جهاد حيدر
كما كان متوقعاً ـ من حيث المبدأ ـ لم تكمل حكومة العدو ولايتها القانونية حتى تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2019، وهو ما كان محور تقديرات المعلقين الإسرائيليين. ولم يكن مفاجئا أن تؤدي التجاذبات حول تجنيد "الحريديم" في الجيش إلى خلاف داخل الحكومة بما يهدد استمرارها.. مع ذلك، فإن العامل الاساسي الذي دفع نتنياهو إلى الانتخابات المبكرة كانت الملفات القضائية الموجهة ضده والقلق من موافقة المستشار القضائي للحكومة افيخاي مندلبليت، على تقديم لائحة اتهام بحقه من اجل محاكمته بتهم الرشوى والفساد.
قد يكون بنيامين نتنياهو استطاع أن يكرر مناوراته السياسية، لكن الملفت ايضا أنه سبق ذلك بأسابيع معدودة، مناورة أخرى حال خلالها دون سقوط بعد استقالة وزير الامن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، وتذرع في حينه بأن “إسرائيل” تمر في أكثر فترة أمنية حساسة وتخوض معركة ما زالت متواصلة. وفي فترة كهذه لا يسيروا إلى الانتخابات، هذا انعدام للمسؤولية وفي قلب المعركة لا يعلبون بالسياسات الداخلية.. والواقع أنه أراد أن لا تجري انتخابات مبكرة على خلفية الموقف من قطاع غزة، يكون فيها ليبرمان من فرضها ويأخذ فيها الجهة الأكثر تطرفاً... اضافة إلى خطته بأن تجري الانتخابات وفق التوقيت والعناوين التي يحددها هو.
وهكذا استطاع نتنياهو بعد أسابيع معدودة الانقلاب على منطقه نفسه، مبررا ذلك أن المبادرة إلى انتخابات مبكرة، نبعت من المسؤولية القومية!، وقبل نحو شهر كان منع اجراء انتخابات مبكرة بكل الوسائل، ايضا مسؤولية قومية! . لكن المعطى الفاصل بينهما كانت ما أطلق عليه العدو عملية "درع شمالي"، وهو ما تذرع به نتنياهو بالقول أن سبب منع اجراء انتخابات في حينه يعود إلى وجود خطة جاهزة من أجل كشف الانفاق على الحدود مع لبنان، وهذا ما حصل. أما الان وبعد استنفاذ هذا الشعار في الساحة الداخلية، بات بالامكان من منظور نتنياهو الانتقال إلى اجراء انتخابات مبكرة. رغم كل ما تقدم، لم يتمكن نتنياهو من اقناع أغلب المراقبين في الكيان الغاصب، بهذه التبريرات، الذين رأوا ان قرار الانتخابات اتخذ على وقع الاجراءات القضائية. والأمر الأكثر أهمية أنه خلال هذه الفترة ايضاً، تبلورت التوصيات حول ضرورة تقديم لائحة اتهام بحقه، على خلفية اتهامه بالرشوى والفساد، الامر الذي يعني أن المستشار القضائي سيوافق على ذلك ويشكل تهديدا لمستقبله السياسي والشخصي.
في كل الاحوال، تجري الانتخابات في ظل أكثر من سياق داخلي وخارجي اضافي. على المستوى الداخلي، أراد نتنياهو ايضا استباق منافسيه قبل تنظيم صفوفهم. وعلى المستوى الخارجي المتداخل مع الوضع الداخلي، هدف نتنياهو ايضا إلى ارباك الادارة الاميركية من أجل تأجيل نشر "صفقة القرن"، على خلفية أن طرحها خلال الاشهر الفاصلة عن الانتخابات سوف يحوِّلها إلى مادة انتخابية، الامر الذي قد يفرض على نتنياهو التطرف في الموقف منها، بهدف الالتفاف على منافسيه في معسكر اليمين. ويبدو أن ذلك يعود ذلك إلى خشيته من مضمونها الذي سيكون قريب إلى مواقف اليمين الإسرائيلي أكثر من أي خطة أميركية أخرى، كونها ستؤدي إلى إحداث شرخ بينه وبين شركائه من المستوطنين وحتى داخل الليكود. وفي ظل بيئة اقليمية مفتوحة على سيناريوهات ومسارات تنطوي على مخاطر استراتيجية كبرى بمعايير الامن القومي الإسرائيلي.
مع كل محطة انتخابية، تحضر فرضية أن تقدم "إسرائيل" على شن حروب على لبنان أو المنطقة، على خلفيات انتخابية.. ويستندون في ذلك إلى العديد من السوابق التي توحي بأن عمليات عسكرية تم شنها على هذه الخلفية لكونها تزامنت مع اجراء الانتخابات.
صحيح أن لرئيس الحكومة الإسرائيلية دوراً أساسياً في صناعة القرار السياسي الامني، لكنه يبقى ايضاً، في سياق مجموعة من العوامل والجهات التي تسهم جميعاً في بلورة اتخاذ هذا القرار. وعلى المستوى القانوني من يملك صلاحية اتخاذ مثل هذا القرار، هو المجلس الوزاري المصغر.
من جهة أخرى، فإن تأثير رئيس الوزراء في أي عملية حربية، قد يتسع ويضيق بحسب مجموعة من الظروف، المتصلة بشخصه وتاريخه وكاريزميته، وبحسب العديد من الظروف الموضوعية منها ما يتصل بساحة المواجهة وهوية وقدرات الطرف المقابل... وفي حالة لبنان يحضر بقوة موقف ودور المؤسسة العسكرية والاستخبارية... التي قد يكون لها الدور الأكثر تأثيراً.
وينبغي ايضا، أن تكون حسابات الربح والخسارة بما يخدمه في الانتخابات، بينما هي في حالة لبنان أبعد ما تكون عن ذلك.. بل قد يساهم تورطه وتحميله المسؤولية إلى الاضرار بفرصه في الفوز.
ما تقدم لا يعني أن الخلفيات الانتخابية لن تكون حاضرة في كل قرار وخيار ينتهجه نتنياهو وغيره من القيادات السياسية التي تتنافس فيما بينها. بل العكس هو الصحيح، ولكن السؤال إلى أي مدى يمكن له تطويع المؤسسات العسكرية والامنية في هذا الاتجاه. وفي كل الاحوال، فإن أي حدث أمني قد يستجد في أي ساحة من الساحات، سيسعى نتنياهو إلى توظيفه انتخابياً. والظرف المثالي بالنسبة لنتنياهو عندما تتلاقى توصيات المؤسسة العسكرية والاستخبارية مع مصالحه الانتخابية هنا يستطيع المناورة وتنفيذ خياراته بخلفيات انتخابية.