إنشغل الصهاينة بالتسريبات الاعلامية حول مضمون التقرير الذي أعده مراقب الدولة القاضي المتقاعد "يوسف شبيرا" وتناول فيه العدوان الصهيوني المسمى "الجرف الصامد" على قطاع غزة عام 2014، والتي أستمرت أكثر من 50 يوما.
من أهم ما خلص إليه التقرير من خلال الاستجوابات التي أجراها مع أعضاء المجلس الوزاري المصغر أن الكيان الصهيوني لم تستكمل جهوزيتها العسكرية لمواجهة الانفاق ومن دون تخطيط وقرار مسبقين.
وكشف التقرير ضعف القدرة العسكرية الصهيونية على حسم معركة الانفاق، مشيرا في نفس الوقت الى أن الحرب تدحرجت بين الجيش الاسرائيلي وحماس نحو مواجهة لم يكن يريدها أي من الطرفين، وأن الكيان وجيشه ذهبا الى الحرب وفق تقديرات تشير الى أن الطرف المقابل لم يكن يريد المعركة الواسعة والمتواصلة.
ووفق التقرير، فإن الثلاثي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الامن موشي يعلون ورئيس الاركان بيني غانتس كان لهم دور أساسي اتخاذ قرار الحرب داخل المجلس الوزاري المصغر ـ "الكابينت"، وأنهم أخفوا الكثير من المعلومات المهمة عن بقية الوزراء، وكانوا حريصين على تجنب المواجهة البرية ولم يلجؤا إليها إلا مرغمين.
وبحسب التقرير فإن مداولات المجلس الوزاري المصغر كشفت تباينات حادة حول كيفية التعامل مع الاخطار التي تشكله الانفاق. فمن جهة شدد رئيس البيت اليهودي نفتالي بينت، على ضرورة القيام بعملية برية، لتدمير الانفاق، فيما عارض بداية هذا الخيار وزير الامن موشي يعالون وقيادة الجيش.
ويبدو أن معارضة الجيش ووزير الامن للخيار العسكري تنطلق من الخوف من الغرق في غزة أو الخسائر البشرية التي قد يتكبدها الجيش. ويَظهر من خلال هذا التردد أن الجيش ومعه وزير الامن يهدفان بداية المعركة وقبلها الى المحافظة على الهدوء وتعزيز الردع من دون التورط في عملية برية، وهو ما عبر عنه يعالون بالدعوة الى استغلال الوساطة المصرية، للتوصل الى وقف إطلاق النار.
رغم ذلك فإنه من العوامل الاساسية التي ساهمت في تبني خيار الحرب هي التقديرات العسكرية والاستخباراتية الاسرائيلية بأن حماس لا تريد المواجهة العسكرية.
لم تقتصر هذه التقديرات على مرحلة ما قبل الحرب، بل حضرت بعد مضي 7 أيام على المعركة، وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" فقد أظهرت مداولات المجلس الوزاري المصغر بتاريخ 15-7-2014 أن الاستخبارات ما زالت متمسكة بتقديرها أن حماس تريد وقف المعركة، كما اعتبر رئيس الاركان بني غانتس أن الانجازات التي حققها الجيش ممتازة، وقال "يتعين علينا أن نقرر ما إذا كنا سنقبل بوقف إطلاق النار".
وفي السياق يجد نتنياهو نفسه في مأزق، فمن جهة لا يريد أن يظهر كمن يخفي معلومات قيّمة عن الجمهور، ومن جهة أخرى هناك ضغوط عليه بفعل موقف عائلات القتلى، إذ أن 55 عائلة من بين 68 عائلة تطالب بكشف تقرير المراقب، خاصة وأن المراقب لم يقتنع بكلام نتنياهو الذي حاول إقناع المراقب بأن العملية العسكرية شكلت علاجا جذريا لتهديد الانفاق.
يُستدل من التقرير أن جيش العدو خاض حرباً ضد قطاع غزة دون إعداد كامل لمعالجة تهديد الانفاق، ومن دون تقدير لردة فعل حركة حماس العسكرية.
على أي حال ليس معلوما ما إذا كان سيتم نشر التقرير بكامله أم نشر أجزاء منه، ربما سيتم نشر الجزء ذات الطابع السياسي ومنع نشر الجزء المتعلق بالشق العسكري بهدف منع تسريب أسرار عسكرية.
لكن السؤال، لماذا هذا التسريب في هذا التوقيت لما جرى تداوله داخل المجلس الوزاري المصغر، التي نشرتها يديعوت أحرنوت ولم يشكك أحد بصحتها. الظاهر من هذه التسريبات أنه الى جانب كونها سبقاً إعلامياً، هناك توظيف سياسي لها، خاصة وأن نتنياهو مُتهم بقضايا فساد، ويريد حرف الانظار عن هذه الاتهامات الموجهة إليه. لكن في المقابل ليس من مصلحته إستبدال الحديث عن الاتهامات بتقرير يضرب صورته كزعيم يعرف كيف يواجه التهديدات الامنية.