يصر إعلام العدو على عدم الربط بين اغتيال القائد الطيار محمد الزواري وكيان الاحتلال، لكنه من جهة أخرى يقدم كل المعطيات التي تؤكد أنه وراء العملية، وهنا ما كتبه الخبير العسكري "ألكس فيشمان" والمعروف بقربه من استخبارات العدو العسكرية:
"على الرغم من رفض إسرائيل نفي أو تأكيد صلتها باغتيال مهندس الطيران التونسي، محمد الزواري، الذي قتل في تونس الخميس الماضي، فإن المراسلين العسكريين من ذوي المصادر العميقة في المؤسسات العسكرية في تل أبيب، تناولوا الموضوع من باب القناعة بأن عملية الاغتيال، تلائم أسلوب «الموساد» (جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية).
ونشروا عنه تفاصيل كثيرة، بينها أنه لم يكتف بصنع طائرة بلا طيار، بل كان، قبيل اغتياله، يصنع غواصة بلا غواص، وقاربا بلا ربان. وأشاروا إلى أن هذا التوجه يعد خطا أحمر؛ إذ يشوش على نشاط الجيش في قطاع غزة، ويؤدي إلى فك الحصار الإسرائيلي عنه.
وقال الخبير العسكري ألكس فيشمان، إن اعتبار كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس: «اغتيال الزواري مسا بالكتائب»، وقولها «إن دمه لن يذهب هدرا»، وأن «اليد الصهيونية الجبانة» اغتالته، في مدينة صفاقس في تونس، هو اعتراف بأن الرجل لم يكن مهندسا بريئا. وأضاف فيشمان: «لقد رغب مخططو الاغتيال، كما يبدو، بأن تكشف حماس نفسها عن نشاط الزواري خلال خدمته، واتهام الموساد باغتياله. إن نشر هذه التفاصيل، هو عنصر رادع في الحرب اليومية ضد الإرهاب، التي تدور ليس فقط على امتداد الحدود، وإنما أيضا على مسافة آلاف الكيلومترات من هنا. هناك عمليات اغتيال هادئة، أيضا.
ويكفي أن نذكر محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن، أو اغتيال محمود المبحوح في دبي، الذي كان من المفترض أن يموت (موتا طبيعيا) من دون أي علامات عنف.
لقد حظيت هذه الحالات بالنشر؛ لأن العمليات فشلت في الحفاظ على السرية.
لكن اغتيال الزواري، يذكرنا بشكل أكبر، بتصفية العلماء الإيرانيين الذين قتلوا بالرصاص على يد مسلحين في الشوارع. تلك العمليات أيضا، وصلت بسرعة كبيرة إلى العناوين، وفي حينه، أيضا، جرى توجيه أصابع الاتهام إلى الموساد».
وتابع فيشمان: «إذا كان صحيحا أن إسرائيل تقف وراء الاغتيال، يمكن التكهن بأن من صادق على العملية، أي القيادة السياسية الرفيعة، قدر بأن الاغتيال سيوقف تزود تنظيمات الإرهاب بقدرات تعتبرها إسرائيل بمثابة (خط أحمر)». وحسب منشورات أجنبية، تعمل إسرائيل في سوريا على تدمير شحنات الأسلحة المعدة لـ«حزب الله». وهكذا، حسب المنشورات نفسها، عملت إسرائيل في السودان من أجل وقف مسار تهريب السلاح إلى حماس. إذا كان الزواري فعلا هدفا لإسرائيل، يمكن الافتراض أن محفزات الضرر الكامن في العملية يبرر الخطر الكامن بالتورط في تونس. فالمهندس الموهوب عمل ليس فقط في مجال الطائرات غير المأهولة، وإنما، بدأ أيضا، بتطوير منظومة أسلحة روبوتات مائية. ويمكن لامتلاك حماس هذه القدرات، أن يكون خطرا على سفن سلاح البحرية وحقول الغاز؛ الأمر الذي يهدد إسرائيل بخطر كبير.
وقال مصدر في قيادة اللواء الجنوبي في الجيش الإسرائيلي، إن «عنصر الردع الإسرائيلي أمام حماس مقيد بالوقت. هناك سباق تسلح بين بناء العائق ضد الأنفاق، الذي تقيمه إسرائيل على امتداد حدود القطاع، وبين استعدادات حماس المكثفة للحرب. لقد استكملت حماس، حتى الآن، بناء نحو 100 كيلومتر من الأنفاق الدفاعية. وفي المقابل، سعت إلى إعادة بناء كل الأنفاق الهجومية الممتدة نحو الحدود الإسرائيلية، التي جرى تدميرها خلال عمليات الجرف الصامد. وحققت حماس بذلك نسبة متفاوتة من النجاح. كما قامت حماس بزيادة قوتها البحرية، وتحاول استعادة القدرات الصاروخية بأحجام ومسافات امتلكتها في السابق، وزاد من قوة وحدات الحركة الخاصة، النخبة، التي باتت تضم نحو 400 شخص. وفي المقابل، تستثمر الحركة الكثير من التفكير والوسائل في (السلاح المفاجئ)، الذي يمكن أن يقوض معنويات إسرائيل وإصرارها على الحرب. إحدى هذه المنظومات تدخل في مجال الروبوت في البحر والجو. اغتيال المهندس التونسي قد يشوش أو على الأقل يؤخر تزود حماس بهذا السلاح».
وقالت مصادر إسرائيلية، أمس، إن حماس تبحث طوال الوقت، عن طرق للتغلب على فجوة القدرات التي تصب في صالح الجيش الإسرائيلي، في المواجهات المستقبلية في القطاع. في هذا الإطار، تقوم بإعداد تشكيلة من الوسائل الهجومية، التي يفترض بها نقل جزء من القتال إلى الأراضي الإسرائيلية، أثناء نشاط الجيش في غزة. إلى جانب الأنفاق، هناك نية لاستخدام الغواصين من الكوماندوز البحري، كما فعلت حماس في شاطئ زيكيم في بداية الجرف الصامد، بواسطة طائرات غير مأهولة هجومية ومظليين استعانوا بطائرات شراعية.
وأكدت مصادر إسرائيلية بأن هناك خطرا في أن يجري الانتقام من إسرائيل بسبب هذه العملية، ولكنه خطر قليل نسبيا. وأضافت: «على الرغم من البيان الرسمي لحركة حماس، حول كون الزواري من رجالها، واشتباه التنظيم بوقوف إسرائيل وراء الاغتيال، لن يقود الحادث، بالضرورة، إلى مواجهة على الحدود بين إسرائيل والقطاع. حتى في حالات سابقة، كما في قضية مبحوح، امتنعت حماس عن الرد المباشر على الحدود. قرار العودة إلى مهاجمة الأراضي الإسرائيلية يرتبط بمعايير أوسع، كتعيين رئيس جديد للذراع
السياسية للحركة بدلا من خالد مشعل، الذي أعلن استقالته، التوتر بين الذراعين السياسية والعسكرية في حماس، وظروف الحياة الصعبة في القطاع.
حاليا، يبدو أن المعيار الأساسي الكابح لنشاط حماس يتعلق بالثمن البالغ الذي دفعه القطاع خلال المواجهة الأخيرة في صيف 2014. وإلى جانبه الشعور بأن مصر، التي وثقت التنسيق الأمني مع إسرائيل، ليست معنية بمنح التنظيم أي دعم. في هذه الظروف، يجب على إسرائيل، طبعا، الاستعداد لإمكانية التعرض لعمل انتقامي مفاجئ، لكنه من المشكوك فيه بأن الحركة ستقرر فتح معركة جديدة، فقط بسبب موت مواطن تونسي بعيدا عن القطاع، مهما كانت أهميته بالنسبة لمشروع الطائرات غير المأهولة في حماس».