا يوجد ايضا أي اختلاف جوهري في السياسة العملانية التي تنتهجها "إسرائيل" على الجبهة الشمالية، إدراكا منهم بأن الاثمان التي ستدفعها "إسرائيل" نتيجة أي مغامرة عسكرية، سيكون كبيراً.
على ذلك، هذا الاجماع في التوصيف والموقف، أخرج الجبهة الشمالية بشكل عام، وحزب الله بشكل خاص من مادة التجاذب. ولذلك انتقل التجاذب إلى عنوان آخر ذي صلة، حيث يتركز التنافس على من يقدم نفسه أنه الأقدر على مواجهة التهديدات التي تواجهها "إسرائيل". وفيما تستند لائحة "ازرق ابيض"، إلى وجود ثلاثة رؤساء اركان سابقين للتسويق لكفاءتهم على مواجهة التهديدات، يؤكد نتنياهو في المقابل أن المسألة لا ترتبط بالخبرة العسكرية، بل بالحزم السياسي، مشيرا إلى أنهم كانوا من المؤيدين للاتفاق النووي مع ايران. ويستند ايضا إلى التطور الذي بلغته "إسرائيل" في ظل ولاياته المتوالية على المستويين الاستراتيجي والاقتصادي.