الناصرة ـ “رأي اليوم” ـ من زهير أندراوس:
لا خلاف في أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حفر عميقًا في الوعي الإسرائيلي، لا لأنّه الشخص الذي يقف على رأس الجهة التي تمثل التهديد الاستراتيجيّ الأوّل لإسرائيل فحسب، بل أيضًا باعتباره رمزاً للمصداقية والمعرفة العميقة بمجتمعها وعسكرها وسياسييها، إلى درجة بات فيها اسمه في المفردات العبرية المتداولة لدى العامة والخاصة، دلالة على كل ما يهدد إسرائيل والإسرائيليين، جماعة وفرادى.
ما زال الأمين العام لحزب الله اللبناني، الشيخ حسن نصر الله، موضع بحث لدى كبار صنّاع القرار في الدولة العبرية، وفي مراكز الأبحاث الإسرائيليّة، التي تُحاول سبر أغوار هذه الظاهرة التي ما زالت تقض مضاجع الإسرائيليين، قيادةً وشعبا، فقد خاض الشيخ نصر الله نصف الحرب النفسية بالكلمات والعبارات التي حرص على انتقائها خلال إطلالاته الإعلامية.
وبلغ تفاعل جمهور المقاومة مع خطابه حدّاً صارت معه تعبيرات وجهه ونبرة صوته محلّ تحليل ومبعث طمأنينة أوْ قلق، تبعاً لحالته. وفي الجهة المقابلة، رصد الجمهور الإسرائيليّ خطابات نصر الله من باب الثقة في صراحته، مقارنةً مع التعمية الذي مارستها القيادة الإسرائيليّة إزاء مجريات الحرب العدوانيّة التي شنّها الاحتلال على لبنان في صيف العام 2006، مضافًا إلى ذلك، فإنّ أهمية وقع كلمات الشيخ نصر الله دفعت السلطات الإسرائيليّة ووسائل الإعلام الغربيّة إلى تخصيص مساحة لتحليل شخصية الأمين العام لحزب الله والرمزية التي أصبح يمثّلها في العالمين العربي والإسلامي، على حدٍ سواء.
هل أثّر المكوث الطويل تحت الأرض على مزاجه؟ هل يخشى على حياته أمْ أنّه يواصل الإيمان بالنصر؟ ماذا يخطّط لما بعد الحرب؟ أسئلة طرحتها صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبريّة من خلال تحقيق جاء تحت عنوان: الخبراء الذين يدخلون رأس نصر الله، كشفت فيه عن تشكيل سلطات دولة الاحتلال طاقمًا من 15 فردًا بين محلل استخبارات ومستشرق وعالم نفس لتحليل شخصية نصر الله، وإعداد بروفيل متجدد له، واستند فريق الخبراء هذا إلى جملة معطيات، من بينها لغة الجسد وحركة اليدين وتعابير الوجه.
وفي السياق عينه، نشرت صحيفة “معاريف” قبل سنوات، عن “سمكة نصر الله”، وهي سمكة بدأت تظهر في المياه الإقليمية لإسرائيل منذ عام 2007، ذات مظهر جميل، لكنها تحمل سمًا يصيب الإنسان بالشلل، وأحيانًا بالموت، من دون وجود أيّ ترياق فعّال لسمومها.
في حينه جرى تداول التقرير أوْ التغاضي عنه، ربطًا بموقف الوسيلة الإعلاميّة من حزب الله. لكن، في إسرائيل، كان اللافت أنّ مَنْ وُجهت إليه الأسئلة عن الظاهرة في حينه، ليس الصيادين ورواد الشواطئ، بل علماء وباحثين في الشأن الاجتماعيّ، وتركّز البحث على معنى التسمية ودلالاتها الاجتماعية، وليس على سموم السمكة وخطورتها.
تعود “سمكة نصر الله” هذه الأيام إلى التداول الإعلاميّ العبريّ، بعدما تحولت إلى تهديدٍ ماديٍّ وفعليٍّ، خارج مدلولاتها الاجتماعية المرتبطة بالتسمية، رغم أنّ إعادة إثارتها، تؤكّد في هذه المدلولات، ربط ما يتعلق بالخوف والقلق في وجدان الإسرائيليين، بالأمين العام لحزب الله.
وبحسب وسائل الإعلام العبرية، لم تعد هذه السمكة كما كانت عليه في السنوات الماضية، حالة منفردة، بل باتت تمثل خطورةً كبيرةً لتزايد أعدادها بعد أنْ غزت مياه المتوسط، قادمة من البحر الأحمر عبر قناة السويس، وهو ما دفع السلطات الإسرائيليّة إلى رفع صورة “سمكة نصر الله” مع تحذير خاص، على الشواطئ التي يرتادها العامّة وداخل نوادي الغوص، تحت عنوان: Wanted.
بالإضافة إلى ذلك، قبل فترة، كان لصحيفة “هآرتس″ مقال عن شخصية الأمين العام لحزب الله، حللت فيه توغل صورته في الوجدان الإسرائيليّ، حيث قالت إنّ ظاهرة نصر الله لم ترتبط بالوعي الجمعيّ للإسرائيليين نتيجة للحروب التي خاضها في مواجهات عدة، بل بالصورة التي راكمها عبر السنوات الماضية كشخصية ذات صدقية وحازمة ومتخصصة بالشأن الإسرائيلي.
وأضافت أنّ ظاهرة نصر الله لم تكن على ما هي عليه الآن، لو لم تكن مبنية على مدار سنوات طويلة في الإعلام الإسرائيلي، كشخص استطاع أنْ يكسب صورة الرجل الموثوق، وعن حق، أنّه اقتلع الجيش الإسرائيليّ من لبنان، وأوجد حالة ردع كبيرة جدًا في وجه إسرائيل، لا مثيل لها في أي دولة عربية محاذية لإسرائيل.
بكلمات أخرى، أضافت الصحيفة، استطاع نصر الله، للمرّة الأولى، كقائدٍ عربيٍّ، أنْ يكسر الصورة النمطية للقادة العرب، وأثبت أنّه لا يثرثر بلا طائل، ولا يكذب، ودقيق في كلامه وأهل للثقة. وكشفت الصحيفة الإسرائيليّة النقاب عن أنّه نتيجة لهذه الحقيقة، قررت سلطات البث الإعلاميّ في إسرائيل أنْ تتعامل مع خطابات نصر الله باعتبارها سلاحًا فعليًا وحقيقيًا ضدّ إسرائيل. وهذه الحقيقة غير الخافية على الأمين العام لحزب الله، هي التي دفعته إلى القول إنّ الإسرائيليين يصدقونه أكثر ممّا يصدقون قادتهم.
وشهادة إسرائيليّة أخرى أدلى بها الصحافي داني روبنشتاين، وهو مستشرق عمل سنوات طويلة في صحيفة “هآرتس″ العبريّة حيث قال إنّه قبل أسبوع من إعلان وقف إطلاق النار، إنّ حسن نصر الله هو شخصية عظيمة، تشخص لها أبصار الفلسطينيين والشارع العربي، بدرجة تفوق عبد الناصر في زمنه. عبد الناصر صمد في حرب حزيران ستة أيام، أمّا حسن نصر الله فقد حبس رُبع سكان "إسرائيل" في الملاجئ لمدّة أربعة أسابيع، على حد تعبيره.