لم تكن عملية إبعاد المقاومين الفلسطينيين من أرضهم إلى مرج الزهور في لبنان أول عملية إبعاد جماعي، بالامس كشفت صحيفة "هآرتس" تفاصيل وثيقة تم اعدادها من قبل ما سمي "وزارة الخارجية" في كيان العدو في 15 حزيران/ يونيو 1967، تفضح وبشكل سافر ان الاحتلال الصهيوني مارس سياسة "الإبعاد" كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة بعد ايام قليلة من انتهاء الحرب. وحسب الوثيقة فإن قراراً صدر عن ما كان يسمى الحكم العسكري في القطاع، بطرد 110 فلسطينيين الى سيناء المصرية، وهدم ثمانية منازل، كعقاب جماعي بإدعاء زرع لغم استهدف "قوات الامن الاسرائيلية". وتم توثيق الحادث في المذكرة التي وثقت للزيارة التي قام بها طاقم من وزارة الخارجية الى غزة، والتي كتبها موظف وزارة الخارجية ارنون ارازي، الذي شغل في وقت لاحق منصب القنصل الاسرائيلي في ميلانو واسطنبول.
ويكشف ارازي في الوثيقة عن الجولة التي جرت في غزة في 14 حزيران/ يونيو، بعد عدة أيام من انتهاء حرب الأيام الستة. ويصف اللقاء الذي عقد مع الحاكم العسكري لغزة، والذي تم خلاله اطلاع الوفد على الاحداث الأخيرة في غزة منذ احتلالها. حيث كتب: "في 12 او في 13 حزيران، انفجر لغم في منطقة غزة. وتبين من التحقيق انه تم زرع اللغم قبل فترة وجيزة من انفجاره. وقادت الآثار الى عدة بيوت في مخيم اللاجئين "الطرابشة" (؟) (هكذا ورد في الأصل). وطلب من سكان البيوت الاشارة الى الأشخاص الذين نفذوا العملية. وبعد فترة وصل 110 اشخاص وقالوا انهم جنود في جيش التحرير الفلسطيني، واعلنوا مسؤوليتهم عن العملية بشكل جماعي". وحسب الوثيقة فانهم "لم يستمعوا الى مناشدتهم بالإشارة الى الأشخاص الذين نفذوا العملية من بينهم. وتم منحهم ثلاث ساعات لكشف المنفذين والا سيتم معاقبتهم جميعا. وعندما لم يستجيبوا بعد انتهاء الانذار، تقرر نقلهم (إبعادهم) الى سيناء وتركهم هناك! وكما يبدو فقد تم تنفيذ العقاب. كما قام الجيش بتفجير ثمانية بيوت قادت اليها الآثار".
تسليم السلاح والمقاومين سراً
وتصف الوثيقة حوادث اخرى حاول خلالها جيش العدو الإيقاع بين الشعب والمقاومين وجنود الجيش المصري الذين قدموا لمساعدة الأشقاء في غزة عبر تسليمه اسلحة ومقاتلين وجنود بطريقة سرية بمشاركة "الاونروا" وهذه فضيحة لوحدها!!، وجاء في الوثيقة ان "الحكم العسكري توجه الى سكان مخيمات اللاجئين في القطاع وطلب منهم تسليم اسلحتهم. لكنه لم يتم الاستجابة للطلب، ولذلك توجه الجيش الى ممثل "الأونروا" في المكان وطلب منه الإعلان عن مخزن يمكن لحملة السلاح ايداعه فيه خلال الليل من دون ان يتم التحقيق معهم او كشف هوياتهم، على أمل ان تنجح هذه الطريقة". كما كتب في الوثيقة انه "من خلال الافتراض بأن جنود من الجيش المصري اختبأوا في البيوت وفي مخيمات اللاجئين، تم التوجه الى كل سكان المخيمات لتسليم هؤلاء الجنود، لكنه لم يتم التجاوب مع الطلب حتى الآن".
ويستدل من البحث التاريخي ان عملية "الإبعاد" (الطرد) لم تكن الوحيدة التي نفذه كيان العدو بحق المدنيين. ففي مقالة نشرها البروفيسور "دافيد كريتشمر" و"غرشوم غورنبرغ" في مجلة "القضاء والحكم" – مجلة القضاء التي تصدر عن جامعة حيفا، تمت الاشارة الى حادث رفح الذي طرد خلاله الاف البدو من منطقة شمال – شرق سيناء. وحسب المقالة، فقد تم في بداية 1972 "إبعاد" (طرد) تسع قبائل بدوية من مناطق واسعة مجاورة لقطاع غزة. ووصفت المقالة افادات حول معارضة كيبوتسات النقب للطرد. وقادت القضية في حينه الى ازمة سياسية بين "مباي" و"مبام" والى تشكيل لجنة تحقيق، لم تقد الى اعادة البدو لأراضيهم. وحسب اقوال خبراء، هناك ايضا، افادات حول طرد مواطنين من الضفة بعد حرب الأيام الستة.
وزعم د. غاي لارون، المحاضر في قسم العلاقات الدولية في الجامعة العبرية، والخبير في التحقيق في احداث حرب الايام الستة، انه لم يسمع عن طرد الـ110 فلسطينيين من غزة. ومع ذلك فقد اشار الى ان "اعمال الطرد والذبح في نهاية الحرب لا تشكل جزء من التاريخ الرسمي، لكنها وقعت". ويشير د. لارون، ايضا، الى الافادات حول "الإبعاد" الطرد الجماعي من الضفة الغربية فور انتهاء الحرب. وقال: "كانت هناك كما يبدو خطة منظمة، لم يتم كشف وثائق تتعلق بها. لكن هناك افادات عن جنود وصلوا مع شاحنات وشجعوا السكان على المغادرة ونقلوهم الى الجسور". وأضاف: "اوري افنيري، في مذكراته التي اصدرها مؤخرا، يدعي انه التقى بجنود قالوا له ان هذه هي مهمتهم – تنفيذ خطة منظمة هدفت الى طرد سكان الضفة الغربية".
وقد تم العثور على الوثيقة المتعلقة بالطرد "الإبعاد" في "أرشيف الدولة" من قبل رجال معهد الدراسات "عكبوت" المتماثل مع اليسار. وقال المدير العام للمعهد "ليؤور يفنيه" لصحيفة "هآرتس" ان "الأمر الفريد من نوعه في هذه القصة هو ان رجال وزارة الخارجية هم الذين كتبوا المذكرة. هذه لم تكن مهمتهم. لقد سافروا الى هناك للتوقيع على اتفاق مع "الأونروا". ويبدو انهم صدموا مما شاهدوه. الافادة التي تعرضها الوثيقة تبين بأن هدم البيوت شكل اداة للعقاب في الضفة منذ الايام الاولى للاحتلال. رجال القانون الذين يعملون في خدمة الدولة يدأبون عادة على انكار كون هدم البيوت جزء من العقاب، لكن افادة الرائد غؤون (الضابط الذي تحدث مع رجال وزارة الخارجية)، تثبت الطابع الحقيقي لعملية الهدم التي تمس دائما بالأبرياء".
بعد كل ما تقدم، ما زال هناك من يراهن على وهم "حل الدولتين"، و"منظمات المجتمع الدولي"، و"جمعيات حقوق الإنسان"، وفي كل يوم يثبت الدم الفلسطيني أنه هو الرد وأنه هو الذي سيستعيد فلسطين من البحر إلى النهر.