جهاد حيدر
مرة أخرى يكرر جيش العدو الاسرائيلي تقديراته باستبعاد نشوب حرب عام 2017، وفي الوقت نفسه يرى أن هناك إمكانية للتدحرج نحو مواجهة عسكرية، لا يريدها الطرفان. لكنه فسر كيفية حدوث هذا السيناريو عبر شرح ضابط رفيع المستوى، للموقع الاميركي الاخباري، "ديفنس نيوز"، بالقول أنه نتيجة "ديناميكية التصعيد يمكن أن تجد نفسك غارق في الحرب".
أتى شرح الضابط في سياق عرض الحالات التي يتم فيها خوض حرب، ورأى أنها لا تخرج عن إحدى حالات ثلاث: تارة يريدها الطرفان، وأخرى يريدها طرف ولا يريدها الطرف الاخر. موضحاً أن السيناريو المرجح هو امكانية نشوب مواجهة عسكرية لا يريدها أي من الطرفين.
الحديث عن سيناريو التدحرج نحو مواجهة لا يريدها الطرفان أمر صحيح، نظريا وحتى عملياً، من حيث المبدأ. وبحسب مواقف القادة الاسرائيليين فإن جيش العدو يعمل للمحافظة على مستوى من الجهوزية يسمح له بالانتقال الى مرحلة المواجهة الواسعة في فترة قصيرة. وبالتالي فإن مفهوم التدحرج نحو مواجهة واسعة، نتيجة حادث موضعي تكتيكي هي فرضية عمل يبني جيش العدو بناء عليها قدراته ويضع خططه العملانية.
مع ذلك، فإن ما قدَّمه الضابط الاسرائيلي حول امكانية أن تؤدي ديناميكية التصعيد الى التدحرج نحو حرب، لا يمكن القبول به بشكل مطلق.
في بعض الحالات يمكن لارادة الطرفين أن تساهم في كبح التدحرج نحو مواجهة واسعة وهذا ما حصل في أكثر من محطة احتكاك وتصادم ومواجهة، بين حزب الله وجيش العدو، على الساحتين السورية واللبنانية.
أما سيناريو التدحرج نحو مواجهة شاملة، فهو يمكن أن يحصل في حال حاول أحد الطرفين أن يفرض على الآخر سقفا محددا، سياسيا كان أو امنيا. وفي المقابل الطرف الآخر رفض الخضوع وحاول كسر المعادلة..
وعندما يتحدث الضابط عن أن ديناميكية التصعيد يمكن أن تؤدي الى الحرب، فهو يقصد بالتحديد امكانية ان تحاول اسرائيل فرض معادلة امنية ازاء لبنان، تقوم على محاولة توسيع سياسة الاستهداف التي تمارسها في سوريا باتجاه لبنان. وهو ما حاول تنفيذه في المرحلة السابقة لكن ردود حزب الله التي كانت أقرب الى الرسالة فهمت منها اسرائيل أن أي محاولة فعلية ستقابل بردود تناسبية فانكفأت في حينه.
ولكن يبدو أن الضابط ينطلق من فرضية أن تصر اسرائيل على محاولة فرض هذه المعادلة حتى لو رد حزب الله، ما سيؤدي، بحسب هذه النظرية، الى رد اسرائيلي مضاد وبالتالي التدحرج نحو مواجهة شاملة. ويستند هذا السيناريو الى تقدير مفاده أن حزب الله لن يقبل أو يسمح بفرض مثل هذه المعادلة، وهو لم يتكيف مع هذه المحاولة في المراحل السابقة فكيف الان وبات وضعه الاقليمي أفضل بالقياس الى ما سبق.
في ضوء "فذلكة" هذا السيناريو، يصبح الحديث عن أن أيًّا من الطرفين لا يريد الحرب، صحيح ابتداء وبشرط المحافظة على المعادلة التي يتكيف معها في هذه المرحلة.
على ما تقدم، وبعيدا عن استبعاد أو ترجيح أي من السيناريوهات، ينبغي التساؤل ما إذا كان كلام الضابط عن هذا السيناريو هو تعبير عن تقدير نظري تناول فيه مجمل السيناريوهات، من ضمنها سيناريو التدحرج..أم سيناريو يستند الى مؤشرات..أو أنها نتيجة معلومات حول دراسة مثل هذه الخيارات..
وبالتالي يبقى التساؤل معلقاً حول الرؤى والتقديرات التي قد يستند اليها العدو، وتؤدي الى أن يستدرج نفسه نحو سيناريو لا يريده ابتداء.
في كل الاحوال، الثابت حتى الآن أن العدو نجا من التورط في مواجهة واسعة يفترض أنه لا يريدها الان.. وبعبارة أدق لا يملك مقومات تحقيق النصر كما يطمح إليه ويأمله.
الى ذلك، عرض الضابط نفسه مجموعة من الرؤى يصح أن تكون أساسا – ولو نظريا - لأي خيار يتم دراسته من قبل صانع القرار في تل ابيب. موضحا أن استمرار تسلح حزب الله يرفع من امكانية نشوب الحرب ضد لبنان "هم لا يتوقفون ليوم واحد في بناء أنفسهم ضد اسرائيل، ونحن لا نريد أن ننتظر اليوم الاول من الحرب".
يكشف الضابط في هذا الكلام عن حجم فشل استراتيجية "المعركة بين الحروب" التي تنفذها اسرائيل في سوريا وتستهدف – كما يقول العدو – اسلحة نوعية كاسرة للتوازن في طريقها الى حزب الله. وإلا لو كانت هذه السياسة ناجحة لما احتاجت اسرائيل الى دراسة خيارات بديلة.
وتعكس هذه المقاربة أيضًا أن الاسرائيلي يجد نفسه أمام أزمة خيارات:
إما الالتزام بالمعادلة القائمة، والبقاء منكفئا ومردوعا. وهذا يعني أن حزب الله سيصبح أكثر قوة وردعا، سواء بسبب استمرار المسار التصاعدي لبناء قدراته، و/ أو الانتصارات التي حققها محور المقاومة في سوريا والتي أسقطت رهانات اسرائيلية على خيارات بديلة عبر الساحة السورية.
أو المبادرة الى مغامرة غير مضمونة العواقب، بل المرجح فيها أن اسرائيل ستدفع فيها أثمانًا مكلفة ولا أحد يضمن المدى الذي ستبلغه المواجهة.
وهو ما يفسر حالة الاضطراب والتردد والتهويل.. التي تسود تل أبيب.. ووجود مثل هذه التقديرات التي عبر عنها هذا الضابط.