بخطوات مسرعة، وبلهفة من الاشتياق يندفع الحاج السبعيني محمد سعيد دراغمة نحو أرضه التي تركها قسراً في قرية "عين الساكوت" عقب احتلالها عام 1969 ، حيث عمد الجيش الصهيوني إلى زراعة القرية الواقعة على الحدود الأردنية ـ الفلسطينية بالألغام ، وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة.
وبعد معركة طويلة في المحاكم "الإسرائيلية" ؛ نجح الأهالي في استرداد جزء من أرضهم ، وإعادة زراعتها، على أمل استعادتها كاملة من خلال تكثيف تواجدهم فيها ، وعبر الاحتفاظ بالأوراق التي تثبت ملكيتهم لها منذ عقود.
ومن على قمة جبل مرتفع يقف الحاج دراغمة شامخاً يروي تفاصيل حياته التي قضاها في منزله ـ وهو يزرع ويكد ـ ؛ قبل أن يُبعده الاحتلال عن أرضه التي أصبحت اليوم صحراء قاحلة ، مجردة من جمالها الخلاب الذي كان يميزها.
ويضيف دراغمة: "واجهنا الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول إخراجنا من القرية منذ عام 67, وصمدنا أمام جميع محاولاته وسياساته التعسفية حتى العام 69 حيث خرجنا بقلوبنا الحزينة تاركين خلفنا ذكرياتنا بعد أن وضع العدو البوابات حول أرضنا ، وحدد ساعة الدخول إليها والخروج منها ، قبل أن يمنعنا نهائياً من الوصول إليها".
ويسكن المُسن في منطقة تدعى "عين البيضاء" ، وهي لا تبعد سوى قرابة 4 كم عن أرضه , قائلاً :" كُنت في صباح كل يوم جديد أبدأ بزراعة الأرض من الحمضيات وخيراتها ؛ لكن إجراءات الاحتلال ، وتحويل القرية إلى منطقة عسكرية عرّقل حركتنا وأبعدنا عنها".
وتابع الحاج القول، :" نحن أصحاب القرية الأصليين ، ولدينا مستندات وأوراق تثبت ملكيتنا لها ، وتفند مزاعم الاحتلال وسوائب المستوطنين الذين استولوا على أرضنا وقاموا بزراعتها والاستفادة من خيراتها !! ".
وأوضح "دراغمة"، أن عين المياه الوحيدة الموجودة في القرية كانت هي المصدر الأساسي والرئيسي الذي يعتمد عليه المزارع الفلسطيني في ري المزروعات من خضروات وغيرها.
ويضيف أن القرية بقيت محافظة على حضارتها وعاداتها وتقاليدها , حيث تم بناء منازلها من التراث المعماري العريق ، فصنعت بيوت "اللبن" الطينية التي تعكس حضارة المنطقة الممتدة عبر التاريخ، وما تزال هذه البيوت تميز القرية ومحيطها.
وقرية "عين الساكوت" ليست الوحيدة التي دمّرها الاحتلال عام سبعة وستين ؛ فهناك أكثر من اثنين وثلاثين قرية أخرى في منطقة الأغوار الشمالية وقعت تحت السيطرة الصهيونية ، وغالبيتها يُحظر الوصول إليها ؛ فضلاً عن أنها جميعاً تعاني من انتشار حقوق الألغام.
ولا تمانع سلطات العدو في دخول فلسطينيين إليها، لكنها تضع إشارات تحذيرية تمنع عبور المنطقة ، وتظهر عند عدة كيلومترات نقاط المراقبة العسكرية للاحتلال.
وتقع عين المياه التي كانت تغذي القرية خلف حقول ألغام زرعتها الجيش الصهيوني، قبل أن ينصب إلى الغرب منها ثلاث أسيجة شائكة بداعي منع التسلل ، واجتياز الحدود مع الأردن.
ومنذ عامين أزال الاحتلال الأسلاك الشائكة، وفتح المنطقة أمام المستوطنين، الذين زادوا مساحة سيطرتهم على الأراضي هناك ، وهو ما دفع محافظة طوباس بالتنسيق مع الفعاليات وأصحاب الأراضي إلى الإعلان عن حملة لاستعادة هذه الأراضي وزراعتها وسط استجابة واسعة من قِبل المواطنين.
المصدر: موقع "العهد"الإخباري