تناول كثيرون في الأيام الماضية معركة القلمون الأخيرة، تحليلاً ودراسة وربطاً بمعركة سوريا ضدّ الإرهاب أو ربطاً بمعركة لبنان (ليس كلّه طبعاً) ضدّ الإرهاب أيضاً، كما وأجمعت أغلب هذه الدراسات بالتأكيد على الدّور الأساس لحزب الله، الحليف الاستراتيجي للجيش السّوري، في هذه المعركة وفي التأثير الفعّال على الانتصار فيها.
طبعاً، إسرائيل تُراقب ما يجري وهي قلِقة من النتائج المُهمّة التي حقّقها الجيش السّوري وحليفه الاستراتيجي حزب الله في هذه المعركة، ويمكن الإشارة في ذلك إلى النّقاط التالية:
أوّلاً: رأت إسرائيل هزيمة حُلفائها الإرهابيّين الذين رعتهم وساعدتهم في أكثر من مفصل أو في أكثر من طريقة، من إعطائهم المعلومات الاستعلاميّة المُهمّة عن أماكن تمركز وانتقال الجيش السّوري وحلفائه، إلى الأسلحة النوعيّة التي تمّ العثور عليها في مراكز هؤلاء الإرهابيّين، إلى الغارات الجويّة التي نفّذتها في غير مُناسبة وفي غير مكان على نقاط حسّاسة عسكريّاً وأمنيًا للجيش السّوري أو لحلفائه، إلى المساعدة السياسيّة والإعلاميّة وعلى صعيد عالمي في الضّغط على الجيش السّوري وعلى حلفائه في كافّة القنوات الدبلوماسيّة الفعّالة.
ثانياً: لِجبال القلمون أهمّيّة استراتيجيّة كُبرى في نظر العدوّ الإسرائيليّ، إنّها الجبال الأكثر ارتفاعاً في الوسط السّوري اللّبنانيّ، حيث تعطي السّيطرة عليها ميزة عسكريّة مهمّة في المُراقبة والرّصد والتحكّم، إنّها الجبال الواسعة ذات الطّبيعة الصّعبة والتي تشرف على بيئة حاضنة للمُقاومة مع ما يعني ذلك من إمكانيّة استغلالها كقواعد انطلاق لصواريخ استراتيجيّة كاسرة للتوازن ولسيطرتها الجوّيّة والعسكريّة في حربها ضدّ محور المقاومة بالكامل، ومن الطّبيعيّ أن تقلق وتخاف من استعادة سيطرة الجيش السّوري وحلفائه على هذه الجبال.
ثالثاً: إنّ مصدر القلق الأساس لدى إسرائيل هو المستوى العسكريّ اللافت الذي ظهر به مُقاتلو حزب الله، حيث استنتجت ذلك من الخيوط والعناوين الأساسيّة التي بدتْ في مُناورة الحزب في معركته الأخيرة في جبال القلمون وجرود عرسال وقد يكون من المُناسب ولِتفسير مصدر القلق الإسرائيليّ في هذا الموضوع العودة إلى بعض التّفاصيل التي ميّزت هذه القُدرة القتاليّة وهذا المُستوى العسكريّ...
لقد تكلّم كثيرون عن السّرعة اللافتة في تقدّم عناصر حزب الله في مُهاجمة واحتلال مراكز الإرهابيّين، وركّز آخرون على أهمّيّة معارك التّلال والقِمم المُرتفعة ونجاح حزب الله في السّيطرة عليها بعد أن أعماها بنيران المُساندة الفعّالة بواسطة أسلحة نوعيّة ظهر قسم قليل منها في المشاهد التي بثّها إعلامه الحربيّ عن سير المعارك وعن طريقة تنفيذ المُساندة النارية ، ولكن لم يتطرّق أحد إلى الإنجاز الرئيس في فكرة حزب الله والذي ظهر في بداية المعركة أو في مرحلتها الأولى والذي تمثّل بالسّيطرة على عسال الورد، هذه السيطرة اللافتة بطبيعتها الصاعقة حيث اختار عناصر الحزب عمقاً أساسيّاً وقويّاً لتجمّع الإرهابيّين، وانقضّوا عليه وبعد احتلاله والسّيطرة السّريعة عليه حصلوا في ذلك على ثلاث نقاط مُميّزة كانت أساسيّة في تحقيق نجاح باقي مراحل العمليّة، فالنّقطة الأولى كانت في فصل جرود القلمون عرسال أو بُقعة العمليّة الأساسيّة عن منطقة الزبداني أو عن مصدر بشري ولوجستي مهمّ للعناصر الإرهابيّة، والنّقطة الثانية كانت في وصل جرود بريتال مع جرود القلمون حيث أمّنوا مصدراً أساسيّاً وسريعاً من النّاحية اللّوجستيّة والبشريّة لعب دوراً بارزاً في دعم معركة مُهاجمة الجرود وتلالها الاستراتيجيّة في المرحلة الثانية، والنّقطة الثالثة كانت في الحصول على قاعدة انطلاق هي الأمثل في بُقعة العمليّات لتركيز مُهاجمة واسعة وناجحة ومُناسبة لفرض السّيطرة عبر محور هُجوم أساس جنوب - شمال .
إذاً، نستطيع أن نستنتج لماذا يتمّ اعتبار ما جاء أعلاه مصدراً أساسيّاً للقلق لدى إسرائيل من هذه المعركة، وذلك بعد ربط هذه المُناورة بمنطقة الجليل الأعلى على الحدود الشماليّة لفلسطين المحتلّة مع جنوب لبنان : إنّه السيناريو المُخيف الذي بدأ العدوّ يلمسه حقيقة بعد أن كان هاجساً مُحتملاً، إنّها الضّربة القاضية التي سوف يعجز العدو عن مواجهتها، إنّه التّغلغل الخاطف في قُرى وبلدات الجليل والذي سوف ينفّذه حزب الله عند أوّل معركة ضدّ هذا العدوّ في جنوب لبنان، إنّه الدّخول في عُمق انتشار العدوّ، إنّها المُواجهة الأحبّ على قلب رجال حزب الله وإنّها المُواجهة الأصعب التي يخشاها العدوّ.