حوَّل كيان الاحتلال الغاصب إعلانه الرسمي عن استهداف ما قال إنه مفاعل نووي سوري في دير الزور عام 2007، إلى مهرجان احتفالي، وتحوَّلت معه مختلف وسائل الإعلام الإسرائيلية، إلى ساحات عرض أفلام سينمائية حول كيفية صدور القرار والتنفيذ والنتائج والسجالات والآراء. وواكبت وسائل إعلام العدو بتحليل ما انطوى عليه هذا العدوان من رسائل تتصل بـ"الأمن القومي الإسرائيلي"، ورسائل الكشف عنه في هذا التوقيت السياسي الاقليمي والدولي.
مع ذلك، ينبغي تسجيل العديد من الملاحظات المتصلة بالعملية ذاتها، وخلفياتها وتوقيت الكشف وعلاقته بالسياقات الاقليمية.
برز الجانب الاحتفالي لهذا الكشف الرسمي، في حجم التغطية الاعلامية التي بلغت مستويات قياسية. إذ أفردت صحيفة "يديعوت احرونوت" لوحدها نحو 14 تقريرا وتحليلا عن العملية في صفحتها الاولى. فيما نشر موقع "واللا" الإخباري، أكثر من 11 تحليلاً إخبارياً، وكانت حصة صحيفة "هآرتس" 10 تحليلات.. بالإضافة إلى البث المتواصل في كل قنوات التلفزة العبرية، شرحا وتحليلا... اضافة إلى عروض تحليلية لكبار المعلقين والخبراء.. ما يؤكد مرة أخرى على أنه في قضايا الامن القومي، الجميع يعزف على الوتر الذي تحدده الرقابة العسكرية، وأن الاعلاميين الإسرائيليين على الرغم من مساحة الحرية التي يتمتعون بها، إلا انهم يبقون صهاينة قبل أن يكونوا مهنيين.
ينبغي التأكيد على حقيقة أن "إسرائيل" لم تكشف سراً مجهولا، بل كشفت سرًّا يعرفه الصديق والعدو. من هنا، لم ينطوِ هذا الكشف على أي جديد استراتيجي يغير من الحسابات والتقديرات، ولم يقدم صورة كانت غائبة عن اذهان صناع القرار السياسي والامني في محور المقاومة. خاصة أن أحداً لم يكن يحتمل بأن من قام بهذا العدوان قبل 11 عاما، جهة اقليمية أو دولية غير العدو الإسرائيلي. ومع أن المؤسستين السياسية والامنية لم تعلنا رسمياً في حينه عن تبني هذه العملية، إلا أن ذلك تم مواربة عبر وسائل اعلام اجنبية، وتناقلته وسائل الاعلام الإسرائيلية.
ينبغي القول ايضا، أن "إسرائيل" لم تكشف عن قدرات كانت مجهولة، سواء على المستوى الاستخباراني أو العملاني، ولم تكشف عن جديد إزاء جديتها وتصميمها في مواجهة هذا النوع من التهديدات. وأرادت "إسرائيل" القول ايضا، أنها مستعدة للمغامرة، حتى لو كان هناك امكان للتدحرج نحو مواجهة واسعة.
في السياق نفسه، لم يكن هناك جديد ايضا، في الكشف عن أن الولايات المتحدة كانت على علم بتفاصيل هذه العملية العدوانية. بل ما جرى يؤكد مرة أخرى، أن "إسرائيل"لا تملك هامشاً واسعاً في الاعتداءات الاستراتيجية التي قد يترتب عليها انفجار واسع في المنطقة، إلا بموافقة واشنطن.
أياً كانت الجهة التي بدأت منها فكرة الكشف الرسمي عن العدوان، سواء كانت المؤسسة العسكرية أو السياسية، فإن الخطوة تخدم اعتبارات الطرفين. لكن استنادا إلى صحيفة هآرتس فإن المؤسسة العسكرية وليس المؤسسة السياسية، هي التي قررت رفع السرية والمنع عن هذه العملية، بعد قرار الاستخبارات العسكرية. ويضفي هذا المعطى مزيداً من الأبعاد حول علاقة هذا القرار بمتطلبات الامن القومي الإسرائيلي.
من هذه الزاوية يمكن الدخول إلى الأبعاد الاستراتيجية لهذا الكشف من حيث التوقيت وعلاقته بالسياق السياسي والتطورات التي تشهدها المنطقة. وفي هذا الاطار، يهدف الكيان الصهيوني إلى توجيه رسالة إلى الجمهورية الاسلامية في إيران، عشية قرار ترامب بالانسحاب من الاتفاق، على خلفية تقديرها بأن إيران سترد على قرار ترامب، باعادة التخصيب. وهو ما سيحرج الطرفين الاميركي والإسرائيلي. وتهدف "تل ابيب" من وراء ذلك إلى التلويح بالخيار العسكري. ومن هنا فإن قرار الكشف يندرج ضمن السياقات السياسية والاجواء التي تشهدها المنطقة.