منذ ما بعد حرب العام 2006، وكجزء من العبر المستخلصة منها، تنفذ "اسرائيل" سنويا، تقريبا، مناورات لجبهتها الداخلية، تنطلق من حقيقة لم يعد بوسع قيادتها السياسية والامنية تجاهلها، بأن عمقها الاستراتيجي بات جزءا لا يتجزأ من ساحات القتال خلال اي حرب مقبلة.
وضمن هذا الاطار، بدأ كيان العدو مناورة الجبهة الداخلية، "نقطة تحول – 2015"، تستمر حتى يوم الخميس المقبل، وفق سيناريو تلقي "اسرائيل" أكثر من 1000 صاروخ يوميا، في حرب ضد لبنان وقطاع غزة. ويتضمن سيناريو المناورة، أيضا، إصابة منشآت استراتيجية "إسرائيلية" مثل الموانئ والمطارات ومحطات توليد كهرباء وشبكات مياه.
تعكس هذه المناورات، التي لم تجرها "اسرائيل" السنة الماضية بسبب عملية "الجرف الصامد" ضد قطاع غزة خلال الصيف الماضي، التحولات الاستراتيجية التي استجدت على المعادلات التي تحكم حركة الصراع بين قوى المقاومة والجيش الاسرائيلي. احد أهم معالم هذه التحولات، تبلورت بفعل نجاح حزب الله، وقوى المقاومة الفلسطينية، في إسقاط مبدأ نقل المعركة الى اراضي الآخرين الذي كان يعتمده جيش العدو. وهو ما شكل نهاية للزمن الذي كان جيش العدو يحارب فيه على الجبهات، فيما مستوطنو الكيان يتجولون ويتنزهون في المدن وعلى الشواطئ.
وما كان ذلك ليتحقق، إلا بفعل استراتيجية الصواريخ التي اعتمدتها المقاومة ردًّا على الاعتداءات الاسرائيلية. لكن تسليم صانع القرار في تل ابيب بهذه الحقيقة لم يأتِ إلا نتيجة المسار التصاعدي للقدرات الصاروخية للمقاومة، وبشكل تدرجي، بعد سلسلة من المواجهات مع حزب الله ولاحقا مع قطاع غزة، وتحديدا بعد الفشل الابرز الذي واجهه جيش العدو في تاريخه، خلال حرب العام 2006.
هذا الواقع فرض نفسه على قرارات وخطط قيادات العدو التي وجدت نفسها ملزمة باعتماد استراتيجية دفاعية، موازية لتطوير قدراتها الهجومية، تقوم على أساس تطوير منظومات اعتراض صاروخي متعدد الطبقات، وبناء تحصينات توفر قدرا من الدفاع السلبي انطلاقا من أن المنظومات الاعتراضية غير قادرة على توفير الامن المنشود. وتأتي هذه المناورة كجزء من عناصر تكمل بعضها البعض في اطار استراتيجية دفاعية شاملة.
مع ذلك، تندرج هذه المناورات ايضا، ضمن سياسة مدروسة ومحدَّدة تهدف الى تهيئة الجمهور وتكييفه مع ما تتوقعه القيادة الاسرائيلية خلال الحرب المقبلة. وتربيته على عدم المبالغة في قدرات لجيشه، وتخفيض سقف توقعاته ازاء أي حرب مقبلة مع أعداء "اسرائيل" وتحديدا مع حزب الله.
رغم أن المناورة تأتي ضمن برنامج عسكري محدد، إلا أنَّ ذلك لا يلغي الأبعاد الظرفية التي قد تنطوي عليها لجهة تزامنها مع التطورات الاقليمية المتسارعة، السياسية والامنية. ومن أهم مفاعيل هذه المناورة الحالية، أنها تعمل على بناء الجهوزية لدى العدو كي يكون مستعدا في حال حصول تطورات اقليمية مفاجئة تدفعه للمبادرة الى خطوات عملانية واسعة.