ورث الاحتلال الصهيوني عن سلفه المنتدب البريطاني هيكلية قانونية انتدابية وضعت خصيصاً لحالات الطوارئ، وهي إكسير الحياة في البنية القانونية الصهيونية. وهذا الميراث يمنح العنصرية مكانة مرموقة في النظام التشريعي الذي ينطلق من البقعة المعتمة التي يقطنها الفلسطيني في الداخل، وهي البقعة التي يعامل فيها معاملة الغريب عن أرض أجداده تارة، وكمواطن وإن بصورة دونية تارة أخرى.
وينطلق التشريع في كيان العدو قبل كل شيء، من نظرة المُشرعين التي تكون دونية، مجحفة، منكرة ومهينة، وهنا هي تماماً كالممارسة. ليس غريباً ان يكون المحتل عنصرياً، فالمتوقع أصلاً أن يحذو حذو الكيانات الاستعمارية الكولونيالية الأخرى في العالم، أي أن يكون عنصرياً، متعالياً ووقحاً، حتّى وإن كان يرى نفسه واحة للديموقراطية في صحراء الدكتاتورية العربية. ولكنه أفضلهم في إتقانها، فهو في أحيان كثيرة يغلف عنصريته بذكاء وخبث ويزينها بقناع الديموقراطية، وبذلك هو يستحق لقب الفنان العنصري.
نأخذ قانون التعليم الحكومي مثالاً على ذلك، والذي ينص على «معرفة اللغة، الثقافة، التاريخ الإرث، والتراث الذي يميز المجتمع العربي». في ظاهِرِهِ قانون ديموقراطي يعطي للأقلية العربية صاحبة الأرض، الحق في تعلم لغتها وتاريخها ولكنه يتضمن الكثير من العنصرية المبطنة أولاً لأن المواد التعليمية التي يتلقاها الطالب الفلسطيني عن تاريخه قائمة على رؤية استشراقية وليس على حقائق موضوعية، فالعربي بحسب المنهاج التعليمي هو الذي يرمي القمامة على الأرض ولا يحافظ على الممتلكات العامة، وهو «الإرهابي» الذي ينسف الحافلات ويقتل الأبرياء، وهو الذي لمْ يراوح مكانه منذ آلاف السنين.
إضافة إلى تجاهلها للانتماء القومي والحضاري للعرب، حيث شملت حيزاً كبيراً من تاريخ اليهود والحركة الصهيونية، وركزت على عصور الانحطاط في تاريخ الامة العربية بعد ان أفرغته من الرموز التقدمية والحضارية للامة، كما أن المنهاج، يرتب أهداف جهاز التعليم بحيث ترسّخ المبادئ المذكورة في إعلان إقامة الكيان الصهيوني، وقيام الدولة كدولة يهودية وديمقراطيّة؛ تعليم التوراة، تاريخ الشعب اليهودي، إرث «إسرائيل» والتراث اليهودي، تخليد ذكرى الكارثة والبطولة والتربية على احترامه.
يستذكر المحامي فؤاد سلطاني (طيرة المثلث- فلسطين المحتلة): هجرة اليهود لفلسطين كانت عبارة عن هجرتهم لأرض خالية من السكان مليئة بالمستنقعات وبالبعوض ما اضطرهم إلى إصلاحها. هذا ما تعلمته في المدرسة في المرحلة الابتدائية.
ويوضح المحامي يامن زيدان (بيت جن_ الجليل الأعلى): قانون التعليم الحكومي لا يعطي للأقلية العربية معرفة كل تاريخها وإنما الجزئيات التي لا تضر الدولة ولا تمس بالولاء لها. وجهاز التعليم العربي يخضع لرقابة شديدة من قبل جهاز المخابرات وأخصائيين أكاديميين صهاينة، الأمر الذي يحول دون إعطاء الحرية المطلقة لجهاز التعليم العربي ومؤسساته لاختيار مواد التعليم المتعلقة بالتاريخ والأدب والسياسة المبينة على حقائق علمية موضوعية.
ويقوم قانون التعليم الحكومي الالزامي، بالتعامل مع الدروز على أنهم قومية مستقلة، منفصلة وقائمة بحد ذاتها لا علاقة للعرب بها. حيث وصلت الصفاقة بوزارة المعارف بأن خلقت تراثاً وتاريخاً درزياً خاصاً في محاولة لفصلهم عن التاريخ والحضارة العربية. حدث ذلك في اعقاب اندلاع مواجهات كبيرة بين شرطة العدو والقوى الوطنية الدرزية، خلال تظاهرة كبيرة نظمت في مقام النبي شعيب في السبعينيات، احتجاجاً على استعمال المقامات الدينية للمناسبات السياسية والعسكرية. وعلى إثرها شُكّلت لجنتان (شحطرمان وأور) ضمتا أخصائيين أكاديميين ومسؤولين مخابراتيين، بحثوا في كيفية مأسسة فصل الدروز عن بقية العرب وتوصلوا إلى جملة من التوصيات أولها: خلق قومية خاصة بالدروز بحيث تقوي الاعتزاز للانتماء (السياسي) الجديد. ثانيها: تعليم ما يسمی بالتراث الدرزي. ثالثها: فصل المنهاج التعليمي الدرزي عن العربي. رابعها: فصل المجالس الدرزية عن العربية وآخرها تعليم التاريخ الدرزي والتشديد علی خلافات ما بين العرب المسلمين السنة والدروز.
القومية الدرزية تلغي باقي الإنتماءات، يذكر في كتاب المدنيات «أن نكون مواطنين في دولة اسرائيل» أن الدروز قومية إثنية وهناك بعضاً منهم يدعي الانتماء للقومية العربية. هذا ما يتلقاه الطالب العربي الدرزي: إنكار انتمائه العروبي، يضيف زيدان.
يقول المفكر الصهيوني اسا كاشر إنّ «ردّ فعل ضحية العنصرية يكون بإحدى الطريقتين، إما أن يقول أنا أدرك ما هي العنصرية ولذلك لن أمارسها ضد الآخرين وإما أن يقول أنا أعلم ما هي العنصرية ولن اسمح للآخرين بانتقاد ممارستي لها». والأخيرة هي النمط المتعارف عليه في الاوساط الصهيونية. وكل من يقول إن الادعاء بأن ضحية العنصرية لا يمكن له أن يكون عنصرياً هو محض ادعاء عاطفي، يُتهم بمعاداة السامية ومحاولة طمس «الكارثة» التي حلت باليهود.
أن تكون مواطناً في كيان العدو ليس معناه أن تحصل على حقوقك المدنية، كما يُدّعى في الأوساط غربية وبعض العرب المهللين لذلك، بل معناه أن تحصل على ما يريده لك عدوك من حقوق.